خلف الكواليس .. لماذا يتواصل ماسك مع بوتين ورؤساء آخرين؟
لم يكن أحد يتوقع أن الملياردير الأميركي “إيلون ماسك”، المعروف بآرائه الجريئة وأحلامه في استعمار الفضاء، لديه اتصالات متواصلة مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، الذي يملك من الخبرة السياسية ما يجعله لاعبًا أساسيًا في الساحة العالمية.
وأكد تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال نشر الجمعة الماضية أن أغنى أثرياء العالم لديه اتصالات مع “بوتين” منذ أواخر عام 2022، ويبدو أن تلك الاتصالات شملت العديد من الموضوعات التي تراوحت ما بين الأمور التجارية والمخاوف الأمنية والجيوسياسية.
ورغم تصريحات المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف” بأن التقرير “كاذب تمامًا”، مضيفًا أن ماسك وبوتين تحدثا مرة واحدة فقط عبر الهاتف قبل عام 2022، إلا أنه في حال صدق تقرير وول ستريت فإن هذه الاتصالات تثير العديد من علامات الاستفهام.
فما الذي قد يجمع رجلًا يسعى لاستكشاف الفضاء ويطّلع بحكم منصبه في شركات مثل سبيس إكس، على معلومات أمنية خطيرة متعلقة بالولايات المتحدة، مع زعيم روسيا التي تتعرض لعقوبات شديدة من قبل بلاده جراء غزوها لأوكرانيا؟
ظهور ماسك بقوة على الساحة السياسية
أصبح الملياردير الأمريكي المولود في جنوب إفريقيا لاعبًا سياسيًا قويًا في موطنه الحالي، الولايات المتحدة.
وخلال العام الجاري عقد بث مباشر على منصة إكس للمرشحين الرئاسيين اللذين انسحبا لاحقًا من السباق؛ وهما حاكم فلوريدا “رون دي سانتيس” و”روبرت ف. كينيدي” الابن، بالإضافة إلى الرئيس السابق “دونالد ترامب” في لقاء أداره بنفسه.
ومنذ ذلك الحين، ألقى “ماسك” بثقله خلف “ترامب” وأنفق ملايين الدولارات من أجل دعمه، بل حضر واستضاف التجمعات المؤيدة له، وفي بعض الحالات، نشر معلومات كاذبة عن منافسته، نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، على إكس بحسب ما ذكرت شبكة سي إن إن.
وعن هذا يقول “جيمس لويس”، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “إنه يحاول أن يكون مؤثرًا عالميًا، وأعتقد أنه قرر أنه بحاجة إلى القيام بأكثر من استخدام منصة إكس“.
ومن المعتاد أن يجتمع قادة الشركات أحيانًا مع مسؤولين حكوميين، و”ماسك” ليس الاسم التجاري الكبير الوحيد الذي يظهر موقفه علنًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
لكن حجم المشاركة السياسية لـ”ماسك” يعتبر أمرًا غير عادي بالنسبة للرئيس التنفيذي لشركة تسلا، ومالك العديد من الشركات الخاصة ذات الثقل، وفقًا للعديد من الخبراء.
وفي هذا الإطار يوضح لويس أن ما يميز الأمر هو وجود جانب سياسي، ومعظم الرؤساء التنفيذيين يتجنبون السياسة.
وأشار إلى أن أصحاب الأعمال ربما يجتمعون مع رؤساء دول، لتحسين الظروف التجارية لمنتجهم، أو ربما للضغط على نقطة معينة، لكنهم لا يمارسون السياسة عادةً“.
وأضاف أن مع ماسك الأمر مختلف، “هناك نبرة سياسية في كل ما يفعله”.
مثلث ترامب وبوتين وماسك
قد يبدو دعم ماسك للرئيس السابق والمرشح الحالي ترامب أمرًا مقبولًا لدى العديد رغم انتقاد البعض بشأن طبيعة الدعم الذي يقدمه الملياردير الأمريكي لمرشح الحزب الجمهوري.
وأسس “ماسك” لجنة عمل سياسي لدعمه بالفعل، وأنفقت هذه اللجنة بكثافة على جهود حث الناخبين على التصويت في الأشهر الأخيرة من الحملة.
وأظهرت بيانات اتحادية الخميس الماضي أن رائد الأعمال الأمريكي قدم نحو 44 مليون دولار لتلك اللجنة خلال النصف الأول من أكتوبر وذلك في إطار تكثيفه لجهوده المؤيدة لترامب.
وذلك بعد أن أظهر تقرير سابق أنه قدم للمجموعة نحو 75 مليون دولار على مدى ثلاثة أشهر بين يوليو وسبتمبر.
لكن الأمر مختلف حينما يتعلق بمحادثات غير معلنة مع الرئيس الروسي الذي تواجه بلاده عقوبات ثقيلة بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022، من قبل دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وبالفعل قوبلت تلك المحادثات بمخاوف أمنية محتملة نظرًا لكون ماسك لديه تعاون وعلاقات عمل عميقة مع الوكالات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية، منحته معلومات فريدة لبعض أكثر برامج الفضاء الأمريكية حساسية.
كما فازت شركته “سبيس إكس”، التي تدير خدمة ستارلينك، بعقد سري بقيمة 1.8 مليار دولار في عام 2021، وهي شركة إطلاق الصواريخ الأساسية لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، فضلًا عن أن ماسك يتمتع بتصريح أمني يسمح له بالوصول إلى معلومات سرية معينة.
وبالفعل دعا بيل نيلسون، مدير وكالة ناسا إلى إجراء تحقيق في تقرير وول ستريت جورنال قائلًا: “إذا كانت القصة صحيحة بأنه كانت هناك محادثات متعددة بين إيلون ماسك ورئيس روسيا، فأعتقد أن هذا سيكون مثيرًا للقلق، خاصة بالنسبة لناسا ووزارة الدفاع”.
وفي العام الماضي، تداخلت مصالح “ماسك” وروسيا بشكل متزايد وفقاً لـ”وول ستريت جورنال” يأتي هذا في وقت استخدمت فيه روسيا منصة “إكس” لنشر معلومات يصفها البعض بالمضللة، إلى جانب معارضة ماسك الصريحة للمساعدات التي تقدمها واشنطن لكييف.
كما بدا أن وجهة نظر ماسك بشأن الصراع قد تغيرت؛ إذ لم يتمكن العملاء العسكريون الأوكرانيون من استخدام محطات ستارلينك في سبتمبر لتوجيه الطائرات بدون طيار البحرية لمهاجمة قاعدة بحرية روسية في شبه جزيرة القرم.
حاولت أوكرانيا إقناع “ماسك” بتفعيل خدمة ستارلينك في المنطقة، لكن هذا لم يحدث، حسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
كما زعم مسؤولون أوكرانيون، في وقت سابق من هذا العام، أن القوات الروسية بدأت في استخدام خدمات ستارلينك، لكن ماسك قال إنه “على حد علمه، لم يتم بيع أي محطات بشكل مباشر أو غير مباشر إلى موسكو، وأن المحطات لن تعمل داخل روسيا”.
تحوُّل “ماسك” في موقفه يأتي متسقًا مع موقف مرشحه المفضل، وطالما مدح الرئيس السابق “ترامب” الرئيس الروسي بأنه عبقري، وتارة أخرى بالذكي وذلك بعد عملية الغزو، بل إنه صرح في مارس الماضي بكونه يحب الرئيس الروسي.
وشدد الرئيس السابق على ضرورة التفاوض مع بوتين لحل نزاع أوكرانيا في العديد من المواقف، كما يقول إنه قادر على أن ينهي الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا في حال توليه رئاسة الولايات المتحدة.
التقى مسؤولين من 13 دولة خلال 3 سنوات
على مدار السنوات الثلاث الماضية، التقى “إيلون ماسك” عشرات المرات برؤساء دول ورؤساء وزراء ومشرعين ومسؤولين حكوميين ومرشحين سياسيين من جميع أنحاء العالم.
وأُعلن عن بعض هذه الاجتماعات على نطاق واسع أمام كاميرات وسائل الإعلام، في حين تمت معرفة بعضها من خلال منشورات الملياردير على وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما حدث في محادثات “ماسك” الأخيرة مع الرئيس الأرجنتيني “خافيير ميلي”.
وتتراوح الموضوعات المعلنة لتلك اللقاءات ما بين فرص عمل لشركات ماسك إلى الانتخابات والقضايا السياسة، وفقًا لمراجعة شبكة سي إن إن لاجتماعات “ماسك” ومكالماته ومحادثاته مع شخصيات سياسية حول العالم منذ أغسطس 2021.
وعلى الرغم من أن بعض علاقاته مع هؤلاء القادة يعود إلى ما هو أبعد من ذلك، فإنه في ذلك الوقت، تحول “ماسك” من كونه أحد أغنى رجال الأعمال وأكثرهم نفوذاً في العالم إلى لاعب قوي بشكل متزايد في الشؤون العالمية.
بالنظر إلى الاجتماعات مجتمعة، فإنها تُظهر كيف تم التودد إلى “ماسك” ليس فقط لشركاته ومحفظته المالية، ولكن أيضًا لقدرته على التأثير على مسار الحروب من خلال خدمة الأقمار الصناعية ستارلينك الخاصة به؛ ودوره في التأثير على الرأي العام من خلال منصته إكس.
فعلى سبيل المثال، طلب بوتين من مؤسس شركة سبيس إكس تجنب تفعيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” فوق تايوان كخدمة للزعيم الصيني شي جين بينج، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
بالنسبة لـ”ماسك”، فإن المحادثات مع زعماء العالم بمثابة تحقيق مصالح: فالشركات الست البارزة التي يمتلكها أو يديرها تمنحه فرصة مع تلك الشخصيات، التي غالبًا ما يغذي مثل تلك المحادثات نمو استثمارات شركاته.
والتقى الملياردير الأمريكي خلال الأعوام الأخيرة كلُا من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، لطلب الاستثمار في بلدانهم.
كما أجرى مكالمات مع الرئيس المكسيكي “آنذاك أندريس أوبرادور” في فبراير 2023 حول مصنع تصنيع جديد لشركة تسلا في ولاية نويفو ليون، حيث تلقت الشركة لاحقًا حوافز بقيمة 153 مليون دولار من الولاية.
وفي مايو 2022، التقى ماسك برئيس البرازيل آنذاك، “جايير بولسونارو”، للاحتفال بإطلاق ستارلينك في البلاد، وهي سوق رئيسية جديدة لأعمال الأقمار الصناعية.
وعقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين صينيين في مايو 2023 بعد وقت قصير من إعلان شركة تسلا عن خططها لإنشاء مصنع بطاريات جديد في شنغهاي.
كما قام الرئيس التنفيذي لتسلا بزيارة مفاجئة إلى الصين في أبريل الماضي لزيارة رئيس الوزراء “لي تشيانغ”، وذلك قبل أسابيع من بدء الشركة بناء مصنع البطاريات.
أبرز 5 دول التقى فيها ماسك بمسؤولين خلال الأعوام الثلاثة الماضية |
|
الدولة |
عدد المسؤولين |
الولايات المتحدة |
9 |
الأرجنتين |
4 |
إيطاليا |
4 |
الصين |
3 |
فرنسا |
3 |
في المقابل، تمكُّن هؤلاء الساسة من جذب استثمارات من قبل أغنى أثرياء الأرض يعد فرصة لهم تدعم اقتصاد بلادهم، وتزيد من التوظيف في سوق العمل، وقد تحفز مستثمرين آخرين على اتباع نهجه.
واستخدم رئيس وزراء الهند، الذي أعيد انتخابه مؤخرًا لولاية ثالثة متتالية وهو أمر نادر، خططه لنمو تصنيع المركبات الكهربائية -بما في ذلك المحادثات مع “ماسك” حول مصنع محتمل لتسلا- كنقطة دعم في حملته.
وحتى أكتوبر الجاري، حافظ الملياردير الأمريكي على ترتيبه كأغنى شخص في العالم، بثروة قدرها 270.5 مليار دولار، بزيادة قاربت 27 مليار دولار في شهر واحد بفضل ارتفاع سهم تسلا.
مشاركة خاطئة
ويقول “ويليام كليبر”، أستاذ الإدارة في كلية كولومبيا للأعمال عن مشاركة الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى في السياسة: “عندما تكون أموال الآخرين على المحك (من حاملي أسهم الشركات)، يتعين عليك تعديل أنشطتك، فعندما تتدخل في هذه المواقف المتطرفة، يمكن أن تؤثر على عملك”.
لم يتردد “ماسك” في إظهار مواقفه المتطرفة في العديد من المناسبات، فمثلًا حذر من سقوط أمريكا إذا انتُخب الديمقراطيون، ودفع بنظريات المؤامرة حول مواضيع مثل التصويت بالبريد وحذر في الأحداث العامة من “فيروس العقل المستيقظ” وهو وصف يستخدمه لوصف الأفكار المتطرفة.
ومؤخرًا، بدأ النشاط السياسي لماسك في إحداث تأثير ملموس على شركاته حيث سحبت العديد من العلامات التجارية إعلاناتها من منصة إكس، مما أدى إلى انخفاض قيمته.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفعت سبيس إكس دعوى قضائية ضد هيئة تنظيمية في كاليفورنيا بعد أن رفضت عرضًا للسماح بإطلاق المزيد من الصواريخ بسبب تعليقات الملياردير المثيرة للجدل، مدعية أنها انتهكت حرية رئيسها التنفيذي في التعبير.
يشير تحليل لشبكة سي إن إن أيضًا إلى أن “ماسك” عمل، على وجه الخصوص، على تطوير النفوذ بين مجموعة من زعماء العالم ذوي الميول اليمينية، بما في ذلك “مودي” و”بولسونارو” و”ميلي” ورئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني”.
وفي العام الماضي، شارك ماسك في مؤتمر لحزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف منتقدًا الهجرة غير الشرعية و”فيروس العقل المستيقظ” الذي قال إنه يمسك بالولايات المتحدة.
المصادر: أرقام- سي إن إن- وول ستريت جورنال- فوربس- رويترز- جي بي نيوز