مقالات اقتصادية

“حقبة جديدة”.. أول حضور للسعودية والإمارات كعضوين في “بريكس”

الدول الخليجية تعمل على استكشاف وفتح آفاق جديدة وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الدول والمنظمات في العالم.

تنطلق يوم الثلاثاء (22 أكتوبر)، القمة الـ 16 لمجموعة “بريكس” في مدينة قازان الروسية على مستوى القادة، بحضور السعودية والإمارات للمرة الأولى بصفتهما أعضاء في المجموعة.

وسيصل الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الاثنين المقبل (21 أكتوبر) إلى روسيا للمشاركة في القمة، حيث سيبحث خلالها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مختلف أوجه العلاقات الثنائية، وسبل تعزيزها خصوصاً في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة.

وأعلن الكرملين، في سبتمبر الماضي، أنه قدم دعوة رسمية للسعودية للمشاركة في قمة “البريكس”، لكن يتوقع أن وفد المملكة سوف يترأسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.

أهمية القمة

وسبق أن قال بوتين، مطلع الشهر الجاري، إنه يريد خلال رئاسة بلاده المجموعة العام الحالي أن يعمل على زيادة دور مجموعة بريكس في النظام المالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، وتوسيع استخدام عملات مجموعة بريكس، وكذلك تعزيز التعاون بين السلطات الضريبية والجمركية.

وستناقش القمة التي تعقد تحت شعار “تعزيز الشرعية المتعددة الأطراف من أجل التنمية العالمية العادلة والأمن”، مساعي تعزيز التعاون والترابط بين الدول الأعضاء لا سيما بعد التوسعة التي جرت للمجموعة خلال القمة الماضية في جنوب أفريقيا، التي شهدت ضم السعودية والإمارات ودول أخرى.

ويبلغ عدد سكان المجموعة بعد توسعتها نحو 3.5 مليار نسمة، يشكلون 45% من سكان العالم، وتبلغ قيمة اقتصاداتها مجتمعة أكثر من 28.5 تريليون دولار، ما يقدر بنحو 28% من الاقتصاد العالمي.

وجاء انضمام السعودية والإمارات للمجموعة ضمن مساعيهما ضمن توجه خليجي عام لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط، وتعمل على خلق وظائف وفرص لمواطنيها، فوجدت من الشراكات الواسعة مع الدول المختلفة طريقاً نحو تحقيق أهدافها ورؤيتها، مركزة بشكل رئيس على الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والسياحة المستدامة والأبحاث والابتكار.

الجانب الاقتصادي

وخلال القمة الـ15 للتحالف في جوهانسبرغ (أغسطس 2023)، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، موافقة مجموعة “بريكس” على انضمام السعودية والإمارات ودول أخرى.

كما أنه كان من أبرز معالم هذا التوجه الخليجي التوسع الكبير في الشراكة مع الصين وروسيا، والانضمام لمنظمات تحاول تقليص هيمنة الغرب عالمياً والقضاء على القطب الواحد، ومن أبرزها “شنغهاي” و”بريكس”.

كما تأتي التحركات أيضاً في الوقت الذي بدأت فيه الصين وروسيا بالتوسع بقوة في المنطقة العربية، وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي على جميع الصعد، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً.

ودخلت الصين وروسيا إلى المنطقة من بوابة الاقتصاد في ظل الفرص الاستثمارية والتجارية الثمينة التي يمكن أن يستفيد منها الجانبان، قبل أن تتوسع إلى صفقات عسكرية مع بعض دول الخليج، وصولاً إلى تمتين العلاقات السياسية.

وكان لافتاً عقد سلسلة اجتماعات متتالية مع أكبر الدول فاعلية في تكتل “بريكس”، التي سبق أن خطت دول خليجية خطوات متفاوتة بشأن الانضمام إلى التكتل، الذي يضم كلاً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتي تسجل معدلات نمو عالية، خاصة في قطاعات الزراعة والتعدين وعلم الصواريخ.

والثلاثاء 10 سبتمبر 2024، عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض سلسلة اجتماعات منفصلة مع نظرائهم في 3 من كبار دول تحالف “بريكس”؛ روسيا والهند والبرازيل، واجتماعاً منفصلاً بين الأمين العام للمجلس جاسم البديوي، مع لي تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني، يوم الأربعاء 11 سبتمبر.

هذه الاجتماعات تأتي في إطار حرص الدول الخليجية على استكشاف وفتح آفاق جديدة، وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الدول والمنظمات في العالم بما يخدم مصالحها.

وطغى الجانب الاقتصادي على الاجتماعات، حيث جرى تأكيد أهمية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، ما يسهم في دفع ‏عجلة التنمية، لا سيما في مجالات التكنولوجيا المالية والبيانات الضخمة.

وكشف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، عن إقرار خطة العمل المشترك بين مجلس التعاون الخليجي والهند للفترة 2024 – 2028، التي سوف تسهم في تعزيز الروابط بين الجانبين، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن الاجتماع يعكس الرغبة في تعزيز العلاقات التاريخية، والشراكة في مختلف المجالات بين الجانبين.

كما أشار إلى أن العلاقات مع البرازيل واسعة النطاق، “وقد بلغ حجم التبادل التجاري السلعي لدول مجلس التعاون معها نحو 21,9 مليار دولار أمريكي، ونطمح لزيادة هذا الرقم”، مشيراً إلى أن هذا الاجتماع “يعكس رغبة وقناعة الجانبين بأهمية تعزيز الحوار والعلاقات المشتركة بين الجانبين”.

وأوضح الأمين العام لمجلس التعاون أنه جرى توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشاورات حول القضايا ذات الاهتمام بين الجانبين، ويجري حالياً العمل على مشروع خطة العمل المشتركة للفترة 2024 – 2028.

كما أكد البديوي أن جلسة المباحثات الخليجية الصينية “تناولت بحث سبل تعزيز أوجه التعاون بين الجانبين، انطلاقاً من العلاقات المتينة والمصالح المشتركة بينهما، وترجمة لمخرجات القمة الأولى الخليجية الصينية المنعقدة في المملكة العربية السعودية (ديسمبر 2022)”.

وأضاف في بيان صادر عن المجلس، أنه تم خلال جلسة المباحثات “مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، أبرزها استعراض آخر مستجدات مفاوضات التجارة الحرة بين دول المجلس والصين”.

تعزيز العلاقات

يؤكد عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات الكويتي، أن “التعاون بين دول الخليج وروسيا والهند والبرازيل والصين يأتي في إطار تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية”.

كما يشير إلى أن أبرز القطاعات التي يبحث الجانبان تعزيزها “الطاقة، والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية، حيث تمثل هذه الدول أسواقاً كبيرة وفرصاً استثمارية واعدة”.

وفي ذات الوقت يعتقد، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أنه “لا يمكن إغفال الجانب الجيوسياسي، الذي يعكس رغبة دول الخليج في تحقيق توازن في علاقاتها الدولية، لا سيما مع تزايد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتراجع نفوذ أوروبا”.

وأضاف: “هذا التحول يأتي أيضاً في سياق التذبذب المستمر في السياسة الخارجية الأمريكية، والذي تصاعد منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، حيث شهدت المنطقة شعوراً متزايداً بعدم الاستقرار نتيجة التحولات المفاجئة في المواقف الأمريكية، ما أدى إلى إحساس بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً يمكن الاعتماد عليه بالكلية”.

وأكمل: “لذلك فإن دول الخليج لم تعد تسعى إلى تعزيز اعتمادها شبه الأحادي على واشنطن، بل تحاول توسيع شبكة علاقاتها مع قوى دولية أخرى لتأمين مصالحها الاستراتيجية وتنويع حلفائها في ظل عالم متعدد الأقطاب”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button