اقتصاد دولي

اقتصاد العالم على طريق صعب بسبب الركود الأميركي

بدأت الأسواق الكبرى حول العالم تعاملات الأسبوع اليوم الإثنين مواصلة هبوط مؤشراتها الذي بدأ نهاية الأسبوع الماضي، وقد قادت مؤشرات بورصة طوكيو الهبوط في آسيا بأكثر من 10 في المئة، كما هبطت مؤشرات البورصة الصينية قبل أن تبدأ تعاملات الأسهم الأوروبية على تراجع كبير أضاف لهبوط إقفال الجمعة الماضي، فيما تشير التعاملات المستقبلية لبورصة “وول ستريت” إلى استمرار منحى الهبوط الهائل الذي أنهت به تعاملات الأسبوع السابق.

ومن منظور المحلل الاقتصادي أحمد مصطفى يعد مؤشر “ناسداك” الأميركي الأهم الذي أصبح في وضع تصحيح بالفعل بعدما فقد أكثر من 10 في المئة من قيمته، في وقت يتجه مؤشر “أس أند بي 500” القياسي نحو هذا الوضع التصحيحي أيضاً، ومعه مؤشرات أوروبية وآسيوية كبرى.

ويقول مصطفى إن الهبوط الشديد لا يقتصر على الأسهم، فقد تراجع العائد على سندات الدين السيادي في الولايات المتحدة وأوروبا، وهبط سعر صرف الدولار أمام الين الياباني واليوان الصيني، وهناك هبوط واسع في قيمة كل الأصول، بدءاً من الذهب إلى الأصول الرقمية مثل العملات المشفرة، إذ هوى سعر “بيتكوين” نحو 50 ألف دولار، وكذلك هبطت أسعار النفط إلى الحد الأدنى من النطاق السعري ما بين 75 و80 دولاراً للبرميل.

ويعود مصطفى ليتساءل في تحليله لـ “اندبندنت عربية” قائلاً “هل هذا مجرد تصحيح في السوق، حتى وإن كان قوياً، أم مؤشر على انهيار مع استمرار البيع المكثف للأسهم وتدهور قيمة الأصول حول العالم؟”.

وفي معرض إجابته يضيف أنه “ربما تكون الإجابة الحاسمة صعبة ولا تخرج عن تكهنات وتوقعات قد تصيب أو تخطئ، إلا أن هناك مؤشرات مهمة يمكن من خلالها الاستدلال على توجه الأسواق في ظل سياق أوسع يتجاوز تداولات الأسهم والسندات، ويتعلق بالاقتصاد الكلي ومستقبل أداء الشركات”.

وبحسب مصطفى فبداية هناك فقاعة تغلي منذ أعوام مع الارتفاع المستمر لمؤشرات الأسهم والمغالاة في قيمة الأصول، ومن شأن تراجع تصحيحي أن يسحب قدراً من الغليان لتهدأ وتستقر الأسواق، مضيفاً أنه “حتى الخسائر الهائلة التي شهدناها خلال الأيام الماضية وكادت تصل إلى تريليون دولار يومياً قد تكون مفيدة لاستقرار السوق مع تبخر جزء من الفقاعة، لكن استمرار منحى الهبوط والتدهور وتزامنه مع احتمالات ركود اقتصادي وتراجع عائدات وأرباح الشركات قد يتجاوز مسألة التصحيح إلى انهيار وربما كساد”.

ركود أكبر اقتصاد في العالم

وبدأت بعض شركات الأبحاث وفروع البنوك الاستثمارية المعنية بالتحليل تزيد من تقديراتها لركود أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة، وكذلك يشهد ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الصين تباطؤاً واضحاً منذ فترة، بحسب ما يضيف، موضحاً أنه “لن تكفي معدلات نمو الهند أو غيرها من الاقتصادات الصاعدة لدفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو نمو قوي”.

ويتابع قائلاً، “يستشهد المحللون بالضغط الذي تعانيه سوق العمل الأميركية، وإذا ما كان لبيانات التوظيف الصادرة الجمعة الماضي أثر سلبي قوياً في السوق، لكن في النهاية لا يزال الاقتصاد الأميركي يتوسع ويضيف الوظائف وإن بوتيرة بطيئة، علاوة على أن معدل البطالة عند نسبة تزيد قليلاً على أربعة في المئة، وليس بالمعدل الخطر تماماً”.

وبحسب مصطفى فإن “المستثمرين يتصرفون في الأسواق بعصبية أوقات الشدة، لذا ارتفعت معدلات التأمين على استمرار هبوط الأسهم فيما يواصل المتعاملون عمليات البيع الهائلة، ويلقي هؤلاء باللوم على الاحتياط الفيدرالي الأميركي وغيره من البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى، لأنها تأخرت في خفض سعر الفائدة حتى على رغم اعتدال معدلات التضخم، لكن الاحتياط الفيدرالي لم يعد كما كان من قبل يهتم بحركة السوق أكثر من اهتمامه بمؤشرات الاقتصاد الحقيقي”.

وعلى رغم الضغط وتباطؤ النمو لكن الاقتصاد لا يزال ينمو ولم يدخل في ركود، كما يقول، وحتى لو حدث ذلك فطالما كان ركوداً سطحياً وليس عميقاً فهذا أفضل للسياسة النقدية من احتمال عودة الضغوط التضخمية، بل على العكس ربما يكون لاستمرار التشديد النقدي نسبياً أثر إيجابي في توقف غليان فقاعة المغالاة في قيمة الأصول.

خسائر هائلة

ويلفت المحلل إلى أن نظرة سريعة على إفصاحات الشركات عن أدائها المالي للربع الثاني من الأسبوعين الأخيرين تشير إلى أن هذا الهدوء يحدث فعلاً، وعلى رغم الخسائر الهائلة بمئات المليارات من الدولارات نتيجة هبوط القيمة السوقية لشركات كبرى، وبخاصة في قطاع التكنولوجيا، لكن ذلك مفيد على المدى المتوسط والبعيد، فبدلاً من انهيار كامل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن لها أن تستمر ولكن بصورة معتدلة حتى لو لم تتمكن تلك الصناعة من تحصيل تريليون دولار تحتاجها لبنيتها الأساس قبل أن تحقق عائداً وأرباحاً مهمة.

ومن المهم أيضاً الإشارة، بحسب مصطفى، إلى بعض الأصوات الخافتة التي توقعت من قبل أن تشهد الأسواق عملية تصحيح كبيرة قد تفقد فيها بعض مؤشرات الأسهم الكبرى نحو نصف قيمتها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وإذا استمرت عمليات البيع الهائلة والهبوط الحاد في أسعار الأسهم فقد نصل إلى وضع قريب من ذلك.

لكن تظل الأعين مركزة أكثر على تطورات السياسة النقدية، أي أسعار الفائدة وشراء البنوك المركزية لسندات الدين، وأيضاً على مؤشرات الاقتصاد الكلي من نسب نمو للناتج المحلي وأيضاً معدلات التضخم، وهناك حال هلع بقدر ما في الأسواق، لكنها طبيعة السوق التي تتأثر بما يسمى العامل النفسي، والخطر الأكبر في تجذر تلك الحال وتضافرها مع أي طارئ مثل انفجار فقاعة الديون العالمية مثلاً أو ما شابه، وفي هذه الحال سيكون الاقتصاد العالمي على بداية طريق صعب جداً وربما لأعوام، كما يقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى