تلاعب شركات الأغذية لخداع المستهلك .. التضخم الانكماشي الحجة المعتادة
هل فكرت يوماً وأنت تدفع عربة التسوق أمامك لشراء احتياجات أسرتك الغذائية أنك تتعرض للخداع من قبل الشركات المنتجة، وأن العديد من تلك الشركات لا تتوقف عن ممارسة الألعاب الذهنية معك.
عندما تشعر أن منتج ما كنت تستمتع دائماً بتناوله، وفجأة لم يعد طعمه على المستوى نفسه أو اختلف قليلاً، أو عندما تلاحظ أن حجم سلعة أصبح أصغر مما كانت عليه، حينها فقط بدأت تدرك أنك أصبحت ضحية لخداع شركة غذائية ما.
أساليب خداع الشركات الغذائية
نظراً لأن شركات الأغذية شهدت ارتفاعاً كبيراً في تكاليفها على مدار السنوات القليلة الماضية، فقد استخدمت العديد منها استراتيجيات خفية، من أجل تمرير تلك التكلفة إلى المستهلكين دون أن يشعرونا بذلك الأمر، أو على الأقل تمريرها على نحو أخف وطأة.
وعادة ما تلجأ تلك الشركات إلى ما يعرف بالتضخم الانكماشي أو التضخم التقشفي، لتجنب الاضطرار إلى رفع أسعار سلعها بشكل قد يؤدي إلى إحجام المستهلكين عن شراء منتجاتها أو البحث عن بدائل.
ويحدث التضخم الانكماشي عندما يتم تقليص حجم سلعة ما، لكن السعر يظل كما هو أو يشهد ارتفاعاً طفيفاً لا يشعر به المستهلك، فمثلاً عبوة الجبن التي كان وزنها كيلو جرام، تنخفض لتصبح 900 جرام مع احتفاظها بالسعر نفسه.
وفي تلك الحالة يكون السعر قد ارتفع بنحو 10%، وفي أغلب الأمر لن يشعر المستهلك بانخفاض وزن السلعة، إلا إذا دقق في وزن العبوة، وهو أمر لا يفعله الكثير منا.
كيف تتجنب خداع الشركات الغذائية في 3 خطوات؟ |
||
الخطوات |
|
الإجراء |
1 |
|
راجع وزن السلعة أو عدد القطع في العبوة |
2 |
|
تحقق من سعر السلعة في إيصال الدفع |
3 |
|
أقرأ جيدًا مكونات السلعة وقارنها بأي عبوة قديمة إذا كنت تحتفظ بها |
رغم أن التضخم الانكماشي ليس ظاهرة استهلاكية جديدة، فإن هذا المصطلح يُنسب إلى الخبيرة الاقتصادية البريطانية “بيبا مالمجرين” في عام 2009، والأمر بالطبع ليس محصوراً على السلع الغذائية فقط، وإن كانت تبدو أكثر وضوحاً بها نظراً للحاجة إليها بشكل دائم.
أما التضخم التقشفي فيشير إلى أمر آخر، وهي تعديلات لن تكون واضحة في الشكل أو الحجم، إنما تظهر في الجودة أو الطعم، على سبيل المثال استبدال مكونات السلعة بأخرى أقل سعراً من أجل خفض تكاليف الإنتاج تلك.
وتشير بعض الدراسات إلى أن نحو ثلث سلع البقالة في السوق الأمريكي قد شهدت إما تضخماً انكماشياً أو تضخماً تقشفياً، في حين أدرك 71% فقط من المستهلكين أنهم تعرضوا للخداع بإحدى الوسيلتين.
ربما كان خداع المستهلكين أكثر سهولة في الماضي حينما كان تواصل بعضهم مع البعض محدوداً، لكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح فضح مثل تلك الاستراتيجيات الخفية التي تثير غضب المستهلكين أمراً يسيراً.
وحينما يشعر المستهلك بأنه تعرض للخداع وينشر ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي يبدأ المستهلكون الآخرون -الذين تعرضوا للموقف نفسه أو يستخدمون السلعة نفسها- في الانضمام إليه للتعبير عن غضبهم وسط دعوات لاتخاذ ردود فعل تجاه الشركة المسؤولة، وهو أمر تخشاه شركات السلع الغذائية التي تحاول في العادة تجنب أي رد فعل عنيف تجاهها، حتى لا تتعرض للعقاب من قبل المستهلكين.
الإفلات من العقاب
حتى وقت قريب، كانت الشركات تفلت من العقاب بتجاهل العملاء الغاضبين، أو بإصدار بعض التصريحات المدروسة بعناية في محاولة لاستعادة مكانتها، وكانت تصريحاتهم غالباً ما تندرج تحت “نحن نستمع شكواك، لكن تعال وأشفق علينا”، أو “إننا نفعل هذا الأمر لتجنب رفع أسعارنا بشكل يثقل كاهل مستهلكينا”، وربما يعترفون بالأمر “نحن رفعنا الأسعار، لكن بشكل أقل من المفترض” لذا فنحن لسنا أشراراً.
ولكن حالياً، عادة ما تتراجع الشركات عن بعض مواقفها إذا شعرت بأن موجات غضب المستهلكين آخذة في الصعود في محاولة لإرضائهم، إذ إن استمرار غضب عملائها يعني خسارتها الأرباح، وهو أمر تكرر في العديد من المواقف مؤخراً.
وبعدما شهدت شركات مثل ماكدونالدز وونديز وبرجر كنج انخفاضاً في إيراداتها بعد قيام المستهلكين بعقابها، كشفت تلك الشركات عن قوائم وعروض ترويجية جذابة، كما وعدت بأن تكون أكثر حكمة في رفع الأسعار.
وبعد أن لجأ محبو كعكة التوت البري الشهيرة من هول فودز إلى وسائل التواصل الاجتماعي للشكوى من تغيير المكونات، كان لسلسلة البقالة المملوكة لشركة أمازون استجابة سريعة عادةً، حيث أبلغت العملاء أن الكعكة ستعود قريباً إلى وصفتها الأصلية.
كما أعلنت شركة بيبسيكو، مالكة رقائق البطاطس من نوع ليز ودوريتوس وتوستيتوس ورافلز، أنها ستضع المزيد من رقائق البطاطس في بعض الأكياس التي أصبحت أخف وزناً بشكل عجيب.
وقال متحدث باسم شركة بيبسيكو إن أكياساً من نوعي توستيتوس ورافلز ستحتوي على رقائق أكثر بنسبة 20% بسعر الأكياس العادية نفسه في مواقع محددة.
وأضاف المتحدث باسم الشركة أن الشركة ستضيف أيضاً كيسين إضافيين صغيرين من رقائق البطاطس إلى عبوتها المتنوعة التي تحتوي على 18 كيساً.
وجاء توقيت التغييرات التي أعلنتها شركة بيبسيكو مفاجئاً، إذ كان عملاء الشركة يشكون من التضخم الانكماشي لسنوات، ولكن الشركة لم تتحرك إلا مؤخراً.
شكوى طبيعية
شكوى الناس من التضخم الانكماشي أمر طبيعي، لكن إذا استمروا في الاستسلام من خلال شراء السلع وعدم إظهار غضبهم، فلن يكون لدى الشركات سبب للتوقف عن اختبار حدود التضخم الانكماشي الذي يمكن أن يتحمله المستهلكين.
وبالنسبة لشركة بيبسيكو، يبدو أن العملاء قد بلغوا حدهم، حيث انخفضت مبيعات الوجبات الخفيفة وحجمها في الربع الأخير، وفقاً لأحدث تقرير أرباح للشركة.
ولكن قد يتساءل البعض كيف يمكنهم الحفاظ على السعر نفسه إذا أضافوا المزيد من الرقائق؟
وفي هذا الإطار أوضح “كريس هايدوك”، أستاذ التسويق في كلية فريمان للأعمال بجامعة تولين، أنه من المرجح أن تكون هوامش الربح على الوجبات الخفيفة مرتفعة بما يكفي بحيث يكون إضافة بضع رقائق إضافية “تكلفة منخفضة نسبياً بالنسبة لهم“.
خاصة أن بعض المدخلات في تصنيع المواد الغذائية قد شهدت تراجعاً بعد ارتفاعها بشكل كبير أثناء جائحة كوفيد 19، لكن العديد من الشركات لم تعكس هذا الأمر في منتجاتها بشكل مباشر.
ويقول “هاديك”، إنه كان بإمكان بيبسيكو أن تفعل ما بدأ العديد من تجار التجزئة في فعله بخفض الأسعار سريعاً بعد الجائحة، لكنها فضلت الانتظار لفترة طويلة حتى لا يبدأ المستهلكون في توقع المزيد من الخصومات والعروض الترويجية منها.
من المرجح أن تؤدي الخطوة التي اتخذتها شركة بيبسيكو إلى دفع مصنعي الوجبات الخفيفة الآخرين إلى اتباع النهج نفسه، وهو ما جعل بعض الخبراء يتوقعون أن أيام التضخم الانكماشي، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالغذاء، قد تكون معدودة.
لكن “هايدوك” يحذر من أنه لا يجب أن نتوقع انتهاء الألعاب الذهنية بالكامل من قبل شركات الأغذية، قائلاً: “أعتقد أن (شركات الأغذية) ستغير استراتيجيتها وتجد لعبة ذهنية مختلفة تلعبها، لا يسهل اكتشافها من قبل المستهلكين بعد”.
أشكال أخرى للخداع
هناك وسائل أخرى للخداع تلجأ إليها شركات الأغذية من أجل الترويج لسلعها، وجذب عدد أكبر من المشترين.
ومن بين تلك الوسائل الشعارات المضللة، إذ إن شركات الأغذية تتلاعب بالشعارات والتصنيفات مثل “طبيعي” أو “عضوي”، رغم أن هذه المصطلحات غالباً لا تعني الكثير من الناحية الصحية.
فبعض المنتجات التي تحمل علامة “طبيعي” قد تحتوي على سكريات مضافة أو مواد حافظة، ومن الأمثلة الشهيرة على هذه الخدعة هو تسويق بعض المشروبات الغازية كـ”طبيعية”، رغم احتوائها على كميات كبيرة من السكريات المصنعة.
كما يتم التلاعب أحياناً بمؤشرات السعرات الغذائية المدونة على السلع لكي تبدو المنتجات أكثر صحة، فقد تجد على عبوة إحدى الوجبات الخفيفة أنها تحتوي على “100 سعر حراري” فقط، لكن عند التدقيق في التفاصيل، تجد أن العبوة تحتوي على أكثر من حصة واحدة، وبالتالي فإن إجمالي السعرات المستهلكة عند تناول السلعة ككل يصبح أكبر بكثير.
السكر يُعتبر أحد أكبر الأعداء الصحيين في النظام الغذائي، لكن شركات الأغذية تعرف كيف تخفيه تحت مسميات مختلفة، مثل “شراب الذرة عالي الفركتوز”، “المالتوز”، و”الديكستروز”، لجعل المنتجات تبدو أقل احتواءً على السكريات.
كما تستهدف شركات الأغذية الأطفال بشكل مباشر من خلال استخدام الشخصيات الكرتونية الملونة والعلب الجذابة، ونظراً لأن الأطفال أكثر سهولة في التأثر بهذه الاستراتيجيات فهم يتعرضون للخداع بشكل أكبر.
معرفة هذه الخدع ليست كافية، بل يجب أن نكون حذرين أثناء التسوق، قراءة الملصقات الغذائية بعناية، الانتباه لحجم الحصص الغذائية، والبحث عن مكونات مثل السكر المخفي، كلها أمور تسهم في حمايتنا من خدع شركات الأغذية.
المصادر: أرقام- سي إن إن- سي بي إس نيوز– صحيفة الجارديان- هارفارد هيلث- تشويس- ليندنجتري