فلسفة الاستثمار .. الزم الطريق ولا تلتفت للآخرين
“عليك أن تشتري عندما تكون هناك دماء في السوق” و”الاستثمار مثل الصابون، كلما لمسته كلما قل” و”الاستثمار في الأسهم ليس علم الصواريخ”.. هذه، وغيرها، بعض أشهر الجمل التي تمثل “فلسفة” في الاستثمار في سوق الأسهم، من السباحة عكس التيار واستغلال الأزمات، والحفاظ على الاستثمارات مستقرة لفترات طويلة، ثم تبسيط عملية الاستثمار.
ويبدو أن لدى كل مستثمر شهير جُملًا مثل هذه الجُمل، فالجملة الأولى منسوبة لـ”روتشيلد” المستثمر الشهير، والثانية للاقتصادي الشهير “يوجين فاما”، والأخيرة لـ”وارن بافت”.
وتثير تلك الجُمل تساؤلًا عن ضرورة وجود “فلسفة” استثمارية لدى كل متداول أو مستثمر كي يحقق النجاح.
كين فيشر
ومن أكثر المستثمرين نجاحًا، كين فيشر، المستثمر الملياردير ومؤسس شركة فيشر للاستثمارات، حيث يُعرف جيدًا باستراتيجياته الاستثمارية الناجحة، ولديه فلسفته الخاصة التي تقوم على تقييم “معدل السعر إلى المبيعات”، وهي صيغة تستخدم لقياس مدى جاذبية الشركة للاستثمار بها، ويتم حسابها عن طريق قسمة سعر السهم على المبيعات لكل سهم.
وروج “فيشر” لطريقته في تقييم الأسهم تلك في كتابه “الأسهم السوبر”، حيث يعتبر أن الشركات ذات معدل السعر إلى المبيعات المنخفض، يعتقد أنها غالبًا ما تمثل فرصًا غير مستغلة، أو أن أسهمها تعتبر أسهماً مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية، وبالتالي هو شكل من أشكال استثمار القيمة لكنه يعتمد على حجم المبيعات وليس الأرباح كما هو معتاد في مضاعف الأرباح.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد فيشر على أهمية كونك مستثمرًا على المدى الطويل وتجنب توقيت السوق. يعتقد أن البقاء مستثمرًا عبر دورات السوق أمر بالغ الأهمية لتحقيق عوائد ثابتة بمرور الوقت.
وتدير شركة فيشر للاستثمارات، المملوكة لـ”كين فيشر”، محفظة تقدر قيمتها بنحو 270.11 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من 2024، وكانت أكبر خمسة استثمارات للشركة حتى ذلك التاريخ: مايكروسوفت وأبل ونيفيديا وألفابت وأمازون.
وتهيمن شركات التكنولوجيا العملاقة هذه على محفظة فيشر، مما يعكس إيمانه بالاستثمار في شركات عالية الجودة وتركز على النمو، تتمتع المحفظة بمعدل دوران منخفض نسبيًا يبلغ 6٪، مما يشير إلى أن فيشر يفضل نهج الشراء والاحتفاظ بدلاً من التداول المتكرر.
نجاح واضح
كان سجل أداء شركة فيشر للاستثمارات مثيرًا للإعجاب، حيث تفوق باستمرار على مؤشرات السوق على المدى الطويل، وذلك على الرغم من احتفاظه بأسهم متقلبة بشدة كما هو الحال مع أسهم التكنولوجيا لكن احتفاظه بها لفترات طويلة يجعله يجني الأرباح، حيث حققت محفظة شركة فيشر للاستثمارات عائدًا سنويًا يبلغ حوالي 10٪ على مدى العقد الماضي، متفوقة على عائد مؤشر S&P 500 الذي بلغ حوالي 8٪ خلال نفس الفترة.
وعلى الرغم من أن الشركات التكنولوجية تشكل غالبية المحفظة الاستثمارية لـ”فيشر” فإن لديه أسهماً في قطاع الرعاية الصحية والبنوك والطاقة، فيما تبدو محاولة لحفظ بعض قيمة محفظته المالية الضخمة في أسهم أكثر أمنًا من تلك التكنولوجية.
والشاهد أن عائدات “فيشر” من الاستثمارات خارج أمريكا أكبر منها في بلاده، حيث يستثمر في أسهم “تي إس أم” التايوانية و”سامسونج” الكورية و”تويوتا موتورز” اليابانية، وسبق له أن استثمر في “علي بابا” الصينية، وتصل عائدات استثماراته الخارجية لأكثر من 17%.
وأسس كين فيشر شركة فيشر للاستثمارات في عام 1979 برأس مال ابتدائي قدره 250 دولارًا فقط، ونمت الشركة بشكل كبير بعدها، لتصبح واحدة من أكبر شركات إدارة الثروات المستقلة في العالم، حيث بلغت قيمة الأصول تحت الإدارة أكثر من 200 مليار دولار في 2024، لتشكل واحدة من أبرز تجارب النجاح في سوق الأسهم الأمريكي.
ويمكن أن يُعزى نجاح فيشر إلى فلسفته الاستثمارية الراسخة، ومنهجه المنضبط، فضلا عن توسع شركته في خدمة كان أنواع العملاء في إدارة الأصول، على حد سواء، بدءا من المؤسسات الكبيرة مرورًا بالأشخاص ذوي الثروات الكبيرة وانتهاء بالمستثمرين الفرديين، وفي ذلك يقول “فيشر” إنه يرى أن النجاح في سوق الأسهم يتطلب “الصبر” قبل غيره من الصفات “بلا استعجال لقطف الثمار وبلا خوف من فقدانها”.
قصص نجاح مختلفة
وهناك قصص ناجحة، ولكنها نادرة للغاية، لمستثمري المدى القصير، لأنها تحتاج إلى قدر استثنائي من الانضباط مع الاستعداد في الوقت نفسه لتحمل الخسارة، وهنا يأتي “بيل ويليامز” المستثمر والكاتب الأمريكي الشهير في مجال الأسواق، ليؤكد أن الطريقة التي جربها بشكل فعال كانت وضع خطة زمنية قصيرة لكنها “ملزمة” له دون أن يعمل على تغييرها.
فهو يتوقع ارتفاع سعر سهم لشركة طبية بنسبة 10% مثلا بسبب انتشار وباء يفيد شركات الأدوية، فيبيع السهم بعد فترة وجيزة من الإعلان عن اكتشاف الدواء، أي بعد أن يتم تسعير التوقعات وبعد لحاق البعض بالركب، مشيرًا إلى عدم التزامه سابقًا بالخطط، فلسفة “ويليامز” هنا هي “عدم التعلق” بما يملكه من أسهم ومقاومة “الطمع” في حالة ارتفاع الأسهم ببيعها في الوقت الذي قرره مسبقًا.
وهناك “مايكل باري” الذي يُعتبر حالة متوسطة بين المضاربين والمستثمرين طويلي المدى، حيث تقوم فلسفة الاستثمار عنده على الاحتفاظ بالأسهم لفترة تتراوح بين 6-18 شهرًا بما يجعله يحقق بعض مكاسب الاستقرار لفترة لكنه يغتنم ما يصفه بـ”فترات اختلال التقييم” أو تلك الفترة التي يرى فيها سهمًا مقيماً بأقل من قيمته بشكل كبير ويرى أن هذا الأمر سيتكشف للسوق في فترة قصيرة وبالتالي سترتفع قيمته بشكل كبير.
ولكن “باري” أيضا ممن يعملون في هامش المخاطرة العالي، ومن ذلك بيعه الأسهم على المكشوف قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 مباشرة بما حقق له ولعملائه أرباحًا تزيد عن 700 مليون دولار، ويقول عن ذلك إن الاستثمارات قليلة المخاطرة تضمن استمرارية المحفظة وتلافيها لتعثرات الاستثمار المُخاطر، أما الأخير فيعطي فرصة لنمو استثنائي للأصول.
بين التنوع والتبسيط
ومن ضمن الفلسفة الاستثمارية ما يشير إليه المستثمر الأمريكي البارز “كريس ديفيدز” من أن “انخفاض الأسهم من حين لآخر بنسب قد تصل إلى 10% أمر طبيعي، ولكن المؤكد أن السوق تبقى في اتجاه صاعد على المدى الطويل، طالما أن الاقتصاد ينمو، وطالما أن اختيارات المستثمر جيدة فستكون النتيجة هي نمو أصوله، ما بقي ملتزمًا بالهدوء”.
وعلى ذلك ينوع “ديفيدز” استثماراته الجيدة بين الشركات التكنولوجية، مثل ميتا وألفابت، وبين شركات مالية منافسة حتى مثل “بيركشاير هاثاواي”، ومن استراتيجيته التغيير المستمر في حجم حيازاته من الأسهم دون التخلي عنها بشكل كامل، أو تركيز أكثر من 10% من المحفظة في سهم واحد، حيث إن أكبر سهم في محفظته هو “ميتا” يشكل 9% فحسب من المحفظة.
ويصل عدد الأسهم في محفظة “ديفيدز” إلى رقم كبير للغاية مقارنة بغيره من كبار المستثمرين، حيث يستحوذ على أسهم في 98 شركة، بينما لا يتخطى المتوسط 15-20 سهمًا في حالة كبار المستثمرين، بما يشير إلى درجة أكبر من تنوع الاستثمارات يستلزم جهدًا ووقتًا أطول في المتابعة المستمرة.
ويشير “ديفيدز” إلى أن التحليل الجيد لا يضمن استمرار الشركة بشكل مستمر في القمة، فقد تؤثر عليها عوامل خارجة عن إرادتها مثل منافسة متنامية بسرعة أو حتى قد تكون بعض بيانات الشركة والتحليلات حولها خاطئة، ولذا فإن التحوط بتنويع الأصول ضروري لتلافي هبوط حاد في قيمة أحدهم بشكل غير متوقع ويتخطى التحليل التقليدي.
وفي مقابل “ديفيدز” غالبا ما يرفع كبار المستثمرين مثل “وارين بافت” و”بيتر لينش” شعار تبسيط التحليل في السهم، مثل بحث كليهما عن فجوة سوقية في حالة الاستثمار في شركات النفط في حالة بافيت و”دانكن دونتس”، في حالة “لينش” فوجود مثل هذه الفجوة ضمانة لازدهار أعمال الشركة لاحقًا، وبالتالي نمو أسهمها وتحقيقها عائدات كبيرة.
وأياً كان المدى الزمني للاستثمار فالشاهد أن التزام المستثمر بفلسفته الاستثمارية، إن كانت صحيحة، غالبًا ما يقوده مع الالتزام بأسس التحليل الاقتصادي والأساسي والفني إلى تحقيق مكاسب كبيرة في السوق، حيث إنها (الفلسفة) تضع الأفكار الأساسية التي يتفرع عنها استراتيجية الاستثمار وتكتيكاته والتي تضمن للمستثمر النجاح في السوق.
المصادر: أرقام- تشارلز شواب- فوربس- الايكونوميست- وول ستريت جورنال- ياهو فينانس