مختارات اقتصاديةمنوعات اقتصادية

ولايات متأرجحة ومجمعات انتخابية .. الأمريكون لا يختارون رئيسهم

في واقعة نادرة ولحظة درامية، تحديدًا في الثامن من نوفمبر عام 2016، كانت تحتفل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون” والديمقراطيون بالتقدم الواضح في الانتخابات الرئاسية كما توقعت استطلاعات الرأي، لكن انقلبت الأقدار لصالح خصمها الجمهوري في اللحظات الأخيرة.
حصلت “كلينتون” على 65.8 مليون صوت بنسبة تتجاوز 48%، مقابل 46% فقط لمنافسها “دونالد ترامب”، ومع ذلك – كما يعلم الجميع – لم ينتهِ بها المطاف على الكرسي الذي شغله زوجها في المكتب البيضاوي بين عامي 1993 و2001، وظفر الملياردير الجمهوري بهذا المنصب.
وهذا السيناريو مشابه أيضًا لانتخابات عام 2000، عندما حصل “جورج بوش” الابن على 47.9% من أصوات الناخبين مقابل 48.4% لمنافسه الديمقراطي “ألبرت آل جور” الابن، وفاز رغم ذلك برئاسة البلاد في نهاية المطاف.

 


ورغم أن مثل هذه الوقائع لم تتكرر إلا نادرًا في تاريخ الانتخابات الأمريكية الممتد لأكثر من 200 عام، فإنه حتى عندما حدثت لم يكن الفارق كبيرًا مثلما هو الحال في انتخابات عام 2016 (نحو 3 ملايين صوت لصالح كلينتون).

 

الإجابة هي “قطعًا لا” إذا كنت تفكر في أن هناك نوعا من التلاعب، أو إجراءات أو ظروف استثنائية التي يمكن عندها ترجيح كفة مرشح على الآخر وتجاوز أصوات الناخبين.
في الحقيقة، رغم ندرة حدوث هذا الأمر، فإنه ظل ممكنًا على مر التاريخ بفضل النظام الانتخابي المعقد الذي أقره الدستور منذ القرن الثامن عشر، والذي يحرم الأمريكيين من اختيار رئيسهم عبر التصويت الشعبي المباشر، لكن لماذا؟ وكيف يعمل هذا النظام الغامض؟
تصويت بالوكالة: الفائز يحصل على كل شيء
– عندما ينطلق الناخبون الأمريكيون في الخامس من نوفمبر القادم لاختيار مرشحهم المفضل لرئاسة البلاد، فإنهم يأملون أن يفعل جيرانهم وسكان ولايتهم الأمر نفسه، لا لشيء سوى أن أصواتهم مجتمعة تذهب في النهاية إلى مرشح واحد.
– يرجع ذلك لطبيعة النظام القائم على ما يُعرف بـ “المجمعات الانتخابية” أو “الهيئات الانتخابية”، والتي تحسم أصواتها هوية الرئيس، فصحيح أن الناخبين يصوتون لمرشحهم المفضل، لكن المرشح الذي يحصل على أكثر أصوات من الجماهير يفوز بأصوات المجمع الانتخابي للولاية مجتمعة.
– تخيل مثلًا ولاية كاليفورنيا، والتي لها 54 صوتًا بالمجمع الانتخابي (يتناسب ذلك مع حجمها من حيث عدد السكان)، إذا حصل أحد المرشحين على أغلب أصوات الناخبين بها (50.1% مثلًا – إذا كان هناك مرشحان اثنان فقط)، فإنه يفوز بجميع أصوات المجمع الانتخابي لها.
– إجمالًا هناك 538 صوتًا للمجمعات الانتخابية في الولايات المتحدة، ويفوز الرئيس الذي يحصل على 270 صوتًا أو أكثر في الانتخابات الرئاسية، بغض النظر عن إجمالي أصوات الجماهير المباشرة له.
– في تاريخها الممتد، لم يحدث أن خسر الرئيس الذي حصل على أغلب أصوات الناخبين، سوى 5 مرات، وذلك في انتخابات أعوام؛ 1824 و1876 و1888 و2000 و2016.
– مع ذلك، قد تحدث بعض الاستثناءات، ففي انتخابات عام 2016، فازت “كلينتون” بأغلب أصوات الناخبين في ولاية مين، لكنها حصلت على 3 فقط من أصل 4 أصوات للمجمع الانتخابي، وذهب صوت واحد إلى “ترامب”، بعدما أنهت الولاية نظام “الفائز يحصل على كل شيء”.
– هناك أيضًا ما يعرف بظاهرة “عضو المجمع غير الملتزم” أو “الناخب غير المخلص”، فعندما يدلي الناخبون الأفراد بأصواتهم، فهم في الحقيقة يمنحون تصريحًا لممثلي حزب ما (أعضاء في المجمع الانتخابي) للتصويت نيابة عنهم لاختيار الرئيس ونائبه.
– لكن أحيانًا يخالف أعضاء المجمع الانتخابي المهمة التي تعهدوا بالقيام بها، ويصوتون لصالح مرشح آخر، وهي مسألة لا يتناولها الدستور أو القانون الفيدرالي رغم أن أغلب الولايات لديها قواعد لمعاقبة مثل هؤلاء.
– في انتخابات 2016، لم يُدلِ خمسة من أعضاء المجمعات الانتخابية الديمقراطية واثنان من الجمهوريين بأصواتهم لمرشحي حزبيهم وصوتوا بدلاً من ذلك لمرشحين آخرين.

 

نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في آخر 20 عامًا (بين أبرز المرشحين – الديمقراطيين والجمهوريين)

العام

المرشح

الحزب

أصوات المجمع الانتخابي

أصوات الناخبين (مليون)

2000

بوش الابن

الجمهوري

271

50.46

آل جور الابن

الديمقراطي

266

50.99

2004

بوش الابن

الجمهوري

286

62.04

جون كيري

الديمقراطي

251

59.23

2008

باراك أوباما

الديمقراطي

365

69.49

جون ماكين

الجمهوري

173

59.95

2012

باراك أوباما

الديمقراطي

332

65.92

ميت رومني

الجمهوري

206

60.93

2016

دونالد ترامب

الجمهوري

304

62.98

هيلاري كلينتون

الديمقراطي

227

65.85

2020

جون بايدن

الديمقراطي

306

81.27

دونالد ترامب

الجمهوري

232

74.22

سر هذا النظام.. وحقائق أخرى
– عندما وُضع دستور الولايات المتحدة في عام 1787، كان التصويت الشعبي الوطني لانتخاب رئيس أمرًا مستحيلًا من الناحية العملية بسبب حجم البلاد الكبير (حتى قبل انضمام باقي الولايات) ونقص وسائل الاتصال الموثوقة، لذلك ابتكر واضعو الدستور نظام الهيئة الانتخابية.
–  في حين كان عدد السكان الشمال والجنوب متساويًا تقريبًا، تشكل نحو ثلث الجنوبيين من “العبيد” (الذين لا يملكون حق التصويت)، وهذا يعني أن المنطقة سيكون لها نفوذ أقل في ظل نظام التصويت الشعبي، لذا كان الحل هو نظام غير مباشر للانتخاب.
– من مزايا هذا النظام أنه يجعل الولايات الأصغر مهمة للمرشحين، ومع ذلك، لا يحتاج المرشحون إلى السفر في جميع أنحاء البلاد ويمكنهم التركيز على الولايات الرئيسية، كما أنه يجعل إعادة فرز الأصوات أسهل.
– لكن من أبرز عيوبه، أن الفائز بأغلبية أصوات المواطنين قد يخسر الانتخابات في النهاية، وبالتالي يشعر بعض الناخبين أن أصواتهم غير مهمة، فيما تحصل ما تعرف بـ “الولايات المتأرجحة” على نفوذ أكبر وتحظى باهتمام المرشحين.
– أجريت انتخابات اختيار أول رئيس للولايات المتحدة في عام 1789، بعد عامين من تحديد الدستور لفكرة المجمع الانتخابي، وينص القانون على انعقادها في يوم الثلاثاء الذي يلي أول يوم إثنين في شهر نوفمبر من عام الانتخابات (كل 4 أعوام – عقدت ثاني انتخابات أمريكية عام 1792).

– إذا لم يكن هناك مرشح لديه الحد الأدنى المطلوب للفوز، يجتمع مجلس النواب في يناير لاختيار الفائز في السباق الرئاسي في تصويت طارئ، وهو ما لم يحدث سوى مرة واحدة عام 1824، فيما يختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس، وهذا أيضًا حدث نادر للغاية لم يتكرر منذ عام 1837.
– ينص الدستور على أن يكون الرئيس مواطنًا مولودًا في الولايات المتحدة، ويبلغ من العمر 35 عامًا على الأقل، ومقيمًا في البلاد لمدة 14 عامًا على الأقل، ويحظر الترشح لمن فاز بولايتين كرئيس، ويمكن للمواطنين فوق 18 عامًا التصويت في الانتخابات.
– منذ عقد أول انتخابات رئاسية في 1789، ارتفعت نسب مشاركة المواطنين الأمريكيين في هذا الاستحقاق الدستوري بشكل تدريجي من قرابة 12% إلى الفترة الذروة من عام 1840 إلى 1900 حيث تراوحت بين 70% و80%، قبل أن تصل إلى 66% و60% في 2020 و2016.

 

أكبر الولايات من حيث القوة التصويتية وانتمائها في 2024

الولاية

عدد أصوات المجمع الانتخابي

الانتماء التاريخي/ المرجح

 

كاليفورنيا

54

ديمقراطية

 

تكساس

40

جمهورية

 

فلوريدا

30

جمهورية

 

نيويورك

28

ديمقراطية

 

إلينوي

19

ديمقراطية

 

بنسلفانيا

19

متأرجحة

 

أوهايو

17

جمهورية

 

جورجيا

16

متأرجحة

 

كارولينا الشمالية

16

متأرجحة

 

ميشيغان

15

متأرجحة

 
 

ما المقصود بالولايات المتأرجحة؟
– غالبًا ما تصوت الولايات باستمرار لنفس الحزب (ديمقراطي/ جمهوري) في كل انتخابات، لكن هناك بعض الولايات المعروفة بعدم تفضيلها لأحد الحزبين في المطلق، ولذلك يركز المرشحون عليها لحسم الانتخابات، حيث تكون حظوظهم متساوية.
– في عام 2024، ستكون الولايات المتأرجحة الرئيسية هي أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن وكارولينا الشمالية، وهذه الولايات السبع تمتلك مجتمعة 93 صوتًا من أصوات المجمعات الانتخابية، ما يجعلها رهانًا مربحًا للمرشحين.
– تسمى هذه الولايات بـ “المتأرجحة” بسبب انقسام سكانها سياسيًا بشكل كبير وتذبذب ميولهم الحزبية، وعلى مر الزمان “تأرجحت” اختياراتهم للمرشحين، فمرة يميلون للجانب الديمقراطي وثم يعودن إلى الجمهوري.
– لا يتفق الخبراء دائمًا على توصيف الولايات المتأرجحة، فمثلًا يضيف بعضهم فلوريدا (30 صوتًا في انتخابات 2024- كانت جمهورية في 2020 و2016) ونيو هامبشاير (4 أصوات- كانت ديمقراطية منذ انتخابات 2004) وغيرها إلى القائمة.
– على أي حال، كثف المرشحان الرئيسيان لانتخابات هذا العام؛ الديمقراطية “كامالا هاريس” والجمهوري “دونالد ترامب”، زياراتهما إلى هذه الولايات مع زيادة ملحوظة في نشاط حملتيهما، أملًا في الفوز بما يكفي لترجيح كفة أحدهما بالانتخابات.
– كشفت تقارير صحفية مؤخرًا، أن الملياردير “إيلون ماسك” الذي لا يترك فرصة الآن إلا ويبدي فيها تأييده لـ “ترامب”، قدم دعمًا بنحو 75 مليون دولار خلال 3 أشهر فقط لمجموعة سياسية تعمل على حشد الأصوات لصالح مرشحه المفضل في الولايات المتأرجحة.
– لم تقف جهود “ماسك” عند هذا الحد، حيث استغل مؤتمرًا لدعم “ترامب” في بنسلفانيا للإعلان عن جائزة قدرها مليون دولار يوميًا لمن يوقع عريضة تدعو إلى تعديل الدستور، وهو إجراء أثار جدلًا واسعًا في البلاد.
– مع ذلك، في استطلاع رأي حديث أجرته “واشنطن بوست” وكلية “شار” بجامعة “جورج ماسون في الولايات السبع المتأرجحة، تقدمت “هاريس” على “ترامب” لكن بفارق محدود للغاية، وهي نتائج مشابهة لمسح آخر أجرته “وول ستريت جورنال”، ما يعني أن حسم الأصوات سيكون صعبًا للغاية.

انتخابات 2024: بين الخوف وآمال التعديل
– إن كان يبدو لك نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية معقدًا بشكل غير ضروري، فربما أنت على حق، فبعد أكثر من 230 عامًا، عقدت خلالها 59 عملية انتخابية، والتي أفرزت بدورها 46 رئيسًا للبلاد، يؤيد معظم الأمريكيين منذ فترة طويلة التخلي عن هذا النظام.

 

عدد الرؤساء المنتمين لكل حزب سياسي

الحزب

عدد الرؤساء

الجمهوري

19

الديمقراطي

17

الديمقراطي الجمهوري

4

حزب الهويجز (الأحرار)

4

الفيدرالي

1

غير منتمٍ

1

– وفقًا لدراسة أجراها مركز “بيو” للأبحاث ونشرها في نهاية سبتمبر، يفضل 63% من الأمريكيين أن يكون الفائز في الانتخابات الرئاسية هو الشخص الذي يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين على المستوى الوطني، مقابل 35% يفضلون الإبقاء على النظام الحالي.
– يفضل 80% تقريبًا من الديمقراطيين والمستقلين الذين يميلون إلى الحزب الديمقراطي استبدال الهيئات الانتخابية بنظام التصويت الشعبي، فيما يميل 53% من الجمهوريين ومؤيديهم إلى الإبقاء على النظام الحالي.
– هذا ليس وجه الاختلاف الوحيد في انتخابات هذا العام، فحالة الاستقطاب السياسي الآخذة في التصاعد منذ هزيمة “ترامب” في انتخابات عام 2020، يبدو أنها وصلت إلى ذروتها بعد محاولتين لاغتيال المرشح الجمهوري وإطلاق النار على مكتب تابع للديمقراطيين في أريزونا، وإفشال مخطط لهجوم إرهابي في يوم الانتخابات.
– علق “ترامب” على تلك الأحداث بالقول: “بسبب هذا الخطاب الشيوعي اليساري (في إشارة إلى خصومه الديمقراطيين على ما يبدو)، فإن الرصاص يتطاير، وسوف يزداد الأمر سوءًا”.

– في مايو، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز “برينان” للمسؤولين عن الانتخابات أن 40% منهم اتخذوا خطوات لزيادة الأمن في مكاتب الانتخابات ومواقع الاقتراع منذ عام 2020، وأفاد 38% بأنهم تعرضوا للمضايقات أو الإساءة.
– في جميع أنحاء البلاد، تقوم مكاتب الانتخابات بأشياء أخرى مثل الاستثمار في نشر “أزرار الذعر” (تطلق إنذارًا أو إشارة استغاثة أو تفرض إجراءً أمنيًا مخططًا مسبقًا) وتدريب العاملين في مراكز الاقتراع على كيفية التعامل مع التهديدات وخفض التوترات.
– هذه الظروف تجعل من الصعب توقع النتائج النهائية للانتخابات المقبلة، لكن مؤكد أن الولايات المتأرجحة ستكون حاسمة في تحديد هوية الرئيس الجديد، ويبقى السؤال الأهم؛ هل ستشهد انتخابات 2024 نفس الدراما التي أعقبت تصويت 2020؟ أم ستكون بداية لعهد جديد في السياسة الداخلية والخارجية؟
المصادر: أرقام- موقع 270 تو وين- مكتبة الكونجرس- مركز الدستور الوطني الأمريكي- مركز بيو للأبحاث- إيه بي سي نيوز- بي بي سي- السفارة الأمريكية في تايلاند- يو إس نيوز- وول ستريت جورنال- البيت الأبيض- منظمة ڤوت بيت- منظمة مشروع الانتخابات الأمريكية- ستاتيستا- مركز برينان للأبحاث

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى