مختارات اقتصادية

كيف تقترب الدول النامية من مستويات الدول المتقدمة اقتصاديًا؟

تفترض نظرية “التقارب الاقتصادي”، أو ما يعرف بتأثير “اللحاق بالركب”، أن جميع الاقتصادات تسعى جاهدة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وتشير هذه النظرية إلى أن الدول النامية، بفضل إمكانية تبني التقنيات والأساليب الإنتاجية الحديثة، ستتمكن من تحقيق معدلات نمو أعلى من الدول المتقدمة، وبالتالي، فإن الفارق في مستوى الدخل بين هذه الدول سيضيق تدريجياً مع مرور الزمن.

فهم تأثير التقارب الاقتصادي

تستند نظرية التقارب الاقتصادي إلى مجموعة من المبادئ الأساسية.

1- قانون العائد المتناقص: يشير هذا القانون إلى أن زيادة الاستثمار في دولة ما لا تؤدي بالضرورة إلى زيادة متناسبة في العائدات.

أو بعبارة أخرى، كلما زادت استثمارات الدولة، قلّت الزيادة الناتجة عن الاستثمار الإضافي.

ونتيجة لذلك، تكون فرص تحقيق عوائد مرتفعة على الاستثمارات في الدول النامية أعلى مقارنة بالدول المتقدمة.

2- تؤكد الملاحظات التجريبية هذه الحقيقة، إذ تشير إلى أن الاقتصادات المتقدمة، رغم نموها بمعدل أبطأ، تتمتع باستقرار أكبر مقارنة بالاقتصادات النامية.

فوفقًا لأحدث بيانات البنك الدولي، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في الدول عالية الدخل 2.8% في عام 2022، بينما سجل 3.6% في الدول متوسطة الدخل، و3.4% في الدول منخفضة الدخل.

3- قد تتمكن البلدان النامية من تحقيق نمو اقتصادي متسارع مستفيدة مما يُعرف بـ “ميزة المتحرك الثاني”، حيث تتيح هذه الميزة تبني التقنيات والأساليب الإنتاجية والسياسات الناجحة التي أثبتت جدواها في الدول المتقدمة، دون الحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، وبفضل الوصول إلى المعرفة التكنولوجية العالمية، يمكن لهذه البلدان تسريع وتيرة نموها الاقتصادي.

القيود المفروضة على تأثير التقارب الاقتصادي

نقص رأس المال

على الرغم من إمكانية تحقيق الدول النامية لمعدلات نمو اقتصادي تفوق نظيراتها المتقدمة، إلا أن شحّ الموارد المالية قد يُعيق مسيرتها نحو اللحاق بركب التقدم الاقتصادي العالمي.

وقد برزت في الماضي دول نامية استطاعت، بفضل إدارة حكيمة لمواردها المالية وجذب استثمارات كبيرة، أن تحقق قفزات نوعية في إنتاجيتها الاقتصادية.

ولكن مع الأسف، لم تتحول هذه التجارب الناجحة إلى نموذج عام تتبعه جميع الدول النامية.

نقص القدرات

المؤسسية

من الأهمية بمكان بناء “قدرات مؤسسية” قوية في الدول الساعية للاستفادة من ظاهرة اللحاق بالركب.

تتضمن هذه القدرات قدرة المؤسسات على استيعاب أحدث التقنيات، وجذب الاستثمارات الخارجية، والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد العالمي.

إلا أن تقييد انتشار التكنولوجيا أو ارتفاع تكلفتها بشكل مفرط يعيق تحقيق هذه الأهداف.

الافتقار إلى التجارة

المفتوحة

تلعب سياسات التجارة المفتوحة، لا سيما على الصعيد الدولي، دورًا محوريًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي.

وتؤكد دراسة استقصائية موسعة أجراها الاقتصاديان جيفري ساكس وأندرو وارنر على هذه الحقيقة، حيث أظهرت ارتباطًا وثيقًا بين تبني السياسات الاقتصادية القائمة على التجارة الحرة والانفتاح وبين تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة.

فمن خلال تحليل بيانات 111 دولة على مدى فترة امتدت من عام 1970 إلى عام 1989، توصل الباحثان إلى أن الدول المتقدمة حققت متوسط نمو للفرد الواحد بلغ 2.3% سنويًا، بينما بلغ هذا المعدل 4.5% في الدول النامية التي تبنت سياسات تجارية مفتوحة.

وعلى النقيض من ذلك، لم تتجاوز نسبة النمو في الدول النامية التي اتبعت سياسات حمائية واقتصادية مغلقة 2% سنويًا.

النمو السكاني

تواجه مسيرة اللحاق بتحدٍ جوهري آخر يتمثل في أن دخل الفرد لا يرتبط بالناتج المحلي الإجمالي وحسب، بل يتأثر أيضًا بمعدل النمو السكاني.

فالدول النامية تميل إلى تحقيق معدلات نمو سكانية أعلى من نظيراتها المتقدمة، مما يؤدي إلى انخفاض دخل الفرد مع زيادة عدد السكان.

تشير بيانات البنك الدولي لعام 2022 إلى أن الدول المتقدمة (أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) حققت نموًا سكانيًا متوسطًا بلغ 0.3%، بينما بلغ متوسط النمو السكاني في الدول النامية التي صنفتها الأمم المتحدة 2.3%.

وبالتالي، فإن التقارب الاقتصادي بين الدول غالبًا ما يعتمد على قدرة الدول النامية على الاقتراض أو تبني التقنيات المتقدمة الموجودة في الدول الصناعية.

مثال على تأثير التقارب الاقتصادي

– شهدت اليابان بين عامـيْ 1911 و1940 نموًا اقتصاديًا متسارعًا لم يضاهِه أي اقتصاد آخر في العالم، وقد عزز هذا النمو من خلال سياسة الاستعمار والاستثمار المكثف في شبه الجزيرة الكورية وتايوان، مما كان له أثر إيجابي على اقتصاديهما أيضًا.

– غير أن الحرب العالمية الثانية ألحقت بالاقتصاد الياباني دمارًا هائلاً ومع ذلك، تمكنت اليابان من النهوض من جديد في خمسينيات القرن الماضي، حيث عملت على بناء أسس متينة لنمو اقتصادي مستدام. ولتعزيز هذا النمو، لجأت إلى استيراد التكنولوجيا والآلات الحديثة من الولايات المتحدة.

– حققت اليابان خلال الستينيات والسبعينيات معدلات نمو اقتصادي هائلة، مما جعلها قوة اقتصادية عالمية. وفي الوقت نفسه، شهد الاقتصاد الأمريكي، الذي كان المورد الرئيسي للتكنولوجيا والصناعات اليابانية، ازدهارًا ملحوظًا.

– إلا أن معدل النمو الاقتصادي الياباني بدأ يتباطأ تدريجياً مع نهاية السبعينيات، رغم تصدره للمرتبة الخامسة بين الاقتصادات العالمية.

– شهدت اقتصادات النمور الآسيوية، مثل سنغافورة وتايوان وهونج كونج وكوريا الجنوبية، مسارًا تطوريًا مشابهًا، حيث انتقلت من مرحلة النمو السريع في بداياتها إلى مرحلة نمو أكثر استقرارًا مع تطورها وتحولها إلى اقتصادات متقدمة.

هل جعلت العولمة تأثير اللحاق بالركب أكثر انتشاراً؟

– ربما. على سبيل المثال، جعلت العولمة التقدم في التكنولوجيات وابتكارات سلسلة التوريد متاحة بسهولة أكبر للدول النامية والنامية، بسبب تخفيف القيود التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدان.

– في الختام، يتضح أن نظرية التقارب الاقتصادي تفتح آفاقًا واعدة للدول النامية للسير نحو تحقيق مستويات معيشية مماثلة للدول المتقدمة.

– فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الدول، بما في ذلك نقص رأس المال، والقدرات المؤسسية الضعيفة، والضغوط الديموغرافية، فإن الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة والتبني الواسع لسياسات التجارة المفتوحة قد يساهم في تسريع وتيرة اللحاق بالركب.

– مع ذلك، يبقى النجاح مرهونًا بقدرة هذه الدول على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والالتزام بالإصلاحات الاقتصادية التي تعزز الابتكار والاستدامة.

المصدر: إنفستوبيديا

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button