مختارات اقتصادية

هل الناتج المحلي الإجمالي يكفي لقياس التنمية الشاملة؟

– إن الناتج المحلي الإجمالي هو المؤشر الأشمل لحجم النشاط الاقتصادي في بلد ما، حيث يقيس القيمة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة بعد خصم تكاليف الإنتاج خلال فترة زمنية محددة، ومع ذلك، هل يعتبر هذا المؤشر وحده كافيًا لتقييم مستوى التنمية في بلد ما؟

– يُعد الناتج المحلي الإجمالي للفرد المؤشر الاقتصادي الأكثر شيوعًا لقياس أداء الدول، وذلك لسهولة قياس السلع والخدمات المنتجة مقارنة بمعايير الرفاهية الأخرى مثل الصحة والتعليم.

– ومع ذلك، فإن هذا المؤشر وحده لا يكفي لقياس التنمية الشاملة، والتي تشمل أبعادًا اجتماعية وبيئية إلى جانب البعد الاقتصادي.

– لحساب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، نقسم إجمالي القيمة الإنتاجية على عدد السكان، هذا المؤشر يعطي فكرة أفضل عن مستوى المعيشة في بلد ما، ويسمح بالمقارنة بين دول مختلفة ذات أحجام اقتصادية متفاوتة.

آراء رجال الاقتصاد

– يرى الاقتصادي الفرنسي البارز توماس بيكيتي أن الانكماش الاقتصادي المتوقع مستقبلاً، والذي قد ينجم عن التطورات التكنولوجية أو التغيرات الديموغرافية، سيؤدي على الأرجح إلى تركيز هائل للثروة والسلطة الاقتصادية والسياسية بأيدي قلة من الأفراد.

– ويربط بيكيتي بين هذا التفاوت المتزايد وبين الأيديولوجيات والسياسات السائدة، مؤكداً أن هذه الأيديولوجيات تكشف عن أوجه القصور الجوهرية في النظام الرأسمالي.

– ونتيجة لذلك، يشكك بيكيتي في أن النمو الاقتصادي المستمر سيؤدي بالضرورة إلى تحقيق التنمية المستدامة للجميع.

– علاوة على ذلك، ينتقد توماس بيكيتي بشدة الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي كمقياس وحيد للتنمية، وينضم إليه اقتصاديون آخرون في التحذير من أن هذا المؤشر لا يكشف عن جوانب هامة من رفاهية المجتمع، كما أشار إلى ذلك الحائز على جائزة نوبل سيمون كوزنيتس.

– وبدورها، تؤكد نانسي فولبر، الخبيرة الاقتصادية، أن الناتج المحلي الإجمالي لا يعكس القيمة الحقيقية للعمل الذي يقوم به الأفراد، خاصة الأعمال غير المدفوعة، فالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، على سبيل المثال، تسهم بشكل كبير في رفاهية المجتمع، إلا أنها تُستبعد من الإحصاءات الرسمية.

التدابير البديلة

– سعيًا لتقييم التنمية بشكل أكثر شمولية، طوّرت منظمات عالمية عدة مؤشرات بديلة للناتج المحلي الإجمالي للفرد، من بينها مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس مستوى التنمية البشرية في الدول، ومؤشر رأس المال البشري الذي يركز على جودة رأس المال البشري، ومؤشر التقدم الاجتماعي الذي يقيس مستوى التقدم الاجتماعي في المجتمعات.

مؤشرات بديلة للناتج المحلي الإجمالي للفرد

مؤشر التنمية البشرية

يعتمد مؤشر التنمية البشرية على ثلاثة محاور رئيسية لتقييم مستوى التنمية في أي بلد: أولها هو المستوى المعيشي الذي يقاس بالدخل، وثانيها هو الصحة التي تقاس بمتوسط العمر المتوقع، وثالثها هو مستوى المعرفة الذي يقاس بمتوسط سنوات الدراسة، وبهذا، يقدم المؤشر صورة أكثر دقة عن التقدم الذي أحرزه المجتمع.

مؤشر رأس المال البشري

يقوم مؤشر رأس المال البشري بتصنيف 157 دولة استنادًا إلى مجموعة من أربعة مؤشرات للصحة والتعليم.

تتمثل الميزة الأساسية لهذا المؤشر في تركيزه على النتائج التي يحققها التعليم والصحة، بدلاً من مجرد كمية الموارد المُستثمرة فيهما، على عكس الناتج المحلي الإجمالي.

فعلى سبيل المثال، يُولي المؤشر أهمية أكبر لجودة التعليم التي يقيسها مستوى التعلم الفعلي، وليس عدد سنوات الدراسة فقط.

ومع ذلك، يواجه المؤشر انتقادًا يتمثل في التركيز الزائد على الفوائد المادية للصحة والتعليم، مما قد يؤدي إلى النظر إلى الإنسان بوصفه سلعة اقتصادية، وتجاهل قيمته الإنسانية ومساهماته المجتمعية.

على الرغم من هذه الانتقادات، يُتوقع أن تعتمد الدول النامية على هذا المؤشر بشكل كبير لقياس مدى نجاح استثماراتها في القطاع الاجتماعي.

حيث يمكن أن يساهم ذلك في زيادة الإنفاق على التنمية البشرية، والتي يرى البنك الدولي أنها غالبًا ما تتأخر عن مشاريع البنية التحتية والتنمية المؤسسية.

مؤشر التقدم الاجتماعي

يُعد مؤشر التقدم الاجتماعي مقياسًا أدق وأشمل لتقييم التنمية المجتمعية مقارنة بالمؤشرات التقليدية.

ويُمثل مؤشر الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، الذي طوره المعهد العالمي للتقدم الاجتماعي، إنجازًا بارزًا في مجال قياس التنمية المستدامة.

وذلك استجابةً لتوصيات لجنة ستيجليتز-سين-فيتوسي التي هدفت إلى تطوير مجموعة شاملة من المؤشرات التي تتجاوز حدود الناتج المحلي الإجمالي، لقياس ثروة الأمم وتقدمها بشكل أكثر دقة وشمولية.

ورغم حداثة مؤشر التقدم الاجتماعي، والذي يغطي أكثر من 130 دولة حول العالم، إلا أنه يوفر بالفعل بيانات قيمة لأكثر من أربع سنوات، مما يجعله أداة واعدة في مجال تقييم التنمية.

أوجه القصور في الناتج المحلي الإجمالي

– يعاني الناتج المحلي الإجمالي من قصور في تمثيل التوزيع العادل للدخل والرفاهية الشاملة، فتركيزه على متوسط الدخل الإجمالي يحجب التفاوتات الكبيرة في مستويات المعيشة، ويتجاهل العديد من العوامل الجوهرية المؤثرة على جودة الحياة، مثل صحة البيئة والمستوى الصحي للأفراد.

– لذا، فإن الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي وحده لتقييم التقدم الاقتصادي والاجتماعي يعتبر مقاربة ناقصة، وتتطلب عملية التقييم الشامل الأخذ بعين الاعتبار مؤشرات إضافية تعكس جوانب مختلفة من الرفاهية.

– على سبيل المثال، يشمل الناتج المحلي الإجمالي قيمة المنتجات الضارة بالصحة، مثل المشروبات المحلاة بالسكر، دون مراعاة التكاليف الصحية والاجتماعية الناجمة عن استهلاكها.

– هذا يؤدي إلى صورة مشوهة للنمو الاقتصادي، حيث لا تعكس الأرقام سوى الجانب المادي للإنتاج دون النظر إلى تبعاته السلبية.

– كما يقتصر الناتج المحلي الإجمالي على حساب الكميات المنتجة دون تقدير الآثار البيئية السلبية المصاحبة للإنتاج، مثل الانبعاثات الناتجة عن صناعة السيارات أو تدمير الغابات لبناء المدن.

– بيد أن هذا النهج يقلل من أهمية الاستدامة البيئية ويؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية.

الخلاصة

– بينما يقدم الناتج المحلي الإجمالي صورة عامة عن النشاط الاقتصادي، إلا أنه لا يعكس بالضرورة جودة الحياة التي يتمتع بها الأفراد.

– فالمعيشة الكريمة تتجاوز الأرقام لتشمل جوانب اجتماعية وثقافية وبيئية، والتي قد لا يتم احتسابها بدقة في هذا المؤشر.

المصدر: ذا أورنيس نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى