اقتصاد خليجي

في عيدها الوطني الـ 94 .. كيف أعادت المملكة العربية السعودية صياغة قواعد الابتكار؟

بالنسبة للسعودية، لم يكن الأمر أبداً يتعلق بـ “معضلة المبتكر”، أو عنوان ذلك الكتاب الشهير الذي وضعه الأستاذ المرموق بكلية هارفارد للأعمال، كلايتون كريستنسن، صاحِب مصطلح “الابتكار المٌزعزع”.

 

و”معضلة المبتكر” هي الاختيار الصعب ما بين الحفاظ على سوق موجودة بالفعل عبر القيام بالأعمال ذاتها دونما تغيير، وبين الاستحواذ على أسواق جديدة عبر اعتماد تقنيات جديدة وتبنّي نماذج أعمال جديدة.

 

وهذا هو بالضبط ما حدث في السعودية منذ أن كشف ولي العهد محمد بن سلمان اللثام عن رؤيته في عام 2016.

 

وإذ تحتفل المملكة بعيد ميلادها (اليوم الوطني) الـ94، والذي يحلّ في هذه الأيام، يُعتبر مصطلح “الابتكار المزعزع أو المُزلزل” أساسيا في العديد من القطاعات التي أسهمت في تنويع اقتصاد المملكة.

 

والحقّ أن بحثًا بسيطًا على محرك جوجل عن هاتين الكلمتين “innovative disruption” كفيلٌ بأن يقود الباحث إلى ملايين المشاركات، على نحو يشي بمقدار ما حظي به المصطلح من بحوث وكتابات منذ منتصف التسعينيات حين وضعه كريستنسن في كتابه المشار إليه آنفا.

 

هذه السياسة أسهمت في تحوّل المملكة إلى مقصد سياحي رئيس في المنطقة، وفتحت أسواقا جديدة عبر البحار لا سيما في إفريقيا أمام الصادرات السعودية، وجذبت مستثمرين ينشدون الكفاءة من كل أنحاء العالم، كما أن المملكة تتبنّى تقنيات واستراتيجيات خافضة للانبعاثات الكربونية في صناعتها النفطية، فضلا عن أن هذه السياسة تعمل على تطوير قاعدة تصنيعية عريضة تحت شعار “صُنع في السعودية”.

 

وشهد نصيب القطاع غير النفطي من إجمالي الناتج المحلي في السعودية ارتفاعا تدريجيا منذ عام 2016، حين كشفت المملكة عن رؤية 2030 وهدفها الاستراتيجي المتمثل في خفض الاعتماد على النفط وتنويع الموارد الاقتصادية.

 

دليلٌ آخر على أن المملكة تعيد صياغة قواعد الابتكار عبر اعتماد نظرية الابتكار المفتوح، يتمثل في كيفية تحويلها الاستثمار في صناعة الرياضة إلى قوة استثمارية كبرى.

 

وفي هذا المضمار، يعدّ صندوق الاستثمارات العامة لاعبًا أساسيًا؛ حيث قام باستثمارات استراتيجية في عدد من المجالات الرياضية العالمية، لا سيما فِرق كرة القدم والجولف والفورمولا-1، ناهيك عن بناء مشروع المسار الرياضي من 135 كيلومترا تربط بين شرق العاصمة الرياض وغربها بمساحات خضراء، ومراكز رياضية وطُرق مخصصة لركوب الدراجات.

 

كل ذلك يتم إنجازه بلمسة أنيقة تُقدّم إرث المملكة في معارض عالمية بما يجذب الأنظار إلى المشروعات الثقافية الكبرى التي افتُتحت في السعودية في السنوات الأخيرة؛ لا سيما المشروع الثقافي العملاق في الدرعية.

 

وفي مدينة الدرعية، يقع حيّ الطريف والمسجّل ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو، ويضم حيّ الطريف تحفة معمارية من الطوب اللبِن كانت مهداً للمملكة العربية السعودية، ويشكل هذا المكان أول عاصمة لأسرة آل سعود.

 

وعبر تسخير أحدث الابتكارات التقنية في الحفر، انضمت المملكة كذلك إلى سوق استكشافات المعادن الأرضية النادرة، لا سيما النيكل، والنحاس والحديد والليثيوم. وأطلقت برامج واستراتيجيات تديرها الدولة للكنوز الطبيعية.

 

وعبر هذه الاستراتيجيات لا تستهدف المملكة تصدير هذه المعادن وتعزيز دخلها القومي فحسب، ولكن أيضاً تخزينها وصولا إلى احتياطات ضخمة كما هي الحال مع النفط الخام.

 

أيضاً مجال صناعة الدفاع، شهد استثمارا في البحث والتطوير بما يفتح الباب أمام الابتكار في مضمار الدفاع الوطني، وقد أسهم ذلك في إعادة تشكيل النمو الاقتصادي للبلاد وكذلك قطاعات مدنية بينها القطاع الطبي.

 

ومن المتوقع أن تشارك السعودية في عملية تطوير الطائرة البريطانية الرائدة، تيمبست أو العاصفة، وهي مقاتلة شبح من الجيل السادس مجهّزة بتقنية حديثة وقادرة على الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت.

 

دليلٌ ملموس آخر على تبنّي المملكة السعودية نظرية الابتكار المفتوح، يمكن رصده في قطاع الطاقة المتجددة. وفي العام الماضي، أعلنت السعودية أنها بصدد بناء أكبر محطة في العالم للطاقة الشمسية في موقع واحد، وذلك في منطقة الشعيبة بمكة المكرمة.

 

أما الابتكار في المملكة العربية السعودية، فهو في حقيقة الأمر عبارة عن تعاون بين قطاعات مختلفة، وزارات وشركات، بل وحتى معامل جامعية – حيث كل طرف من هؤلاء يشارك بجزء من الـ “المنتَج النهائي” وهو سعوديةٌ شابةٌ في عامها الـ 94.

 

كل عام والوطن بخير.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button