مختارات اقتصادية

ضربة موجعة لسلاسل الإمداد الأمريكية .. إضراب يشل الموانئ وخسائر بالمليارات

شاحنات بضائع تتوقف على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، آلاف الحاويات المنتظرة التي تحمل كل شيء من الجوالات الذكية إلى المواد الغذائية، عالقة على الأرصفة، هكذا كان المشهد أثناء المحادثات بين العمال في تلك الموانئ والشركات الكبرى.

الوضع سيزداد قتامة بدءاً من اليوم الثلاثاء، إثر دخول عشرات الآلاف من عمال الموانئ في إضراب بعدما فشلوا في الحصول على مطالبهم بشأن الحصول على عقد اجتماعي جديد، بعدما فشلت تلك المحادثات قبل عدة أسابيع ووصلت إلى طريق مسدود.

هذا الإضراب من المنتظر أن يعطّل التجارة الدولية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويكلف الاقتصاد نحو 5 مليارات دولار يومياً، بحسب تقرير صادر عن بنك جي بي مورجان.

يهدد سلاسل الإمداد العالمية

الأمر ليس مجرد أزمة محلية، بل شلل في أحد أكبر شرايين التجارة العالمية، وخاصة الموانئ الكبرى بالولايات المتحدة مثل ميناء لوس أنجلوس ولونغ بيتش في كاليفورنيا، وهما من بين أهم الموانئ البحرية وأكبر في أمريكا والعالم.

وتمر عبر تلك الموانئ نسبة كبيرة من البضائع المستوردة والمصدرة، ما يؤثر بشكل عميق على سلاسل الإمداد العالمية، ويعطل حركة البضائع بشكل كبير، وهذا يعني نقصاً حاداً في السلع بالأسواق وارتفاع الأسعار.

وبلغت حصة ميناء لوس أنجلوس من جميع التجارة المنقولة بحراً بالحاويات في الولايات المتحدة نحو 16% في عام 2023، وجرى نقل بضائع تصل قيمتها لنحو 292 مليار دولار عبر هذا الميناء خلال العام نفسه.

وعند دمج بيانات ميناء لوس أنجلوس مع ميناء لونج بيتش، فإن ما يقرب من 29% من كل ما استوردته أو صدرته الولايات المتحدة في حاويات عبر المياه جاء عبر مجمع ميناء خليج سان بيدرو، الذي يشمل هذين الميناءين.

ومن المقرر أن يبدأ عمال الموانئ إضراباً بعد منتصف ليل الإثنين دون محادثات تلوح في الآفاق حالياً لتجنب توقف يهدد بوقف حركة الحاويات من ماين إلى تكساس.

وانتهى عقد العمل بين نقابة رابطة عمال الموانئ الدولية التي تمثل 45 ألف عامل في الموانئ ومجموعة أرباب العمل في تحالف الولايات المتحدة البحري في وقت متأخر من يوم الإثنين، مع وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بشأن الأجور.

أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في شهر يوليو 2024

الترتيب

الدولة

الصادرات

(بالمليار دولار)

الواردات

(بالمليار دولار)

الإجمالي

(بالمليار دولار)

1

المكسيك

28.7

41.9

70.7

2

كندا

27.7

35.8

63.5

3

الصين

10.7

40.8

51.5

4

اليابان

7.1

13.2

20.3

5

ألمانيا

5.9

14.3

20.3

6

تايوان

3.9

13.0

16.9

7

كوريا الجنوبية

5.3

11.2

16.6

8

فيتنام

1.9

12.0

13.9

9

المملكة المتحدة

5.8

5.7

11.6

10

هولندا

7.5

2.9

10.4

وإذا بدأ العمال الإضراب فإن ذلك سيكون أول إضراب على مستوى الساحل الشرقي منذ عام 1977، ما يؤثر على الموانئ التي تتعامل مع نحو نصف الشحن البحري في البلاد.

وقال الاتحاد في وقت سابق إن الإضراب لن يؤثر على شحنات البضائع العسكرية أو حركة السفن السياحية.

ولكن الإضراب قد يوقف تدفق كل شيء من الغذاء إلى السيارات في الموانئ الرئيسية، ما قد يعرض الوظائف للخطر ويزيد من التضخم قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وسيخلف الإضراب تأثيراً فورياً تقريباً على إمدادات الواردات القابلة للتلف مثل الموز على سبيل المثال، فالموانئ التي قد تتأثر بالإضراب تتعامل مع 3.8 مليون طن متري من الموز سنوياً، أو 75% من إمدادات البلاد، وفقاً لاتحاد المزارعين الأمريكيين.

وقال اتحاد الأعمال المستديرة، الذي يمثل كبار قادة الأعمال في الولايات المتحدة، إنه “قلق للغاية بشأن الإضراب المحتمل في موانئ الساحل الشرقي وساحل الخليج.

وحذرت مجموعة أرباب العمل من أن توقف العمل قد يكلف الاقتصاد مليارات الدولارات يومياً، ما يضر بالشركات والعمال والمستهلكين في جميع أنحاء البلاد.

وأشار “جاي دوكيا”، مؤسس شركة إدارة سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية “برو 3 بي إل” إلى أنه “إذا استمرت الإضرابات، فسوف تتسبب في تأخيرات هائلة عبر سلسلة التوريد، وهو تأثير سيمتد إلى عام 2025 ويسبب فوضى في جميع أنحاء الصناعة”.

وأضاف “دوكيا” أن موانئ الساحل الشرقي ليست الوحيدة المعرضة لخطر الاضطراب، حيث أدى القلق الذي أدى إلى الإضراب بالفعل إلى تحويل العديد من الشحنات إلى الغرب، ما أضاف مزيداً من الضغوط على باقي الموانئ نتيجة الزحام.

وقال إن التأثيرات ستمتد دولياً أيضاً، خاصة في أماكن مثل المملكة المتحدة، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لها.

قصة الإضراب

قد يكون للإضراب القصير تأثير اقتصادي محدود نظراً لأن العديد من الشركات استوردت سلعاً إضافية قبل توقف العمل المحتمل أو نقلت المزيد من الشحنات إلى موانئ الساحل الغربي، لكن الإضراب الذي يستمر لأسابيع قد تكون له آثار اقتصادية خطيرة.

قال “هارولد داجيت”، زعيم اتحاد عمال الموانئ، في مقطع فيديو نشره مؤخراً: “هؤلاء الناس اليوم لا يعرفون ما هو الإضراب، سأشل حركتهم”.

لأشهر، هدد “داجيت” بإغلاق الموانئ الستة والثلاثين التي تغطيها نقابته إذا لم يقدم أصحاب العمل، مثل شركة تشغيل سفن الحاويات ميرسك وإيه بي ترمينلز نورث أمريكا التابعة لها، زيادات كبيرة في الأجور وتوقف مشاريع أتمتة المحطات.

ويثير النزاع قلق الشركات التي تعتمد على الشحن البحري لتصدير بضائعها، أو تأمين الواردات الحيوية.

في المقابل اتهم “ستيف هيوز”، الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي إس إنترناشونال، المتخصصة في مصادر وشحن السيارات، اتحاد عمال الموانئ بـ”احتجاز البلد بأكمله فوق برميل من الوقود”.

اقتراب مواسم الأعياد

وانشغل تجار التجزئة الذين يمثلون نحو نصف إجمالي حجم شحن الحاويات، الذين يتجهون إلى موسم مبيعات العطلات الشتوية المهم للغاية، بالعمل على خطط احتياطية في حال طال أمد الإضراب.

وسارع العديد من كبار اللاعبين في مجال التجزئة إلى تسليم بضائع الهالوين وعيد الميلاد مبكراً لتجنب أي اضطرابات مرتبطة بالإضراب، ما أدى إلى تكبد تكاليف شحن وتخزين إضافية.

تقول شركة التجزئة العملاقة وول مارت، أكبر شركة شحن حاويات في الولايات المتحدة، إنهم يفعلون كل ما في وسعهم للتخفيف من أي تأثير، لكن الكثير من شركات الشحن لا تتمتع بهذه المرونة لأنها صغيرة، وتفتقر إلى الملاءة المالية لتحميل كل تلك الشحنات في وقت واحد.

هل يتدخل بايدن لوقف الإضراب؟

في الأوقات العادية قد يتدخل الرئيس الأمريكي لوقف مثل هذا الإضراب، حيث يمكن لرؤساء الولايات المتحدة التدخل في النزاعات العمالية التي تهدد الأمن القومي أو السلامة من خلال فرض فترة تهدئة مدتها 80 يوماً بموجب قانون “تافت-هارتلي” الفيدرالي.

ويجبر هذا التدخل العمال على العودة إلى العمل بينما تستمر المفاوضات من أجل التوصل لحل تلك الأزمة، لكن الرئيس “جو بايدن” أكد يوم الأحد الماضي أنه لا ينوي التدخل لمنع الإضراب إذا فشل عمال الموانئ في تأمين عقد جديد.

ويظل توقيت الإضراب هو الأصعب، إذ يسبق الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر المقبل بعدة أسابيع، وسط مخاوف من اتخاذ الإدارة الحالية أي إجراءات قد تؤثر بالسلب في مسار نتائج تلك الانتخابات.

وفي حال قيام “بايدن”، المؤيد للعمالة، باتخاذ إجراء لوقف الإضراب فإنه قد يضر بموقف نائبته “كامالا هاريس” التي تخوض سباقاً انتخابياً تتقارب فيه نتائج استطلاعات الرأي مع منافسها الرئيس السابق “دونالد ترامب”، وتلعب الاتحادات العمالية دوراً مؤثراً في تلك النتائج.

المصادر: أرقام- سي إن إن- وكالة الأنباء الفرنسية- أسوشيتدبرس- Census Bureau– ذا بورت أوف لوس أنجلوس

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button