مقالات اقتصادية

سيناريوهات مستقبل اقتصاد أوروبا بعد صعود اليمين

كتب أسامة صالح

,,
سيطرته على برلماني فرنسا وألمانيا تهديد بالغ للسندات السيادية في منطقة اليورو

 

تركت انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت يونيو (حزيران) الجاري، يمين الوسط السياسي في مكانه، لكنها عجلت باحتمال حدوث تحول سياسي أعمق في فرنسا بينما تركت الحكومة الألمانية الهشة بالفعل أضعف من ذي قبل، وهو ما أثار تكهنات في شأن التبعات الاقتصادية في أوروبا، في وقت يتوجس المحللون من تداعيات غير حميدة على الاقتصادات في كتلة اليورو مع غلبة تيارات سياسية يمينية على السلطة.
وعلى رغم أن نتائج الانتخابات التي جرت في الفترة من السابع إلى التاسع من يونيو الجاري، أكدت الغالبية السياسية الشاملة التي يتمتع بها يمين الوسط في البرلمان الأوروبي، وحملت على السطح رسالة مفادها الاستمرارية السياسية على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن الغالبية الوسطية تزيد قليلاً على 400 مقعد من إجمال 720 مقعداً في البرلمان، علاوة على أن التحولات السياسية العميقة على المستوى الوطني أصبحت الآن احتمالاً حقيقياً في الدول الأعضاء الأساسية في الاتحاد الأوروبي.
تأثيرات في الأصول الأوروبية
من بين الرؤى التي وضعها اقتصاديون حيال السيناريوهات المتوقعة، يأتي تقرير بنك «لومبارد أودييه السويسري» الذي أعدته رئيسة إستراتيجية الاستثمار والاستدامة والأبحاث نانيت هيشلر فايدهيربي وكبير إستراتيجيي الاقتصاد الكلي بيل باباداكيس، مفصلاً تلك السيناريوهات وتأثيراتها في الأصول الأوروبية. في فرنسا، أدى رد فعل الرئيس إيمانويل ماكرون على فوز حزب «التجمع الوطني» بقيادة مارين لوبان في الانتخابات البرلمانية الأوروبية من جولة واحدة، إلى حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، واستجابت الأسواق على الفور، فدفعت عائدات السندات السيادية الفرنسية لـ10 أعوام (التزامات الخزانة الفرنسية) من أقل من ثلاثة في المئة إلى ما يزيد قليلاً على 3.30 في المئة (اتسع الفارق في مقابل السندات الألمانية إلى 78 نقطة أساس)، وانخفض مؤشر «كاك 40 الفرنسي» تسعة في المئة خلال الشهر، وبالكاد استقر منذ بداية العام حتى الآن، في حين انخفض مؤشر «داكس الألماني» بنسبة أربعة في المئة خلال الشهر، على رغم أنه لا يزال أعلى بنسبة سبعة في المئة عما كان عليه في بداية هذا العام.
وخلافاً لنظام التصويت النسبي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، فإن عملية التصويت التي تجري على جولتين في مجلسها الوطني في فرنسا تخلق عقبة هائلة أمام أي حزب في تشكيل غالبية عاملة، ففي كل دائرة من الدوائر الانتخابية الفرنسية البالغ عددها 577 دائرة، ما لم يحصل المرشح على أكثر من نصف مجموع الأصوات في الجولة الأولى، تجري جولة إعادة بين المرشحين الأول والثاني، إضافة إلى أي مرشح آخر يجمع أكثر من 12.5 في المئة من الناخبين المسجلين، وهو ما جعل البنك السويسري يتوقع «برلماناً معلقاً» مع عدم حصول أي حزب على 289 مقعداً من دون الحصول على الغالبية المطلقة خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس ماكرون التي تنتهي في أبريل (نيسان) 2027.
حكومة التعايش في فرنسا
ونظراً إلى النتائج القوية التي حققها حزب «الجبهة الوطنية» على المستوى الأوروبي، يتوقع «لومبارد أودييه» على رغم ذلك فوزه بغالبية نسبية، وهذا من شأنه أن يسمح لحزب «الجبهة الوطنية» بقيادة حكومة في سيناريو التعايش، تتألف من الرئيس ماكرون إضافة إلى حكومة يقودها حزب «الجبهة الوطنية».
وفي ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، يرى معدو التقرير، أن مثل هذا السيناريو لن يختلف كثيراً عن أي سيناريو آخر لحكومة الأقلية، إذ سيكون من الصعب تمرير التشريع في برلمان معلق، بغض النظر عمن يقود الحكومة.
تاريخياً، شهدت فرنسا فترات عدة من التعايش، على سبيل المثال بين الرئيس فرانسوا ميتران ورئيس الوزراء جاك شيراك في أواخر الثمانينيات، أو بين الرئيس شيراك آنذاك ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الـ21، ومن المحتمل أن يكون هذا التعايش من أكثر الأمور صعوبة، مع احتمال حدوث احتجاجات وأعمال تخريبية محتملة من قبل القوى المعارضة في جميع أنحاء فرنسا لبعض الوقت، بحسب ما يشير البنك السويسري.
لا غالبية مطلقة
لا يتوقع محللو «لومبارد أودييه» حصول الجبهة الوطنية اليمينية أو أحزاب اليسار على الغالبية المطلقة في البرلمان الفرنسي، إذ يقيم احتمالاً بنسبة 15 إلى 20 في المئة أن يتمكن حزب «الجبهة الوطنية» من تحقيق هذه الغاية، واحتمالاً أقل من 10 في المئة أن تتمكن أحزاب اليسار من تحقيق مثل هذه الحصة المرتفعة من الأصوات، ولا يتوقع بأية حال الأحوال أن يحصل حزب «النهضة» الذي يتزعمه الرئيس ماكرون على الدعم الكافي للفوز بالغالبية المطلقة.
ويلخص التقرير آثار ثلاثة سيناريوهات على السياسات الاقتصادية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن آثارها على الاقتصاد الكلي والأسواق المالية.
كانت تطورات الاقتصاد الكلي الأخيرة بناءة على نطاق واسع، مع وجود اتجاه عالمي نحو تباطؤ التضخم مما سمح للبنوك المركزية، وبخاصة البنك المركزي الأوروبي، باتخاذ خطواتها الأولى نحو تخفيف السياسة النقدية، وتكثر الأخطار السياسية والجيوسياسية وتهدد هذه التوقعات، وفي حين ينصب التركيز الحالي على الانتخابات الفرنسية المقبلة، فإن الانتخابات العامة في المملكة المتحدة ستجري في الرابع من يوليو (تموز) المقبل، وستكون نتائجها وتداعياتها واضحة المعالم، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ستجري الولايات المتحدة انتخاباتها، وإذا أسفرت الانتخابات الفرنسية عن تعايش مع برلمان معلق، فإن المتوقع للبنك السويسري أن يظل الوضع الاقتصادي الأساس لمنطقة اليورو على المسار الصحيح، ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تعافي الأسهم الفرنسية بعد الجولة الثانية من الانتخابات، مما يوفر نقطة دخول محتملة للمستثمرين.

 

آفاق أكثر غموضاً
من ناحية أخرى، إذا ظهر برلمان جديد يتمتع بغالبية حاكمة، فإن المتوقع بحسب معدي التقرير، آفاق اقتصادية أكثر غموضاً بالنسبة إلى منطقة اليوروـ وهذا من شأنه أن يخلق أعظم الأخطار على الأصول الأوروبية الأخرى مثل السندات السيادية في منطقة اليورو، مع توقعات أن تستمر الأسهم الفرنسية في عمليات البيع، وبخاصة في حال وجود حكومة فرنسية ذات غالبية يسارية.
يلفت معدو التقرير إلى أن الهيكل الاقتصادي والمالي لمنطقة اليورو اليوم يبدو مختلفاً تماماً عن أزمة الديون السيادية عام 2012، في وجود برامج البنك المركزي الأوروبي مثل TPI 1 وهو ما يحد من نطاق عمليات البيع غير المنتظمة في سوق السندات، مع الإشارة إلى الشرط الضروري لتفعيل تدخلات البنك المركزي الأوروبي في مبادرة تدابير الحماية هو استعداد الحكومة للامتثال للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى