بسكك حديدية.. ما أهمية مشروع ربط شرق السعودية بغربها؟
كتب أسامة صالح
تعد شبكة السكك الحديدية جزءاً أساسياً من تطوير البنية التحتية للنقل في السعودية، حيث يعمل الربط السككي على توفير وسيلة نقل موثوقة وسريعة، مما يقلل الاعتماد على الطرق البرية ويخفف من الازدحام المروري والحوادث.
هذا التحسن في البنية التحتية للنقل يسهم في تحسين جودة الحياة في المناطق المتصلة بالشبكة، كما يسهم مشروع الربط السككي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالنقل البري.
ربط سككي
يمثل مشروع الربط السككي بين شرقي وغربي السعودية خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية للنقل في المملكة وتوسيع شبكة المواصلات البرية، بما يدعم رؤية المملكة 2030.
ويسهم هذا المشروع الطموح في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين حركة البضائع والأفراد بين المناطق المختلفة للمملكة، مما يعزز الترابط الاقتصادي والاجتماعي.
ويتيح الربط السككي نقل السلع والبضائع بكفاءة أكبر بين المدن الرئيسية مثل الدمام وجدة، مما يقلل من تكاليف النقل، ويزيد من القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي.
ويتوقع رئيس اللجنة الوطنية اللوجستية في اتحاد الغرف السعودية راكان العطيشان، خلال حديثه مع قناة “الشرق بلومبيرغ”، في 20 أغسطس الماضي، أن يمنح إتمام مشروع ربط شرقي السعودية بغربيها بخط سكك حديدية “إمكانات لوجستية ضخمة تستطيع السعودية من خلالها تجاوز أي تحديات يواجهها العالم”.
كما توقع العطيشان أن يعلن المشروع في المنتدى اللوجستي العالمي الذي يُعقد في الرياض حالياً.
وبيّن العطيشان في حديثه لـ “الشرق” أن فائدة هذا الربط لن تقتصر على السعودية وحدها، بل ستعود إيجابياتها على جميع دول المنطقة، حيث إن المشروع سيربط مناطق المملكة مع البحر الأحمر.
وأشار إلى أن مشروع الربط الحديدي بين دول الخليج، الذي ينفذ حالياً، سيعود بفائدة كبيرة على المنطقة بأكملها، ويعزز من قدرة السعودية على بناء بنية تحتية لوجستية متطورة.
وأوضح العطيشان أن أزمات البحر الأحمر أدت إلى زيادة في حجم البضائع التي وصلت إلى ميناء الدمام في شرقي المملكة، مما ساهم في تقديم حل لتلك المشكلة.
والجدير بالذكر أن النقل بالسكك الحديدية يعتبر أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وأقل تأثيراً على البيئة مقارنة بوسائل النقل التقليدية، وهذا يسهم في تعزيز الجهود الرامية إلى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة في المملكة.
أهمية بالغة
ويرى الكاتب والباحث جمال العقاد أن شبكة السكك الحديدية في المملكة سوف تكون مُمكِّناً اقتصادياً ضخماً؛ لأن فرصاً كبيرة ستتمثل من خلالها للشركات المصنعة للعربات الحديدية والمعدات الإلكترونية، إضافة إلى الشركات المتخصصة في تصميم وإدارة الأنظمة والخدمات اللوجستية.
ويضيف في مقال نشرته “صحيفة مال” أنه من المتوقع أن تستثمر مبالغ كبيرة في هذه المشاريع؛ مما يعزز الاقتصاد السعودي ويعزز الصناعات التحويلية والخدمية، وتحسين منظومة النقل العام.
وأشار العقاد إلى أن أهمية الشبكة تتمثل في خفض الاعتماد على السيارات الخاصة والحافلات، وخفض الازدحام المروري في المدن الرئيسية، وتحسين جودة الهواء، والحدّ من التلوث الناتج عن حركة السيارات والشاحنات.
ويبيّن الكاتب أن السكك الحديدية ستمكن السائحين من التجول بسهولة بين المدن والمواقع السياحية المختلفة في المملكة، فضلاً عن تحسين نظام النقل اللوجستي، وتعزيز التجارة بين المدن والدول المجاورة، ورفع مستوى تأمين مفهوم الأمن الغذائي عن طريق تسهيل حركة المواد الغذائية والمواد الزراعية بين مناطق المملكة.
ويعتقد العقاد أن هناك عديداً من التحديات على قارعة طريق بناء شبكة حديثة، مثل التقنية في تحسين كفاءة أنظمة التشغيل، وتقليل التأخيرات، والتحديات الإدارية والتنظيمية، وتنفيذ برامج تدريبية لتأهيل وتدريب الكوادر السعودية وتمكينهم من العمل في قطاع السكك الحديدية.
وحسب الكاتب، فإن من التحديات البيئية أيضاً تتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على البيئة والحياة البرية، وكذلك التحديات أمنية لضمان الأمن والسلامة، والحد من الحوادث، والتأكد من توفير الإجراءات الأمنية اللازمة للحفاظ على سلامة المسافرين والعاملين.
وشدد العقاد على أن المملكة ستكون قوة رائدة في قطاع النقل الحديدي محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو مُمكَّن مهم جداً في التحول إلى دولة وحكومة واقتصاد ومجتمع أعلى استدامة وتطويراً وتنافسية بين الدول المتقدمة.
تطور كبير
من المتوقع أن يشهد قطاع السكك الحديدية في السعودية تطوراً كبيراً، خلال السنوات المقبلة، حيث سيزداد طول الشبكة إلى أكثر من 13 ألف كيلومتر، مقارنةً بـ5.5 ألف كيلومتر حالياً، منها 1300 كيلومتر مخصصة للجسر البري الذي يربط شرقي المملكة بغربيها.
ويُعد قطاع النقل السككي عنصراً محورياً لعدد من القطاعات الحيوية، وواحداً من أهم القطاعات في الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي أطلقها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، في سبتمبر 2021.
وأكد وزير النقل والخدمات اللوجستية السعودي صالح الجاسر، خلال كلمته في المنتدى اللوجستي العالمي 2024، يوم الأحد (13 أكتوبر)، أن “الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية تستهدف استثمار أكثر من تريليون ريال (266.296 مليار دولار) بحلول عام 2030”.
وأضاف: “تمّ بالفعل إنفاق 200 مليار ريال (53.2 مليار دولار) من هذا المبلغ، ومكّنت هذه الاستثمارات القطاع اللوجستي السعودي من التقدم بشكل بارز؛ ما أسهم في تحسين تصنيفاتنا العالمية”.
كما أشار الجاسر إلى أن “منظومة النقل والخدمات اللوجستية السعودية حققت إنجازات متنوعة، حيث قفزت المملكة 17 مرتبة في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، و14 مرتبة في مؤشر الاتصال العالمي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)”.
وتابع: “وفي العام الماضي، تمكنت شبكة السكك الحديدية السعودية من تقليل ما يعادل مليون رحلة شاحنة من طرقنا؛ ما أسهم بشكل كبير في تقليل انبعاثات الكربون”.
ويعتبر الربط السككي محفزاً للاستثمارات في القطاعات المرتبطة بالنقل والبنية التحتية، كما يوفر المشروع فرصاً استثمارية كبيرة في مجالات متعددة مثل بناء المحطات والمرافق اللوجستية، فضلاً عن تطوير الخدمات المرتبطة بالنقل بالسكك الحديدية.
الجاسر كان قد تحدث خلال جلسة حوارية في ملتقى الاستثمار البلدي “فرص” بنسخته الثانية عام 2023، عن أن مشروع الجسر البري الذي يربط بين شرقي المملكة وغربيها يُعد من أبرز المشاريع الكبرى ضمن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، مشيراً إلى أنه في مراحل متقدمة، ويحظى باهتمام كبير من القيادة.
وأشار الوزير الجاسر في مناسبة سابقة إلى أن المشروع الذي طال الحديث عنه لعشرات السنين، قد تم الآن تصميمه بشكل كامل، كما أوضح أن تكاليفه بلغت 100 مليار ريال (ما يعادل نحو27 مليار دولار)، وفقاً لما أعلنته وزارة النقل عبر حسابها على منصة “تويتر”.
وأوضح الجاسر أنه تم التعاون مع تحالف تقوده شركة صينية كبرى بمشاركة 11 شركة عالمية أخرى، حيث تم الانتهاء من التصاميم والتفاصيل الدقيقة وتحديد المسار الخاص لمشروع الجسر البري الذي يربط شرقي السعودية بغربيها عبر السكك الحديدية، مشيراً إلى أن المفاوضات حول التكلفة النهائية والتمويل جارية حالياً.