مقالات اقتصادية

السعودية تدعم النمو غير الربحي.. ما أهميته للاقتصاد والمجتمع؟

يعود اهتمام السعودية بالقطاع غير الربحي إلى توجهاتها الاستراتيجية لتعزيز مشاركة المجتمع في تحقيق رؤية 2030.

حجم التبرعات السنوية في القطاع غير الربحي تتجاوز 2.07 مليار دولار.

يؤدي القطاع الثالث في السعودية، المعروف أيضاً بالقطاع غير الربحي، دوراً مهماً ومتزايداً في تعزيز التنمية المستدامة ودعم الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للمملكة.

ويعود اهتمام السعودية بهذا القطاع إلى توجهاتها الاستراتيجية لتعزيز مشاركة المجتمع في تحقيق رؤية 2030، والتي تضع أهدافاً واضحة لتعظيم الأثر الاجتماعي لهذا القطاع من خلال تنمية المؤسسات غير الربحية، وتعزيز ثقافة العمل التطوعي، وتسهيل إجراءات تأسيس الجمعيات الخيرية.

أهمية القطاع الثالث

تبذل الجهات الحكومية والخاصة جهوداً كبيرة لتقديم خدمات تعزز جودة الحياة للأفراد، ومع تصاعد التحديات التي تواجه دول العالم، ازدادت أهمية القطاع الثالث، المعروف أيضاً بالقطاع غير الربحي أو القطاع الأهلي، لدعم ومساندة القطاعين العام والخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورفع كفاءة الخدمات المقدمة للمجتمع.

وتعد السعودية مثالاً بارزاً، إذ تتبنى استراتيجية مستقبلية لتمكين القطاع الثالث وتعزيز دوره في دعم المجتمع، ولا سيما الفئات الأكثر حاجة، وتفعيل شراكات فعالة بين الجهات الحكومية والخاصة والخيرية.

وتسعى السعودية جاهدةً لتسهيل نمو القطاع غير الربحي وتوفير بيئة مواتية لدعمه وتفعيله في المجتمع. ومن هذا المنطلق، وبالتعاون مع الهيئة العامة للزكاة والدخل، استُثنيت الجمعيات الخيرية المسجلة تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من ضريبة القيمة المضافة (VAT).

وتدرك المملكة أهمية الوقف الخيري كأداة لتمويل الجهات الخيرية، فتعمل الهيئة العامة للأوقاف على تعزيز الأثر التنموي لهذا القطاع واستدامته عبر دعم البرامج والمشروعات ذات الأثر الاجتماعي، وتيسير تأسيس المؤسسات غير الربحية بهدف تسريع نمو القطاع، وتوفير البيئة التقنية اللازمة، إلى جانب تعزيز التعاون بين القطاع غير الربحي والجهات الحكومية، ونشر ثقافة التطوع، وجذب الكفاءات وتدريبها.

ولتفعيل المشاركة المجتمعية في دعم الأوقاف والقطاع غير الربحي، أطلقت الهيئة منصة “وقفي”، التي تمكن المانحين من دعم المشاريع مالياً عبر خيارات دفع آمنة رقمياً.

كما أطلقت السعودية المنصة الوطنية للعمل الخيري “إحسان”، التي تستفيد من البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم واستدامة المشاريع التنموية، وذلك عبر تقديم حلول تقنية مبتكرة وبناء منظومة شراكات فعالة بين القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية.

وقد تلقت منصة “إحسان” في عام 2021 تبرعاً من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقيمة 2.66 مليون دولار، وهو ما رفع إجمالي التبرعات إلى 266.3 مليون دولار، وقد أسهمت في دعم أكثر من مليوني مستفيد داخل المملكة.

ويرى خبراء ومحللون أن القطاع الثالث يتميز بمرونة أكبر مقارنة بنظيره الحكومي، وبابتعاده عن مبدأ الربح بهدف زيادة رأس المال كما في القطاع الخاص، ومع ذلك فإن الأرباح التي قد يحققها يعاد استثمارها في تطوير الخدمات الاجتماعية وضمان استمرارية أهداف التنمية.

ويشكل القطاع الثالث قوة اقتصادية كبيرة في الدول التي تستثمر بشكل فعال في المبادرات الخيرية، ويُعد التطوع مكوناً أساسياً في هذا القطاع، حيث يدعم تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مما يسهم في توفير فرص العمل، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، ونشر ثقافة التطوع، وتنويع مصادر الاقتصاد.

نهج مؤسسي

ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، إن القطاع غير الربحي في المملكة تحول من عمل هامشي يندرج تحت جهد المبادرات الشخصية، إلى عمل ممنهج يندرج ضمن الخطة الوطنية للدولة ورؤيتها لعام 2030.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن هذا القطاع أصبح نقطة انطلاق وتلاقٍ في الوقت نفسه للقطاعين الخاص والعام، حيث قفزت نسبة مساهمة القطاع غير الربحي بالناتج المحلي، في ظل وجود أكثر من 5000 مؤسسة متنوعة عاملة في القطاع.

ويشير الهور إلى أن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى الوصول في القطاع غير الربحي لأن يساهم بأكثر من 5% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.

ويبيّن أن آثار القطاع غير الربحي لا تقتصر على الاقتصاد، بل تؤثر في الجوانب الاجتماعية والثقافية والتنموية، وتعمل على تعزيز فكرة المساهمة والمسؤولية الاجتماعية عند المؤسسات والأفراد، وتحويله إلى جهد مؤسسي ونمط حياة.

بدوره يرى المستشار الإداري بلال صالح أن رؤية المملكة تدعم القطاع غير الربحي، بهدف تحقيق التنمية المستدامة الشاملة، من خلال تعزيز المجتمع المدني، وتعزيز مساهمة البرامج والمؤسسات غير الربحية، كمكمل للقطاع الحكومي والقطاع الخاص.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن هذا النهج سيؤدي إلى تحسين جودة المستوى المعيشي، والتخفيف من الفقر، كما يمكّن الأفراد من ناحية التعليم والتدريب وتوفير فرص العمل، إضافة إلى أنه يؤدي إلى دعم التنمية الاجتماعية وتحقيق الشمولية المجتمعية.

ويؤكد صالح أن الاهتمام بالقطاع غير الربحي سيؤدي إلى تقديم خدمات مجتمعية، وتطوير بنية تحتية تخلق مشاريع وفرص عمل، فضلاً عن زيادة في الإنتاجية وتحفيز الاقتصاد.

أحد ركائز التنمية

يسير القطاع غير الربحي السعودي بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيته وأهدافه، ليصبح عنصراً أساسياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة، مما يرسخ مكانة السعودية كدولة رائدة في دعم وتشجيع العمل الخيري والاجتماعي، بما يتماشى مع رؤية 2030 الطموحة.

وفي عام 2023، ساهم القطاع غير الربحي بنسبة 0.87% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، بعد أن كان يشكل 0.2% فقط قبل انطلاق رؤية 2030، والتي تهدف إلى رفع مساهمته إلى 5% من الناتج المحلي بحلول عام 2030، وفقاً لموقع “الاقتصادية” السعودي.

وقد تجاوز إجمالي التبرعات السنوية في هذا القطاع 2.07 مليار دولار، فيما وصل عدد الكيانات غير الربحية المسجلة رسمياً إلى أكثر من 5,100 كيان بنهاية 2022، وفقاً لما أعلنه المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي لصحيفة “الاقتصادية”.

وأوضح المركز أن هذه الكيانات تشمل 4,201 جمعية، و376 مؤسسة أهلية، و530 صندوقاً عائلياً، وهو ما يعكس التحول النوعي الذي يشهده القطاع، حيث يتم التركيز على تحقيق الاستدامة وتعزيز الشفافية وتطوير الشراكات مع القطاعين العام والخاص، مما يعزز دور القطاع غير الربحي كأحد ركائز التنمية في المملكة.

وكان من أبرز المستجدات في القطاع نمو أعداد الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، وتأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع، إلى جانب إطلاق برنامج “استدامة” لدعم التمويل، وتحديث نظام الأوقاف، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والحوكمة.

كما يشهد القطاع تحولاً رقمياً، مع منصات مثل “إحسان” للتبرعات، وزيادة التعاون مع القطاع الخاص، وتوسيع مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني بهدف رفعها من 0.3% إلى 5%.

وتسعى المملكة أيضاً إلى تعزيز الأعمال الاجتماعية والتنموية، وتمكين العاملين في القطاع، وتعزيز المشاركة المجتمعية والتطوع عبر إطلاق منصات تطوعية تحفز الأفراد على الانخراط بفاعلية في القطاع.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button