اقتصاد دولي

هل تحتاج الحكومة البريطانية المقبلة للاستثمارات الخليجية؟

تحتاج أية حكومة في بريطانيا بعد انتخابات الرابع من يوليو (تموز) المقبل إلى تدفق كبير للاستثمار الأجنبي المباشر، لتمويل خطط التوسع في النشاط الاقتصادي من دون زيادة كبيرة في عجز الموازنة البريطانية نتيجة الاقتراض الكبير وارتفاع الدين العام لأكثر من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وغالباً ما يتجه نظر الحكومة البريطانية، سواء كانت من حزب المحافظين أو حزب العمال، إلى دول الخليج وفي مقدمها السعودية لجذب الاستثمارات، وخلال الآونة الأخيرة لم يعد انسياب رأس المال في اتجاه واحد فقط، أي من المنطقة الخليجية إلى لندن، وإنما في اتجاهين، بخاصة مع سعي دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً من قطاع الطاقة فقط.

ومع ذلك تظل مشاريع الطاقة أساسية في التبادل بين بريطانيا والسعودية وغيرها من دول الخليج، بخاصة مع بدء تلك الدول طرح مشاريع كبيرة للتحول في مجال الطاقة، سواء بإنتاج الطاقة من الهيدروجين أو مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، ويوفر ذلك فرصاً للاستثمار الأجنبي إضافة إلى الاستثمار في قطاع السياحة الناشئ وسريع التطور في دول المنطقة، وفي هذا السياق جاء عقد “القمة البريطانية – السعودية للبنية التحتية المستدامة” في لندن أمس الأول الإثنين، بتنظيم من مجلس الأعمال السعودي – البريطاني المشترك و”سيتي أوف لندن كوبوريشين”، ومع أن المؤتمر ركز على المشاريع العملاقة وبنيتها التحتية إلا أن إحدى جلساته كانت بعنوان “مبادرات التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة… توسيع نطاق التقنيات الخضراء وتقنيات البناء منخفضة الكربون للبيئة المبنية”.

استثمارات وتجارة

ومن بين أهداف السعودية في جلب الاستثمار الأجنبي لمشاريعها الكبرى نقل الخبرات وتوطين التكنولوجيا في إطار السعي إلى تنويع الاقتصاد، وتشير “ورقة سياسية” لمكتب رئاسة الوزراء البريطاني الشهر الماضي ونشرت على موقع الحكومة، إلى أن “الكيانات السعودية المصدرة للسندات جمعت رأسمال يصل إلى 55.9 مليار جنيه إسترليني (71 مليار دولار) في لندن منذ عام 2022، منها 11 مليار جنيه إسترليني (14 مليار دولار) لتمويل مشاريع خضراء مستدامة”.

وفي المقابل تتوالى الاستثمارات السعودية المباشرة وغير المباشرة على السوق البريطانية في سياق اقتناص الفرص، بخاصة من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أما بالنسبة إلى التجارة فإن الميزان التجاري يميل لمصلحة بريطانيا، بحسب أحدث أرقام نشرتها الحكومة هذا الشهر، في حين يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 17.3 مليار جنيه إسترليني (22 مليار دولار)، وبلغت الاستثمارات البريطانية المباشرة في السعودية العام الماضي 5.1 مليار جنيه إسترليني (6.5 مليار دولار).

وتزامن المؤتمر في لندن مع تقرير لوكالة “بلومبيرغ” عن قرب صفقة شراء الصندوق السيادي السعودي ما يصل إلى 10 في المئة من مطار “هيثرو” الشهير بالعاصمة البريطانية لندن.

وكانت مجموعة “فيروفيال أس إي” الإسبانية المالكة حصة غالبية في المطار الكبير أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أنها ستبيع حصتها في “هيثرو” البالغة 25 في المئة للثنائي، صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق الاستثمار في الأسهم الفرنسي (أرديان)، على أن يشتري الصندوق السعودي 10 في المئة والصندوق الفرنسي 15 في المئة.

وبحسب تقرير الوكالة فإن عدداً أكبر من المساهمين في المطار أعلنوا أنهم سيبيعون حصصهم أسوة بالمجموعة الإسبانية، إذ تصل تلك الحصص إلى 35 في المئة إضافة إلى حصة “فيروفيال”، مما يجعل المعروض للبيع من “هيثرو” نحو 60 في المئة من أسهم المطار. وتقول “بلومبيرغ” إن الصندوق السعودي سيظل متمسكاً بشراء 10 في المئة، بينما سيزيد الصندوق الفرنسي حصته المشتراه.

ويأتي هذا الاستثمار المتوقع في “هيثرو” ليضاف إلى استثمارات سعودية أخرى في بريطانيا، إلا أن مكتب الإحصاء الوطني وموقع الحكومة البريطانية لم يفصحا عن الحجم الكامل للاستثمارات السعودية داخل الاقتصاد البريطاني.

بنية تحتية وطاقة خضراء

وتشير التوقعات على نطاق واسع إلى أن حزب العمال المعارض هو من سيفوز خلال الانتخابات العامة مطلع الشهر المقبل، وبحسب خطط الحزب المعلنة وتصريحات زعيمه كير ستارمر الذي يمكن أن يكون رئيس وزراء بريطانيا بعد أسابيع قليلة، ووزيرة خزانة الظل راتشيل ريفز، فإن هدف حكومة الحزب الأهم هو زيادة النمو الاقتصادي، إذ يتطلب ذلك استثمارات لن تتمكن الحكومة من الوفاء بغالبها، وبالتالي يعتمد القدر الأكبر من التمويل على استثمارات القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي.

وتجمع مراكز الأبحاث وغالبية الاقتصاديين والمحللين على أن التحدي الأكبر أمام الحكومة المقبلة هو التدهور الهائل في الخدمات العامة، ويتطلب ذلك إنفاقاً هائلاً على البنية التحتية لتلك الخدمات من السكك الحديد والطرق إلى شبكات الطاقة والمياه وغيرها.

ويقدر مراقبون خطط الإنفاق المعلنة من قبل حزب العمال إذا وصل إلى الحكم بأكثر من 106 مليارات جنيه إسترليني (134 مليار دولار)، وفي ظل العجز الحالي في الموازنة فلا يمكن تمويل ذلك الإنفاق من دون الاستثمار الأجنبي الخاص والاقتراض.

ومع بلوغ حجم الدين العام نسبة تقارب 100 في المئة من الناتج المحلي، وارتفاع كلفة خدمة الدين الحكومي بسبب أسعار الفائدة العالية، فستلجأ الحكومة المقبلة إلى إغراء الاستثمار الأجنبي بالدخول في مشاريع مثل الطاقة الخضراء والبنية التحتية.

ومع أن البيان الانتخابي لحزب العمال يتحدث عن إقامة شركة عامة حكومية لمشاريع الطاقة الخضراء، إلا أن ما ذكر عن مصادر التمويل لن يكون كافياً لتغطية نشاطها المستهدف، وعلى رغم أنها قد تكون شركة عامة مع توقعات تأميم حكومية لبعض الخدمات مثل السكك الحديد، إلا أن ذلك لن يعدم فرص الاستثمار الأجنبي، ومنه السعودي والخليجي، وإلا ستفشل الحكومة في تلبية متطلبات الإنفاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى