اقتصاد كويتي

بيان من الجمعية الاقتصادية الكويتية

وزير المالية.. الرأي الآخر

نكتب هذا البيان ونحن مدركون حالة الترقب العام مما يسود المشهد الاقتصادي الكويتي، حيث آثرنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية على مر الظروف المتعاقبة مع أبناء الوطن من الاقتصاديين والمختصين إلى إطلاق صرخات للرفق بهذا الوطن.

هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي، لذلك ليس غريباً أن يصب الرأى العام غضبه على الحكومة من جراء التأخر في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية لتحسين الحياة الكريمة للشعب الكويتي من ضمن الإصلاح السياسي المنشود، وكذلك من التصريحات التى تستخف بعقول الناس ومشاعرهم وآخرها ما جاء في لقاء الأخ وزير المالية.

بدايةً نؤكد ما جاء في بياننا السابق بمد يد التعاون مع أي رئيس وزراء يحظى بثقة حضرة صاحب السمو الأمير – حفظه الله – ، فإننا اليوم نؤكد هذا الالتزام من الجمعية الاقتصادية الكويتية من باب الالتفاف حول القيادة السياسية نظراً لأهمية المواضيع العالقة التي يغلب عليها الجانب الاقتصادي والمالي ونظراً لحساسية الوقت ولأننا أصبحنا نتفنن في إضاعة الفرص ونعرف أننا لا نملك رفاه الوقت. لذا من الواجب يا سمو الرئيس علينا أن نقول هذه النقاط الأساسية استشعارا لروح المسؤولية الوطنية..

أولاً: المساواة لا تعني العدالة

العدالة والمساواة لا يلتقيان ليس فقط اقتصادياً بل في المجريات العامة، وأن الله سبحانه دعانا للعدل وهذا مبدأ رباني يمكن اسقاطه على الجانب الاقتصادي في التعاطي مع الدعوم التي تدفعها الدولة من محروقات، كهرباء، ماء، أراضي صناعية وزراعية، ودعم عمالة وطنية.

حيث دعت الجمعية الاقتصادية الكويتية في بيانات عدة بأن سلم الإصلاح الاقتصادي لا يبدأ بالمواطن ولكن بعدالة الدعوم الموجه للمواطن، فلا يجوز مساواة من يستفيد بالدعوم الموجه للبنزين ليشغل إسطول سيارات في شركات التوصيل بمن يملك سيارة وحيدة، ولا يمكن مساواة من يشغل مصنع متكامل بالأجهزة التي تعمل لساعات طويلة بمواطن يسكن في بيت واحد من حيث الحمولات الكهربائية ولا حتى من يكون راتبه بسيط في القطاع العام مع من يتلقى مبالغ عالية في دعم العمالة الوطنية. لذلك أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يدفع الناس ثمن التباطؤ بالإصلاح الاقتصادي ولا يستفيدون بعوائده وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن.

ثانياً: الجربة مقضوضة

كررنا في بياناتنا السابقة في الجمعية الاقتصادية الكويتية بأن أوليات الاصلاح الاقتصادي تتشكل في إيقاف الهدر الصارخ في الميزانية وتطرقنا له بإسهاب في مواطن الهدر بالأرقام والأبواب في الميزانية. وقد كرر الأخ وزير المالية أهمية إيقاف الهدر لكن مع الأسف دون الذهاب إلى أبوابه وأسبابه ودوافعه وماهي أكبر مسببات الهدر وأين يذهب هذا الهدر، ولكن فقط اكتفي بكلام إنشائي لا يسمن ولا يغني من جوع. ومما يجعل الموضوع أكثر ضبابية هو عجز الحكومة عن التحرك وفق برنامج محكم بإقرار الدين العام عبر خطة إنفاق أدى لتمويل العجز بالسحب من أصول الاحتياطي العام السائلة، وأصبح الصندوق صفري، وفقاً لتقارير محلية عدة وكلام الأخ وزير المالية.

ثالثاً: القطاع الخاص ليس له أولويه

هذا الوطن بنى على أكتاف الرجال المخلصين ممن ضربوا أصقاع الأرض شرقاً وغرباً وحولوا الأرض القاحلة بلا خضرة ولا ماء إلى بلد يتمنى الجميع مواطنته. لذلك التجارة الحرة والقطاع الخاص هو عنصر أساسي في نهضة أي اقتصاد مستدام وهذا لا يخفى على سموك كونك إبن هذا القطاع. إن استمرار القطاع العام عالي التكلفة وضعيف الإنتاجية في الهيمنة على أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، يجعل الأداء الاقتصادي التاريخي للدولة غير موفق. المحزن أن درجة اعتماد الاقتصاد على النفط اليوم قد تزايدت، ودرجة ارتهان مستقبل الكويتيين به قد تضاعفت. 

لا يمثل الاعتماد النفطي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الكويت إذ لا يزال القطاع الخاص غير قادر على المنافسة بالمعايير العالمية والإقليمية، متكلاً بصورة أساسية على العقود الحكومية والمناقصات لكي ينمو ويكبر. هذا في ظل تراجع نسبة العمالة الوطنية منذ الثمانينات إلى اليوم، فالقطاع العام يساهم بنحو 70٪؜ تقريباً من حجم الناتج المحلي الإجمالي وهو ما ليس له مثيل إذا ما قارناه في دول العالم المتقدم “اقتصاديا” وبالأخص بعد ثبوت عدم القدرة على قيام الحكومات بعملية الإنتاج السلعي والخدمي، ولا يوجد ذلك اليوم إلا في التجرية الإقتصادية لكوريا الشمالية.

هذا يدعونا لضرورة تغيير الفكر الاقتصادي في البلاد والتفكير بمزيد من المساندة للقطاع الخاص. لذلك فإن تفعيل برامج الخصخصة لرفع كفاءة الدولة وتحسين الخدمات العامة وكذلك بتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي لها تجربة يتيمة بالكويت ولم ترى النور لحد اللحظة بعد أكثر من عقد من الزمان. وهذا من الأدوات المهمة لصقل وتحسين ميزانية الدولة بتهذيب مصاريفها. وهذه الحلول وسرد المشاكل بعمق اقتصادي أيضاً ما كان غائباً في مقابلة الأخ وزير المالية في دولة يُعد قطاعها الخاص لبنة أساسية من تشكيل اقتصادها منذ الأزل. لذلك ما تم طرحه كحلول سياسية لمعالجة مشكلات الاقتصاد هو ما أدى إلى تضخم تكلفة تسييس الاقتصاد وتضرره بسياسات معيقة للتنمية ولجهود تنويع موارد البلاد.

 

رابعاً: المشاريع الصناعية والإغراق

دعم المنتج المحلي هو هدف أصيل للجمعية الاقتصادية الكويتية وما نسعى له دائماً في بياناتنا وعملنا هو حماية بيئة الأعمال الكويتية ومتانة اقتصادنا المحلي. لذا فإن حماية المصانع الكويتية من مخاوف الإغراق من الدول القريبة والبعيدة هو واجب وطني. بحيث تقوم بعض الدول الخليجية برعاية ودعم منتجاتها ومحاولة تعزيز مساهمتها في دول خليجية آخرى. لذلك فإن من باب أولى تشريع قانون يجيز ويشجع ويعزز الصادرات الكويتية للدول الخليجية وإعطائهم ميزات إضافية في سعيهم لتوطين هذه الصناعة خليجياً وليس فقط محلياً وكذلك إقليمياً في دول قريبة (العراق على سبيل المثال). وأكدنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية أنه في ضوء ندرة التصنيع المحلي لبعض المنتجات التي تسعى إليها جهات الدولة في مشترياتها الحكومية وسعياً إلى توطين بعض الصناعات فإننا أشرنا سابقاً إلى فتح الرخص للنشاطات المحدودة والمعنية بصناعة وإنتاج وتكرير وتحويل المواد الخام، وأكدنا على تكليف الهيئة العامة للصناعة بمراجعة إجراءات تخصيص تسليم الأراضي لأغراض الصناعة الوطنية والإسراع في تلبية الطلبات المقدمة بهذا الشأن في إطار القوانين واللوائح المنظمة لذلك وبما يسمح بتعزيز وزيادة النشاط الاقتصادي وتشجيع المنافسة لمواكبة التطورات الإقليمية والعالمية بهذا الخصوص.

وهذا ما كان مفقوداً للأسف في حديث الأخ وزير المالية بمعرفة سعي الدولة بتعزيز هذا القطاع المهم الذي كان بسبب نهوضه رافد مهم لاقتصاد دول الجوار وعنصر فعال لخلق فرص عمل حقيقية.

 

خامساً: المشاريع الصغيرة المنسية

إن الاقتصاد القائم من جهة، والاستهلاك المرتبط به من جهة أخرى، غير مبني في أغلبه على اقتصاد القيمة المضافة “Added Value”، بل على خلق احتياجات غير أساسية.  لذلك فإن الحاجة الملحة لتبني ودعم المشاريع الصغيرة هي ذات الحاجة الملحة لبناء اقتصاد وطني جديد متنوع ومستدام في حقبة ما بعد النفط، فهذه المشاريع بحاجة لأن يفتح لها المجال والأفق في الصناعة والزراعة والنقل وصولاً إلى التصدير بحيث تصبح مجدية وجاذبة لآلاف الخرجين في التوجه إلى الأعمال الحرة وخلق رأس مال منتج بدلاً عن الراتب الحكومي، وهذا أحد اللبنات الأساسية في تشكيل أي اقتصاد مستدام لم نسمع أي حديث عنها في نواحي تنويع مصادر الدخل للدولة.

لذلك تعتبر المشروعات الصغيرة بديلًا استراتيجيًّا لجميع الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، لعلاج الكثير من المشكلات التي تواجه اقتصاداتها من ناحية، لكن برغم ادعاء أغلب الدول اهتمامها بهذه المشروعات، إلا أن عددًا قليلًا منها نجح في الاستفادة من الإمكانات والمزايا المحققة من خلال تبني ورعاية هذه المشروعات، والسبب في ذلك هو عكس ما نملك من ضعف الترويج لثقافة المبادرة وتأثر بيئة العمل بنقص الحوكمة والفساد والمحسوبية ونقص تحديث التشريعات ونقص التمويل نتيجة عدم الاكتراث بهذا العنصر الحيوي الذي يشكل عنصر مهم لأي ناتج محلي في الدول المتطورة. 


سادساً: شركة المشاريع التكنولوجية

ذكر الاخ وزير المالية في حديثه عن تأهيل 4 شركات وطنية معنية بالتكنولوجيا لعمل مشروع “الفايبر اوبتك” لخدمات الانترنت السريعة في الكويت، وهي فكرة محمودة ولكن لاقى هذا الحديث استغرابنا بعدم إسناد هذا المشروع للشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا (NTEC) والتي تأسست في نوفمبر 2002 كشركة مملوكة بالكامل للهيئة العامة للاستثمار، والتي تم إنشاؤها للعب دور حيوي في إقامة المشروعات المتخصصة ذات التقنية الحديثة لتنمية الاقتصاد الوطني من خلال مختلف أوجه القطاعات الصناعية والتجارية والمهنية والحرفية والخدماتية. وقد يكون قد غاب عن الوزير دور هذه الشركة الغائب عن الساحة وحيث أننا لم نرى في مسيرة 22 سنة أي شيء يذكر. 

ونؤكد بأن تفعيل دور هذه الشركة مهم جداً وبعدم الالتفات تغير دور الشركة الأساسي من الاستثمار في صناديق ومحافظ الشركات التكنولوجية بمختلف مجالاتها البيئية والصحية وغيرها، إلى شركة تؤسس مشاريع تحت مظلة “تكنولوجية” ظاهرياً وهي لاتمت للتكنولوجيا المتجددة والطاقات البديلة بصلة. أولها شركة تسويق تنافس شركات القطاع الخاص، وأُخرى للاستشارات الإدارية، وكذلك شركة موارد بشرية تقوم بتعيين طاقات وخبرات في الهيئة وشركاتها التابعة، وإن كانت فكرة الشركة الأخيرة محمودة، ولكنها لا تمت للتكنولوجيا بأي صلة.

أخيراً: سمو رئيس الوزراء .. نصيحة صادقة

جاءت مقابلة الأخ وزير المالية على تلفزيون الدولة الرسمي كفرصة ثمينة لنا كمختصين واقتصاديين لفهم أبرز ملامح التوجه الحكومي الاقتصادي القادم، إلا أن المقابلة من ناحية الأداء والشفافية والمعلومات والغزارة والعمق الاقتصادي جاءت متواضعة. حيث جرت العادة بأن تكون مقابلات وزراء المالية في دول الجوار مشمولة برؤى وخطط مستقبلية لها طابع زمني محدد وعادةّ ما تكون فرصة للوزير لتسليط الضوء على العمل الذي تقوم فيه الوزارة بشفافية عالية وباحترافية نظرية بالشرح. إلا أننا شعرنا أولاً بالإحباط مما جاء من إعداد ركيك للمقابلة من غير أخذ رأي ومشورة المختصين في جمعيات النفع العام، وثانياً بالاستغراب من ضحالة الأسئلة المقدمة للوزير حيث يعكف وزراء المالية في الدول المجاورة على الظهور بشاشات قنوات اقتصادية يكون فيها الإعداد فني بحت والحوار متخصص مهني. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى