قبل أسبوع من الانتخابات .. ما الآثار المحتملة لفوز ترامب بولاية ثانية؟
عادت التكهنات بنتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية، واحتمالات فوز “دونالد ترامب” بولاية ثانية لتسيطر على حركة أسواق وول ستريت مرة أخرى.
يناهز احتمال فوز “ترامب” 60%، مقارنة بانتخابات عام 2016 حين كانت فرصة فوزه قرابة 30% فقط، لذا كان وصول مرشح الحزب الجمهوري لكرسي الرئاسة مفاجأة مدوية خاصة بالنسبة للأسواق.
كانت حالة الدهشة من فوز “ترامب” في 2016 نابعة من الشعور بحالة من انعدام اليقين تجاه السياسات المحتملة لإدارته، لكن تجربة ولايته الأولى تُقلص مستويات انعدام اليقين في هذه الانتخابات، إذ تظل الخطوط العريضة لمخططاته كما هي دون تغيير.
إذ اعتمد “ترامب” في حملته الانتخابية الراهنة على وعود سابقة مثل خفض الضرائب، وتذليل القيود التنظيمية، وفرض مزيد من التعريفات الجمركية، وتشديد قيود الهجرة.
التضخم وسوق الديون السيادية
يكمن الاختلاف في كيفية تعامل أسواق المال في أمريكا مع احتمالات فوز “ترامب” هذه المرة في تغير الظروف الاقتصادية، إذ كان التضخم لا يزال تحت السيطرة عام 2016 حين تولى الرئاسة، وكانت سوق السندات السيادية لا تتوقع وصوله إلى البيت الأبيض.
أدى فوز “ترامب” بالولاية الأولى إلى ارتفاع حاد في عوائد السندات العشرية، وسرعان ما وصل هذا الارتفاع إلى ذروته لتهدأ الأمور بعدها، حسبما رصد تقرير نشرته “بلومبرج”.
أما في الوقت الراهن، تعد مستويات عوائد السندات أعلى بكثير مما كان عليه الحال في 2016، لذا من غير المرجح تكرار صعودها هذه المرة.
سوق الأسهم
أدى فوز “ترامب” في 2016 إلى ارتفاع مطول للأسهم الأمريكية استمر لمدة 15 شهراً، وكانت أسعار الأسهم آنذاك أقل مما هي عليه في الوقت الراهن.
ومن غير المرجح أن يتكرر الأمر ثانية في هذه الانتخابات نظراً لارتفاع تقييمات الأسهم، هذا لا يعني إلى أن السوق ليس باستطاعتها تحقيق أداء إيجابي في الفترة الراهنة، لكن زيادة تكلفة الأسهم تضع حداً لأي صعود مستقبلي.
كان لانخفاض تكاليف الاقتراض عام 2016 أثر كبير على أسهم الشركات الصغيرة، حيث تفوق أدائها خلال معظم السنة السابقة على الانتخابات، ثم شهدت قفزة كبيرة بعد وصول “ترامب” لكرسي الرئاسة.
بينما تخلف أداء أسهم هذه الشركات على مدار السنوات الماضية، ولم يتحسن في الآونة الأخيرة على خلفية تصاعد احتمالات فوز “ترامب” بولاية ثانية رغم أنها تبدو أكثر جاذبية، وأقل ثمناً في الوقت الراهن.
يمكن تفسير اختلاف ردة فعل أسهم الشركات الصغيرة هذه المرة بارتفاع تكاليف الاقتراض، وتمتعها بحرية أقل في الحصول على تمويلات بأسعار مخفضة مقارنة بمنافسيها الكبار.
وفي حين تعتمد هذه الشركات بدرجة كبيرة على الاستدانة لتمويل أعمالها، فقد يؤثر ارتفاع أسعار أسهمها سلباً على قدرتها على زيادة رأس المال، وبالتالي الأداء المالي لها، ومن ثم أداء الأسهم في السوق.
لذا، وحسب وجهة نظر “مايك ويلسون” محلل استراتيجيات الأسهم في “مورجان ستانلي”، قد لا ترتفع أسهم الشركات الصغيرة هذه المرة.
السياسات التجارية الحمائية
تسود حالة من التوتر في الأسواق المالية الأمريكية إثر السياسات الحمائية المقرر أن يُطبقها “ترامب”، إذ يتمتع الرئيس الأمريكي بحرية نسبية في فرض رسوم جمركية أعلى دون دعم من الكونجرس.
يرى “جورج سارافيلوس” الرئيس العالمي لوحدة بحوث أسعار الصرف في “دويتشه بنك”، أن حصول الحزب الجمهوري على أغلبية في الكونجرس -تُعقد الانتخابات التشريعية تزامناً مع الرئاسية- من شأنه أن يُعزز من قدرة “ترامب” على فرض سياسات حمائية.
إذ يوجد ملف واحد فقط يتعلق بالتجارة الخارجية يتطلب من الرئيس الحصول على موافقة تشريعية أولاً، ألا وهو سحب ميزة الدولة الأكثر تفضيلاً من الصين التي حصلت عليها من الولايات المتحدة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.
يمكن لإدارة “ترامب” فرض تعريفات جمركية تناهز القيود الناتجة عن سحب هذه الميزة التجارية من الصين، لكن اتخاذ مثل هذا الإجراء عبر القنوات التشريعية من شأنه أن يجعل القيود الجديدة أكثر ديمومة.
كان لأحداث ما قبل انتخابات عام 2016 أثر كبير على الأسهم المكسيكية التي كانت معرضة لخطر القيود التجارية حال فوز “ترامب”، في حين كان أثرها محدوداً على الأسواق العالمية الأخرى.
بينما تعرضت مجموعة من أسواق الأسهم الرئيسية حول العالم كما في حالة اليابان وأوروبا وبريطانيا، لتقلبات شديدة على مدار الأشهر القليلة الماضية إثر تأرجح احتمالات الفوز بين مُرشحي الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري.
أعباء التعريفات الجمركية
قال “ترامب” مراراً خلال حملاته الانتخابية إن زيادة التعريفات الجمركية لن تؤثر على المستهلك الأمريكي، لكن الحكم على صحة هذا الادعاء من عدمها تتطلب تقييما اقتصادياً دقيقاً، وهو ما فعله “سارافيلوس” من “دويتشه بنك”.
إذ أوضح أن مراجعة التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة تُظهر أنها تتحمل على المدى القصير الجزء الأكبر من آثار زيادة التعريفات الجمركية.
لكن هذه الآثار تنتقل إلى الاقتصاد من خلال تحمل تجار التجزئة لأعباء زيادة التعريفات الجمركية نتيجة تقلص هوامش أرباحهم، في حين لا يتحمل المستهلك أي من تكاليف هذه السياسات الحمائية.
وأضاف أن زيادة التعريفات الجمركية لا تؤثر على الضرائب ومستويات الناتج المحلي الإجمالي، وتتقلص آثارها الأولية على مجمل الاقتصاد الأمريكي بمرور الزمن، وتنتقل إلى الصين بعد ذلك.
لكن الأمر الجدير بالملاحظة هو أن سياسات “ترامب” المعلنة في حملته الانتخابية الراهنة تتضمن زيادة الرسوم الجمركية بشكل أكثر عدوانية مقارنة بولايته الأولى، ما قد ينجم عنه آثار غير متوقعة أو لم يسبق حدوثها في فترات سابقة.
المصدر: بلومبرج