الرهان الكبير .. الأسواق وصراع الحمار والفيل
“في الأمد القريب، السوق عبارة عن آلة تصويت، لكن على المدى الطويل، هو أداة للوزن والتقييم”، تعكس هذه المقولة فلسفة المستثمر والمحلل الإنجليزي- الأمريكي “بنجامين غرام” لسوق الأسهم، والتي تدعو إلى التريث في اتخاذ القرارات الاستثمارية وعدم الهلع.
“بنجامين” المولود في أواخر القرن التاسع عشر والمتوفى عام 1976، هو أحد الآباء الروحيين للمستثمر الأسطوري “وارن بافت”، ولعل ذلك يفسر تبني حكيم أوماها فلسفة مماثلة عبر عنها ذات مرة بالقول إن “سوق الأسهم هو أداة لنقل المال إلى الصبورين من أولئك غير الصبورين”.
ويقصد “بنجامين” – الملقب بـ “أبي استثمار القيمة” – بأن أسعار الأسهم تتأثر على المدى القصير بالمزاج الجماعي للمستثمرين، والذي يتأثر بدوره بمجموعة متنوعة من العوامل مثل الأخبار والبيانات المالية والشائعات، ولتحقيق أرباح سريعة، يبيع ويشتري المستثمرون بناءً على المشاعر وليس التحليل الموضوعي.
لكن على المدى الطويل، يزن السوق القيمة الجوهرية للشركة بناءً على جودة أصولها ونتائجها المالية، وتتحكم الأساسيات في قيمة السهم خلال الفترات الزمنية البعيدة، وبالتالي فإن الأسهم الجيدة ستكون رابحة مهما حدث في النطاق الزمني القصير من اضطرابات.
مع ذلك، وبغض النظر عن الرؤى الثاقبة لأمثال “بافت” و”بنجامين”، فإن سوق الأسهم لا يحب المفاجآت – حتى وإن كانت هذه المفاجآت نفسها تحبه – وعادة ما تغلب الطبيعة البشرية هذه الحكم، لكن أيضًا سرعان ما تثبت قواعد الأسطورتين صحتها.
في الثامن من نوفمبر عام 2016، حيث انعقدت انتخابات الرئاسة الأمريكية، كانت ترجح استطلاعات الرأي فوز الديمقراطية والسياسية المخضرمة “هيلاري كلينتون” على منافسها الملياردير الجمهوري “دونالد ترامب”، وكانت الأسواق مهيأة لهذا السيناريو.
لكن في وقت مبكر من صبيحة اليوم التالي، حيث كشفت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات عن سيناريو غير متوقع بفوز “ترامب” بمنصب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، بدأ المستثمرون يعضون الأنامل من الخوف، مما أدى لتقلبات حادة في الأسواق.
عقب ورود هذه الأخبار، انتابت الأسواق حالة من الذعر، وانخفضت العقود الآجلة لمؤشر “داو جونز” بنحو 800 نقطة ومؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 5%، وهبط مؤشر “نيكي” الياباني بأكثر من 4%، فيما شهدت الأسهم الأوروبية خسائر حادة أيضًا، وارتفعت أسعار الذهب بقوة وتراجع الدولار.
ومع ذلك، سرعان ما تبخرت هذه المخاوف وعكست الأسهم خسائرها وأنهت جلسة التاسع من نوفمبر مرتفعة، رغم أن مخاوف الأسهم كانت مبررة خشية أن تتسبب سياسات “ترامب” في إيذاء استثماراتهم.
لكن في النهاية، أثبتت التجربة أن السوق على المدى الطويل كان أفضل حالًا، والآن يقترب موعد انطلاق سباق الانتخابات مجدداً، وسط عدم يقين بشأن النتائج وتأثيراتها المحتملة.
كيف تستجيب الأسهم لنتائج الانتخابات؟
– ما زالت نتيجة السباق غير يقينية، وإن كانت بعض الاستطلاعات ترجح تقدم مرشحة الحزب الديمقراطي ( شعاره الحمار) “كامالا هاريس” الديمقراطية على مرشح الحزب الجمهوري (شعاره الفيل) “ترامب”، لكن هذا يشبه إلى حد كبير ما كانت عليه في انتخابات 2016 أيضًا.
– هذا يعني أن نتيجة الانتخابات التي تُعقد في الخامس من الشهر المقبل، قد تتسبب في صدمة خاطفة للأسواق، أو ربما قصيرة -جلسة أو بضع جلسات- إذا خالفت مزاج المتداولين، لكن على المدى الطويل قد تختلف العوائد باختلاف الأيديولوجيا التي يتبناها كل مرشح.
أداء مؤشر “إس آند بي 500” خلال أول 10 جلسات بعد عقد الانتخابات |
||||
العام |
|
الرئيس الفائز (الحزب) |
|
الأداء مقارنة بإغلاق المؤشر في يوم الانتخابات نفسه (%) |
2000 |
|
جورج دبليو بوش (جمهوري) |
|
(5.90) |
2004 |
|
جورج دبليو بوش (جمهوري) |
|
+3.95 |
2008 |
|
باراك أوباما (ديمقراطي) |
|
(14.60) |
2012 |
|
باراك أوباما (ديمقراطي) |
|
(2.85) |
2016 |
|
دونالد ترامب (جمهوري) |
|
+2.95 |
2020 |
|
جو بايدن (ديمقراطي) |
|
(7.10) |
– مع ذلك، كان أداء الأسهم مختلفًا على المدى الطويل خلال فترات حكم هؤلاء الرؤساء وغيرهم، ويرجع ذلك لعوامل عدة، منها السياسات التي يتبنوها، وما إذا كان الكونجرس تحت سيطرة الحزب التابع للرئيس الفائز أم لا.
– تاريخيًا، تحققت أفضل المكاسب في العام التالي للانتخابات عندما كان الرئيس والكونجرس تحت سيطرة نفس الحزب، حيث ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بمتوسط 10.6% سنويًا على مدار 30 عامًا شهدت هذه الحالة، مقابل متوسط مطلق بلغ 8.8% على مدار 76 عامًا.
أداء الأسهم الأمريكية وفقًا للأوضاع السياسية المختلفة |
|||||
السيناريو السياسي |
|
مدة استمرار السيناريو (عام) |
|
متوسط الأداء السنوي (%) |
|
قيادة سياسية موحدة |
بزعامة الديمقراطيين |
|
22 |
|
+9.8 |
بزعامة الجمهوريين |
|
8 |
|
+12.9 |
|
كلاهما |
|
30 |
|
+10.6 |
|
كونجرس موحد |
رئيس ديمقراطي/ كونجرس جمهوري |
|
10 |
|
+13.0 |
رئيس جمهوري/ كونجرس ديمقراطي |
|
22 |
|
+4.9 |
|
كلاهما |
|
32 |
|
+7.4 |
|
كونجرس منقسم |
مع رئيس ديمقراطي |
|
4 |
|
+13.6 |
مع رئيس جمهوري |
|
10 |
|
+5.8 |
|
كلاهما |
|
14 |
|
+8.6 |
|
كل الحالات |
|
76 |
|
+8.8 |
– وفقًا لبيانات شركة الأبحاث “سي إف آر إيه” و”داو جونز إدنسيز” التي ترصد أداء مؤشر “إس آند بي 500” بين عامي 1944 و2020، فإن انقسام السلطة بين الكونجرس والرئيس كان ثاني أفضل سيناريو للأسهم (+8.6%)، أما الكونجرس الموحد والمخالف لحزب الرئيس كان الأقل بمتوسط 7.4%.
كيف أثر الرؤساء السابقون في الأسهم؟
– في الانتخابات عموماً، يصوت ملايين الأمريكيين من منظور المصلحة الممكنة لمحافظهم الاستثمارية، ففي نهاية المطاف، يكون للحزب الحاكم تأثير في الأوضاع المالية للمواطنين، عن طريق الضرائب وخطط التقاعد والضمان الاجتماعي والإعفاء من قروض الطلاب وغيرها.
– لكن يقول “رايان ديتريك”، كبير استراتيجيي السوق في “كارسون جروب”، إنه لا ينبغي القلق بشأن الكيفية التي قد يؤثر بها مرشح معين على سوق الأوراق المالية، مضيفًا: “لا تدع السياسة تختلط باستثماراتك”.
– يضيف “ديتريك”: “الكثيرون لم يعجبوا بالرئيس ’أوباما‘ والكثير من الناس لم يحبوا الرئيس ’ترامب‘ والكثير من الناس لا يحبون الرئيس ’بايدن‘ لكن كان أداء الأسهم جيدًا تحت حكم كل منهم”.
– وفقًا لتحليل أجراه “ديتريك”، إذا استثمر المواطن الأمريكي ألف دولار في الأسهم عام 1953 (عندما تولى “دوايت أيزنهاور” الرئاسة) واحتفظ بالاستثمار خلال قيادة الجمهوريين للرئاسة الجمهورية فقط، فسيكون لديه اليوم نحو 30 ألف دولار، مقابل 60 ألفاً لفترات الديمقراطيين.
– مع ذلك، إذا أبقى على استثماراته خلال هذه الفترة الزمنية بالكامل، فسوف يكون لديه 1.7 مليون دولار، حيث ارتفع سوق الأسهم في 17 من أصل 20 فترة إدارة (مدتها أربع سنوات) منذ تولى “أيزنهاور” منصبه.
عائدات مؤشر “إس آند بي 500” خلال آخر 20 إدارة |
||||
فترة الولاية |
|
الرئيس الفائز (الحزب) |
|
أداء المؤشر (%) |
1953- 57 |
|
أيزنهاور (جمهوري) |
|
+71.6 |
1957- 61 |
|
أيزنهاور (جمهوري) |
|
+33.9 |
1961- 63 |
|
كيندي (ديمقراطي) |
|
+19.8 |
1963- 65 |
|
جونسون (ديمقراطي) |
|
+21.0 |
1965- 69 |
|
جونسون (ديمقراطي) |
|
+17.8 |
1969- 73 |
|
نيكسون (جمهوري) |
|
+16.4 |
1973- 74 |
|
نيكسون (جمهوري) |
|
(31.3) |
1974- 77 |
|
فورد (جمهوري) |
|
+27.3 |
1977- 81 |
|
كارتر (ديمقراطي) |
|
+29.4 |
1981- 85 |
|
ريغان (جمهوري) |
|
+27.5 |
1985- 89 |
|
ريغان (جمهوري) |
|
+67.5 |
1989- 93 |
|
بوش الأب (جمهوري) |
|
+51.7 |
1993- 97 |
|
كلينتون (ديمقراطي) |
|
+78.4 |
1997- 01 |
|
كلينتون (ديمقراطي) |
|
+73.0 |
2001- 05 |
|
بوش الابن (جمهوري) |
|
(11.8) |
2005- 09 |
|
بوش الابن (جمهوري) |
|
(28.2) |
2009- 13 |
|
أوباما (ديمقراطي) |
|
+74.8 |
2013- 17 |
|
أوباما (ديمقراطي) |
|
+52.3 |
2017- 21 |
|
ترامب (جمهوري) |
|
+67.8 |
2021- 24 |
|
بايدن (ديمقراطي) |
|
+43.7 |
– بخلاف بيانات “سي إف آر إيه” و”داو جونز إدنسيز” التي تركز على الأداء السنوي، يرى “ديتريك”، أن ما يهم أكثر من الانتخابات الرئاسية هو تكوين الكونجرس، إذ يقول: “عندما يكون كونجرس منقسماً، يميل هذا إلى أن يكون أفضل شيء”.
– من عام 1951 إلى عام 2013، سجل مؤشر “إس آند بي 500” عائدًا سنويًا متوسطًا بلغ 6.7% خلال فترات سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس و11% عندما سيطر الجمهوريون عليه، وعندما كان منقسمًا، حقق السوق عائدًا بلغ 14.5%، وفقاً لتحليل “ديتريك”.
– بالنسبة للعام الذي تنعقد فيه الانتخابات، يظهر تحليل بنك “مورجان ستانلي”، أنه خلال 23 سباقا رئاسيا منذ إطلاق “إس آند بي 500″، ارتفع المؤشر 19 مرة في عام الانتخابات، وبلغ متوسط العائد السنوي 11% عند اختيار رئيس ديمقراطي، و12.9% إذا كان جمهورياً.
ماذا تتوقع الأسواق والذكاء الاصطناعي؟
– بالنسبة لتوقعات الذكاء الاصطناعي، رفض “جيمناي” التابع لـ “جوجل” التفاعل بأي حال من الأحوال مع أسئلة تخص الانتخابات، مثل توقع الفائز أو تأثيره على سوق الأسهم، قائلاً إنه “لا يمكنه التعليق على الموضوعات ذات الصلة بالانتخابات حالياً لأن بعض الأخطاء قد تحدث”.
– في المقابل، كان “شات جي بي تي” أكثر انفتاحاً، وقال إنه من الصعب التكهن بالفائز في الانتخابات نظراً لاعتبارات عدة، مثل الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد، وعدم اليقين بشأن مسار الانتخابات، والاضطرابات الجيوسياسية، ولاختلاف السمات الشخصية والسياسات لدى كلا المرشحين.
– يرى أيضاً أن فوز “ترامب” قد يدفع السوق للارتفاع على المدى القصير، بقيادة قطاعات الطاقة والصناعة، مع تقلبات بسبب المخاوف من سياساته غير المتوقعة، فيما سيكون هناك استقرار نسبي للسوق حال فوز “هاريس”، لكن ذلك قد يؤدي لتراجع أسهم التكنولوجيا وقطاعات أخرى خوفاً من رفع الضرائب.
– على المدى الطويل، تعتقد روبوتات الذكاء الاصطناعي أن “ترامب” قد يكون أفضل للشركات الكبيرة والقطاعات التقليدية، فيما تدعم رئاسة “هاريس” من وجهة نظره، استدامة السوق والاستثمارات طويلة الأجل، خاصة في التكنولوجيا النظيفة.
– على جانب آخر، وفيما تواصل استطلاعات الرأي والخبراء محاولات التكهن بما إذا كانت “كامالا هاريس” أم “ترامب” من سيتولى قيادة البيت الأبيض خلال الأربع سنوات المقبلة، فهناك مؤشر في سوق الأسهم دقيق بشكل كبير في تحديد الفائز.
– في الفترة التي سبقت انعقاد الانتخابات، كان أداء مؤشر “إس آند بي 500” مقياساً صائباً لمعرفة هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بدقة بلغت 83%، وفقًا لبحث أجرته “إل بي إل فايننشال”، أكبر شركة استشارية مالية في الولايات المتحدة.
– منذ عام 1928، ظل الحزب الحاكم مسيطراً على البيت الأبيض في 12 من أصل 15 سباقا انتخابيا، عندما قدم مؤشر “إس آند بي 500” أداءً إيجابياً خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الانتخابات.
– على الجانب الآخر، خسر الحزب الحاكم الانتخابات 8 مرات خلال آخر 9 سباقات انتخابية عندما انخفضت عائدات السوق في الأشهر الثلاثة التي سبقت التصويت، ويعني ذلك أن السوق تنبأ بشكل صحيح بنتيجة الانتخابات في 20 مرة من آخر 24 سباقاً انتخابياً.
– جدير بالذكر هنا أن مؤشر “إس آند بي 500” ارتفع بنسبة 2.3% خلال شهر أغسطس، وبنسبة 2% في سبتمبر، فهل هذا يعني نتيجة بعينها للانتخابات التي ستعقد في الخامس من نوفمبر؟ من يدري؟!
المصادر: أرقام- شات جي بي تي- جيمناي- ميديوم- فوربس- بلومبرج- بيانات فاكت ست- ماركت ووتش- سي إن بي سي- موني دوت كوم