اقتصاد دولي

البطالة تعكس تعثر محركات اقتصاد تونس

تعد البطالة أحد أهم التحديات التي تواجهها الحكومات التونسية المتتابعة بعدما استفحلت الظاهرة الاجتماعية باعتبارها نتيجة طبيعية لتعطل محركات الاقتصاد الأساسية وهي الصناعة والفلاحة (الزراعة).

وزاد الجفاف حدة الأزمة، إذ تراجعت المساحات المزروعة والأيدي العاملة المطلوبة، وأدت الصعوبات التي تواجهها المؤسسات الصناعية وعدم قدرتها على الوصول إلى التمويل اللازم إلى غلق أبواب آلاف منها أو التخلي عن جزء كبير من العمالة.

أما الأزمة التي تواجه الحكومة التونسية أكبر من مشكلة زيادة عدد المتعطلين عن العمل، بل تمتد إلى تفشي ظاهرة الفقر أيضاً بحكم متلازمة الفقر والبطالة التي ترافق حالات الخمول الاقتصادي.

في غضون ذلك، كشف المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) أن “عدد المتعطلين عن العمل بلغ 661.7  ألف في الثلاثي الثاني (الربع الثاني) من العام الحالي، مسجلاً تراجعاً طفيفاً  بلغ 7.6 ألف عاطل مقارنة بـ 669.3 ألف في الثلاثي الأول”، مما أدى إلى تراجع طفيف في نسبة البطالة في الفترة الثانية من العام باستقرارها عند 16 في المئة مقارنة بـ 16.2 في الثلاثي الأول.

إلى ذلك، زاد انتشار البطالة في صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة خلال الثلاثي الثاني من العام إلى 41 في المئة مقارنة بـ 39.2 في المئة في الثلاثي الأول من العام نفسه، ومثل الذكور 42.2 في المئة منهم والإناث 39.8 في المئة، في حين انخفضت نسبة البطالة لدى حاملي الشهادات الجامعية لتصل إلى 23 في المئة، في مقابل 23.4 في المئة، نسبة الذكور من بينهم 13.4 في المئة، بينما تضاعفت نسبة عدد الإناث لتصل إلى 30.6 في المئة.

واستقر عدد التونسيين النشيطين (العاملين) عند أربعة ملايين و146 ألف عامل في مقابل أربعة ملايين و145 ألف عامل خلال الثلاثي الأول من العام نفسه بزيادة مقدارها 900 عامل، يتوزعون ما بين مليونين و857 ألفاً من الذكور بنسبة 68.9 في المئة من الإجمالي، ومليون و288 ألفاً من الإناث بنسبة 31.1 في المئة.

وبناء على ذلك انخفض حجم العمل بنحو 0.3 في المئة عند 46 في المئة بعدما كانت في حدود 46.3 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، في حين استقر عدد المشتغلين عند ثلاثة ملايين و484 ألفاً و 400 عامل في الثلاثي الثاني من 2024، بزيادة طفيفة عن عددهم في الفترة الأولى من العام وهو ثلاثة ملايين و475 ألفاً و900 عامل، إذ لم تتجاوز الزيادة المسجلة 8.5 ألف مشتغل.

قطاع الخدمات يجذب 54 في المئة من العاملين

وعكس توزيع الناشطين بسوق العمل واقع القطاعات الاقتصادية في تونس، إذ لم يستقطب قطاع الصناعات المعملية سوى 18 في المئة وحسب من المشتغلين ولم يزد المشتغلون بالصناعات غير المعملية على 12 في المئة منهم، بينما بدا اقتصار القطاع الفلاحي على 16 في المئة من المشتغلين ضئيلاً جداً بحكم إسهام القطاع الزراعي بنحو 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام (الناتج المحلي الإجمالي) في تونس، بينما استأثر قطاع الخدمات بـ 54 في المئة عاكساً جذب قطاعي السياحة والنقل للجزء الأكبر من المشتغلين.

في الأثناء، اعتبر البنك الدولي أن تفاقم تأثير الجفاف تسبب في محدودية الطلب المحلي مما أثر سلباً في النمو في قطاعي البناء والتجهيز والتجارة، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة.

يشار إلى أن تونس عرفت أعلى مستويات البطالة عام 2011، عندما صعدت إلى 18.3 في المئة وظلت في مستويات مرتفعة في الأعوام التالية، إذ تراوحت ما بين 14.3 في المئة في 2014 و15.6 في المئة في 2016 و17.6 في المئة في 2020 لتستقر العام الماضي عند 15.3 في المئة.

ويرافق تصاعد عدد العاطلين اتساع رقعة الفقر، إذ ارتفع معدل الفقر من 15.2 في المئة في 2015 إلى 16.6 في المئة في 2021، فيما استقرت نسبة الفقر المدقع عند 2.9 في المئة، بالمعدل المسجل نفسه في 2015، بحسب آخر مسح للمعهد الوطني للإحصاء لمستوى حياة الأسرة.

نسب غير واقعية

في المقابل رجح المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي أن “تراجع نسبة البطالة يعود إلى انخفاض في عدد  الناشطين في تونس في مرحلة أولى ثم الهجرة المكثفة للأيدي العاملة إلى الخارج في الفترة الأخيرة”، معتبراً أن تلك النسبة لا تعكس الواقع الفعلي واصفاً ذلك بالـ”المسقطة” مستدلاً بذلك بطريقة احتسابها غير العلمية، قائلاً “تنعدم الوسائل العلمية وآلية احتساب عدد العاطلين عن العمل، إذ يكتفي المعهد الوطني للإحصاء باحتساب عدد الأشخاص الذين يسجلون بياناتهم بطريقة إرادية في مكاتب التشغيل”.

أضاف الرحيلي “المعهد أيضاً لم يرجع إلى أسباب ودوافع انخفاض النسبة أو جذور البطالة في تونس واستفحال الظاهرة التي تظل نسبتها مرتفعة، إذ تشهد تنامياً منذ أكثر من 20 عاماً ولم تتم دراسة أسبابها والبحث في الحلول وهي تحتاج إلى إستراتيجية متكاملة متناغمة مع نشاط القطاعات الاقتصادية بجميع أطيافها بحكم أنها المشغلة لليد العاملة”. وأشار الرحيلي إلى أن “تونس تعيش نتيجة تهميش هذا العامل الاجتماعي الاقتصادي المهم وعدم الانتباه إلى دوره بعدما تحولت البطالة إلى أزمة هيكلية لم تتمكن الحكومات من خفضها، بخلق مواطن شغل بدفع الاستثمار في جميع القطاعات وتحقيق نسبة نمو الأمر غير المتوفر حالياً في ظل نسبة نمو لا تزيد على واحد في المئة في الثلاثي الثاني من العام الحالي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى