هل الذكاء الاصطناعي رفيق أمثل للبشر؟
انخرط المستخدمون بشكل كبير في التفاعل مع الروبوتات البرمجية منذ الطفرة التي حققها الذكاء الاصطناعي بنهاية عام 2022، بالتزامن مع خطوات ثورية اتخذتها شركات كبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وOpenAI وميتا، مما أثَّر بشكل إيجابي على إنتاجياتهم، لكن كانت هناك نتائج سلبية، مثل زيادة معدلات العُزلة، ووصول الأمر أحياناً إلى حد الاقتناع بفكرة الانتحار على يد روبوت بهيئة بشرية “أفاتار” Avatar.
مدير قطاع علاقات “جوجل” بالمطورين والشركات الناشئة ديفيد ماكلاوفين، يرى أن اﻷمر من زاوية مختلفة، إذ قال إن الروبوتات البرمجية تفتح مساحة غير مسبوقة أمام إبداع وابتكار المستخدمين، ويمكن للمساعدين الرقميين رفْع معدلات إنتاجياتهم بشكل يفوق التوقعات، وذلك لما لهم من قدرات على تخزين وتحليل البيانات، وكذلك الوصول اللحظي إليها.
وأضاف ماكلاوفين، في حديث مع “الشرق”، أنه يرى خطراً على البشر من اعتمادهم وثقتهم في الروبوتات البرمجية”، لافتاً إلى أنه “من الناحية الشعورية، يمكن للمساعد الرقمي تقديم الدعم النفسي للمستخدمين إذا لزم اﻷمر.. ويخلق كذلك تجارب تسهم في تعزيز التجارب الجماعية بين المستخدم والمقربين من أسرته واﻷصدقاء”.
وعندما عرضت جوجل فرضية زيادة الشعور بالعزلة وتجنُّب التفاعل مع البشر على مستوى مستخدمي الروبوتات البرمجية، أشار ماكلاوفين إلى أن فيلم Her، الذي يتضمّن اعتماد بطل الفيلم بشكل مكثف في حياته اليومية على التفاعل مع روبوت صوتي، “لا يعرض الوضع الحالي من استخدام الروبوتات البرمجية على أرض الواقع”.
وأكد ماكلاوفين في الوقت ذاته أنه “لا يمكن التوقع بما هو قادم في مستقبل تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي”.
وخلصت دراسة أصدرتها جمعية علم النفس الأميركية (APA) إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في تدهور الصحة النفسية للموظفين الذين يعملون في أماكن تستخدم التكنولوجيا بشكل مفرط، إذ يجدون أنفسهم في حالة عزلة داخل مكاتبهم مع آلات وروبوتات فينعدم التفاعل.
نبرة بشرية
يُعد التعبير عن المشاعر وتحول اﻷصوات بناء على تكوين الجمل وتطوير صياغتها أحد الأمور الرئيسية التي تُميّز التواصل البشري، فليست الكلمات فقط هي ما تُعبّر عن المعاني، فكل كلمة تحمل معانٍ عدة حسب سياقها وطريقة نُطْقها.
لذلك فإن حصول روبوتات الدردشة التفاعلية على مثل هذه القدرات أحدَثَ ضجة وأثار مخاوف بين المستخدمين، لكن في الوقت الذي تجرّأت فيه OpenAI على تقديم هذه الميزة بصحبة تحديث Advanced Voice Mode إلى ChatGPT، كانت جوجل أكثر تحفظاً مع “جيميناي” Gemini وإصدارها المنافس “جيميناي لايف”.
وأشار مسؤولو جوجل، في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن الشركة تحاول إجراء العديد من اختبارات السلامة واﻷمان قبل توفير أي مزايا جديدة داخل “جيميناي” للتأكد من حصول المستخدم على تجربة مفيدة وآمنة في الوقت نفسه.
وبشأن عدم قدرة “جيميناي لايف” على النطق باللهجات العربية المختلفة، أوضحت مروة خست، مديرة قطاع الإعلام والتواصل بالشرق اﻷوسط وشمال إفريقيا بالشركة، أن المنصة الذكية قادرة على فهم 16 لهجة من اللهجات العربية المختلفة، لكن يمكنها فقط الرد بالفصحى، إلا أنهم يعملون على تزويدها بالقدرة على النطق السليم بمختلف اللهجات خلال الفترة المقبلة.
استخدام شخصي
ويستخدم نجيب جرار، مدير جوجل الإقليمي بمنطقة الشرق اﻷوسط وشمال إفريقيا، منصة الشركة الذكية “جيميناي” بشكل يومي، ما بين مساعدته في ترتيب اﻷفكار، والخروج بخطط مبتكرة لرحلات السفر، وأحياناً كتابة ومراجعة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به قبل إرسالها لفرق العمل بالشركة.
وأشار جرار إلى أن “جيميناي لايف” يُعتبر خدمة مثالية للعصف الذهني، لأنه يجمع بين قدرات البشر على النقاش والتحليل مع قاعدة معلومات ضخمة، وهو ما يوفّر رفيقاً مميزاً للعثور على أفكار جديدة ومبتكرة.
وخلال حديث مع “الشرق”، أوضح جرار أن دعم اللغة العربية سيبدأ في الوصول إلى معظم مستخدمي “جيميناي لايف” خلال الأيام المقبلة.
وبشأن مدى موضوعية مخاوف البعض من أن تحل الروبوتات ذات النزعة البشرية محل البشر، يرى جرار أن كل عصر يأتي فيه تطور تقني يجعل البشر يتوقعون أن هذا التطور سيقوم باستبدالهم، لكن الحقيقة أن التطور يسهم في إثراء الحياة ومجالاتها المختلفة ويخلق فرصاً أوسع.
وكان مدير جوجل التنفيذي سوندار بيتشاي قال إن 25% من الرموز البرمجية التي تتضمنها خدمات وتطبيقات الشركة يكتبها حالياً الذكاء الاصطناعي، ويراجعها البشر.
وفي هذا الشأن، تحدَّث جرار عن أن حتى عملية كتابة الأكواد التي يؤديها الذكاء الاصطناعي معتمدة على تدريب تلك النماذج على أكواد برمجية سليمة كتبها البشر، وبالتالي سيظل العنصر البشري هو الأصل في العملية.
وعن رؤيته لمستقبل التواصل بين البشر والروبوتات، قال جرار: “إنه أمر يصعب توقُّعه”.