اقتصاد خليجي

«الإيكونوميست»: بناء ناطحات السحاب.. رسائل اقتصادية ومالية

بناء ناطحة سحاب بمنزلة بيان للطموح. لذا، ليس من المستغرب أن ترغب السعودية في بناء أطول برج في العالم، وعند اكتمال برج جدة، سيكون أول مبنى على الإطلاق يرتفع إلى ارتفاع مذهل يبلغ 1000 متر، وسيضم حوالي 170 طابقاً من شقق فاخرة وغرف فنادق ومكاتب.

قال تقرير في الإيكونوميست إن برج جدة قد يكلِّف حوالي 1.2 مليار دولار، لكن هذا مبلغ تافه مقارنة بأكثر من تريليون دولار تنفقها السعودية على تطوير البنية التحتية، وجذب السياح وإعادة تموضع نفسها على الساحة العالمية.

وأشار التقرير إلى أن برج جدة يرسل رسالة مالية واقتصادية لا ينبغي تجاهلها، وفي بلدان أخرى يرسلون أيضاً رسائل فولاذية مماثلة، حيث إن هناك 236 مبنى «فائق الارتفاع» في جميع أنحاء العالم – وهو وصف يُطلق على أي شيء أكبر من 300 متر – وقد تم تشييد 160 منها منذ عام 2014، حيث تعمل هذه المباني الضخمة على إعادة تشكيل أفق المدن. وبالإضافة إلى وصولها إلى السماء، فإنها تشير إلى اتجاهات جيوسياسية وثقافية.

الأبراج الشاهقة

وأفاد تقرير الإيكونوميست بأن منطقة الشرق الأوسط تضم %20 من جميع الأبراج الشاهقة. ومثلها كمثل السعودية، تستعرض الإمارات ثروتها النفطية ومكانتها كواحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة، فهي تضم 35 برجاً شاهقاً، وتفتخر دبي وحدها بوجود 31 برجاً شاهقاً، أي أكثر من أي مدينة أخرى. وبرجها العملاق برج خليفة، الذي يبلغ ارتفاعه 828 متراً، أطول برج في العالم منذ افتتاحه في عام 2010.

وأوضح التقرير أن آسيا أيضاً تحب المرتفعات، فقد شيَّدت أكثر من ثلثي جميع الأبراج الشاهقة في العقد الماضي. ومن بين الإضافات الأخيرة برج ميرديكا 118 في كوالالمبور، الذي اكتمل بناؤه العام الماضي. وبارتفاع 679 متراً، شق طريقه إلى المركز الثاني.

والصين، التي لم تكن لديها أية ناطحات سحاب تقريباً قبل عام 1980، لديها الآن خمسة من أطول عشر ناطحات سحاب. والواقع أن البلاد موطن لعدد من ناطحات السحاب أكبر من نظيره في أمريكا بالنسبة للفرد الواحد. ونحو %70 من الأبراج الشاهقة قيد الإنشاء في الصين. وإذا اكتمل بناؤها، فسوف تحتل خمسة وعشرون منها مرتبة بين أطول مئة مبنى في العالم.

مشاريع ضخمة

وبيَّن تقرير الإيكونوميست أن السياسة توفِّر دافعاً إضافياً لمخططي المدن للتفكير في مشاريع ضخمة، إذ يقول جيسون بار، الخبير الاقتصادي ومؤلف كتاب «مدن في السماء: السعي لبناء أطول ناطحات سحاب في العالم»: «يميل المسؤولون في المدن الصغيرة بشكل خاص إلى بناء ناطحات سحاب شاهقة».

ويرى المناضلون في الحزب الشيوعي أن الأبراج الشاهقة هي وسيلة لوضع مدنهم من الدرجة الأدنى على الخريطة، وربما اكتساب اهتمام كبار المسؤولين في الحكومة المركزية.

الموطن الأصلي

وكشف التقرير أن %10 فقط من الأبراج الشاهقة، التي بُنيت في العقد الماضي، قد نشأت في أمريكا، الموطن الأصلي لناطحات السحاب.

وقد اكتسبت نيويورك، المدينة المعروفة بمبانيها العملاقة، بعض الأبراج الشاهقة، بما في ذلك الأبراج الفائقة النحافة جنوب سنترال بارك في تجمع يطلق عليه «صف المليارديرات».

ولا تزال هناك العديد من الحوافز الاقتصادية للبناء، وخاصة في نيويورك: فالأرض باهظة الثمن، وسكانها من بين الأكثر تركيزاً بين أي مدينة أمريكية. ولكن الحصول على الموافقة على المباني الجديدة عملية معقدة، وذلك بفضل 3300 صفحة من لوائح تقسيم المناطق.

البقاء على الأرض

في الاتحاد الأوروبي، تمتلك بولندا فقط مبنى شاهق الارتفاع، وبريطانيا، العضو السابق، لديها مبنى واحد أيضا: برج شارد.

وغالباً ما يُنظر إلى ناطحات السحاب على أنها «خرقاء» في القارة، كما يقول دانييل سافاريك من منظمة CTBUH (مجلس المباني الشاهقة والمساكن الحضرية). في لندن وروما، لا يُسمح للمباني الجديدة بحجب رؤية معالم معينة، مما يجعل من الصعب البناء لأعلى. وحظرت باريس بناء مبانٍ شاهقة جديدة، رداً على ناطحات السحاب «القبيحة».

وعند تصميم أي برج شاهق الارتفاع، لا ينبغي للمهندسين المعماريين أن يبالغوا في التفاؤل. فالأمر الجاد الأول، الذي ينبغي عليهم أن يضعوه في الحسبان، هو التأكد من عدم تعرض المبنى للضربات أو العواصف.

ويقول جوردون جيل، الذي شارك في تصميم برج جدة: «الرياح هي العامل الحاكم في تصميم أي برج شاهق الارتفاع. ومع ارتفاع المباني، ترتفع معها قوى الرياح».

وقد حسب المهندسون أن برج خليفة، على سبيل المثال، لابد أن يكون قادراً على الوقوف شامخاً وسط رياح تبلغ سرعتها 240 كيلومتراً في الساعة، وهو ما يعادل إعصاراً قوياً.

مواجهة الرياح بأشكال مختلفة

أشار التقرير إلى أنه لكي لا يتحول بيان العظمة إلى مثال للعجز، كان على المهندسين المعماريين أن يواجهوا الرياح باستخدام أشكال مختلفة. ومن بين هذه الأشكال النحافة، والتضيق، والالتواء، والحواف الدائرية، والفتحات في الجزء العلوي من المبنى، وكل هذا يساعد في تحقيق هذا الغرض، وهناك حلول داخلية وخارجية.

رمز للثقة الثقافية

نظراً لدور ناطحات السحاب كرموز، فيتعين على المهندسين المعماريين أن ينتبهوا إلى شكلها. ومن الجدير بالذكر أن مبنى وول وورث في نيويورك، الذي كان أطول مبنى في العالم في الفترة من 1913 إلى 1930، يتميز بسقف من النحاس، وتماثيل ضخمة تعكس مكانته باعتباره «كاتدرائية للتجارة».

واليوم، يريد أولئك الذين يأمرون ببناء ناطحات سحاب شاهقة، وخاصة في آسيا والشرق الأوسط، أن يكون المبنى رمزاً للثقة الثقافية، فضلاً عن الشعور الخاص بالمكان.

المزيد من الاختراقات الهندسية

ساعدت ابتكارات المصاعد في بناء ناطحات السحاب في أواخر القرن التاسع عشر. ولكن أدريان سميث، أحد المهندسين المعماريين، الذين صمموا برج خليفة، يقول إن تكنولوجيا المصاعد كانت لفترة طويلة عاملاً مقيداً. فالكابلات الفولاذية الحالية يبلغ طولها نحو 500 متر، وهذا يعني أنه من غير الممكن أن يصل مصعد واحد إلى قمة العديد من الأبراج الشاهقة، كما تفرض الرياح ضغطاً إضافياً على الكابلات. ومع ذلك، فمن الصعب تركيب العديد من المصاعد في المباني الشاهقة الرفيعة. وبدلاً من ذلك، سوف يستخدم برج جدة ألياف الكربون، وهي مادة أخف وزناً، يمكنها أن ترفع المصاعد إلى ارتفاعات أعلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى