منوعات اقتصادية

بعد تهديد ترامب .. إلى مدى تعتمد أمريكا على شركائها التجاريين؟

في اليوم الأول عند عودته للبيت الأبيض، يعتزم “دونالد ترامب” فرض رسومًا جمركية على أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للبلاد: الصين والمكسيك وكندا، مما يُظهر جديته بشأن تجديد المواجهة المتعلقة بالنظام التجاري الذي يعتقد أنه يؤثر سلبًا على أمريكا.

وكتب على منصة “تروث سوشيال” أنه سيفرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات كافة السلع من المكسيك وكندا، و10% على السلع الصينية،كجزء من جهوده للقضاء على الهجرة غير الشرعية والمخدرات.

ذلك إضافة للرسوم الجمركية الحالية التي تخضع لها العديد من المنتجات الصينية بالفعل التي بلغ متوسطها 15% بعد المرحلة الأولى من الحرب التجارية التي بدأها عام 2018 خلال فترة رئاسته الأولى.

ووفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، وردت سلع بقيمة تزيد عن 1.3 تريليون دولار من الدول الثلاث في عام 2023، بما يشمل الغاز والسيارات والجوالات الذكية.

وبالتالي، فإنه إذا تم تنفيذ ذلك التهديد فإن تأثيره سيكون كبيرًا على كافة الدول الأربع بما يشمل الولايات المتحدة، لأنها قد ترفع أسعار السلع اليومية للمستهلكين الأمريكيين حال أضافت الشركات التكلفة الإضافية على أسعار البيع.

البداية مع الصين

لم تعد الصين المصدر الرئيسي للواردات الأمريكية، لأن المكسيك حلت محلها في العام الماضي، بعدما بدأ ذلك التحول في مكانة الصين وهيكل التجارة الأمريكية ككل عقب توقيع “ترامب” على رسوم جمركية على العديد من الواردات الصينية في ولايته الأولى.

لم تُبطىء تلك الرسوم الطلب الأمريكي على السلع الأجنبية من خارج البلاد، إذ ارتفعت قيمة واردات أمريكا من السلع إلى 3.1 تريليون دولار في عام 2023 مقارنة مع 2.3 تريليون دولار في عام 2017.

لكن نقلت الشركات الكبيرة والصغيرة إنتاجها من الصين إلى مراكز تصنيع أخرى مثل المكسيك وفيتنام وتايوان وماليزيا.

وشكلت المنتجات القادمة من الصين 14% من إجمالي السلع التي استوردتها أمريكا العام الماضي، وهي النسبة الأدنى منذ ما يقرب من عقدين، لكن رغم ذلك لا تزال العديد من السلع الواردة من المصانع في المكسيك وفيتنام تتضمن مكونات من أصل صيني.

واستوردت الولايات المتحدة جوالات ذكية بقيمة مليارات الدولارات في العام الماضي من الهند وكوريا الجنوبية وفيتنام، بزيادة 42% عن ست سنوات سابقة.

لكن لا زالت الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، فقد استوردت منها سلعًا بقيمة 427 مليار دولار تقريبًا في العام الماضي، وصدرت ما يقرب من 148 مليار دولار.

واردات أمريكا من السلع من الصين وغيرها من الدول

التاريخ

قيمة الواردات من الصين
(تريليون دولار)

قيمة الواردات من الدول الأخرى
(تريليون دولار)

2014

0.47

1.89

2015

0.48

1.77

2016

0.46

1.72

2017

0.51

1.83

2018 (عند بدء فرض التعريفات الجمركية)

0.54

2.00

2019

0.45

2.04

2020

0.43

1.90

2021

0.50

2.32

2022

0.54

2.70

2023

0.43

2.65

ماذا عن المكسيك؟

في السنوات الأخيرة، نمت التجارة بين البلدين، وتحولت المكسيك لأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وتقدر الحكومة المكسيكية أن التجارة الإجمالية بينهما تبلغ قيمتها 800 مليار دولار سنويًا.

استوردت الولايات المتحدة بضائع من المكسيك بقيمة 475 مليار دولار في العام الماضي، وصدرت ما يقرب من 323 مليار دولار، ويتوجه حوالي 80% من الصادرات المكسيكية للولايات المتحدة.

وبلغت قيمة السلع المُصنعة التي استوردتها أمريكا من المكسيك أكثر من 400 مليار دولار، مقارنة مع 20 مليار دولار من المنتجات من قطاعات الزراعة والغابات والثروة الحيوانية ونحو نفس القيمة من قطاعات النفط والغاز والتعدين، وفقًا لبيانات بنك “بي بي في إيه”.

وبالتالي، قد تُلحق تلك الخطة ضرارًا بالغًا بقطاع السيارات في المكسيك والمصانع التي تُصدر الإلكترونيات والبلاستيك وغيرها من السلع المصنعة إلى المستهلكين في أمريكا.

ذكر “إلديفونسو غواخاردو” الذي قاد المفاوضات المكسيكية للتوصل لاتفاقية الولايات المتحدة وكندا أنه إذا نفد “ترامب” تهديده المتعلق بالرسوم الجمركية فيجب على المكسيك الرد بتعريفات متساوية على مزارعي الذرة ومصدري الحليب في الولايات المتحدة والقطاعات الأخرى.

وهو ما يشبه ما حدث عام 2018، عندما ردت المكسيك على الرسوم الجمركية الأمريكية على صادراتها من الصلب بفرض تعريفات مماثلة على الصلب الأمريكي.

وماذا عن كندا؟

النفط والغاز وغيرها من منتجات الطاقة الأخرى هي أكبر صادرات كندا إلى جارتها الجنوبية، وهي أكبر مورد خارجي للنفط الخام للولايات المتحدة.

بلغت قيمة صادرات الطاقة من كندا للولايات المتحدة (173.6 مليار دولار كندي) 122.83 مليار دولار أمريكي خلال الأشهر الإثنى عشرة الماضية، وبالتالي فإن فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على كافة ما تورده كندا من شأنه فرض ضغوطًا على تكاليف الطاقة في أمريكا.

وهو ما تحدث عنه “ويلبر روس” وزير التجارة السابق خلال ولاية “ترامب” الأولى في وقت سابق هذا الشهر، إذ أوضح أنه لن يكون هناك أي معنى لفرض التعريفات الجمركية على الطاقة الكندية، لأن ذلك سيرفع التكاليف في الولايات المتحدة ولن يساعد في زيادة الوظائف الأمريكية.

وذكر “فلافيو فولبي” رئيس جمعية مصنعي أجزاء السيارات الكندية أن صناعة السيارات الكندية والأمريكية متشابكتان للغاية، وتعملان بهوامش ربح ضئيلة جدًا.

وأضاف “فولبي”: لقد فعل الرئيس المنتخب ما اشتهر به، وهو محاولة إثارة الجدل، والمفاجأة الوحيدة هي مدى سرعة قيامه بذلك، ما تعلمناه في ولايته الأولى، أنه يستخدم خطابًا قويًا، لكن المفاوضات دائمًا صعبة ولكنها معقولة، وأنا أقول للجميع تحلوا بالصبر.

وبشكل عام، تعد كندا ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، إذ استوردت أمريكا سلعًا منها بأكثر من 418 مليار دولار في 2023، وصدرت 354 مليار دولار.

صادرات كندا إلى الولايات المتحدة في الأشهر الإثنى عشرة الأخيرة

الصادرات

القيمة
(مليار دولار أمريكي)

الطاقة

122.83

السيارات والشاحنات

57.03

السلع الاستهلاكية

44.51

المنتجات المعدنية

36.86

جذوع الأشجار والورق

27.52

الآلات

23.0

المنتجات الزراعية

20.09

الإلكترونيات

12.74

الطائرات والقطارات والمراكب

12.24

خامات المعادن

4.67

ضربة واسعة النطاق

علق “أندرو تيشورست” كبير استراتيجي الفائدة لدى “نومورا هولدينجز” في سيدني على التهديدات الأخيرة موضحًا أن الحديث عن التعريفات الجمركية يثير مخاوف التضخم العالمي، ويخلق مخاوف بشأن النمو العالمي ويزيد من عدم اليقين الجيوسياسي.

ويعني التحرك بفرض رسوم جمركية ضد المكسيك وكندا إشعال فتيل الخلاف التجاري الذي بدأ في ولاية “ترامب” الأولى.

إلى جانب أنه ربما قد تكون نسبة الـ 10% التي تعهد “ترامب” بفرضها على الواردات الصينية مجرد بداية لحرب تجارية جديدة، لأنه وعد خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات بنسبة 60% أو أكثر على تلك السلع.

ويتوقع أغلب المحللين أن يزيد “ترامب” التعريفات الجمركية على السلع الصينية ويشدد القيود على تصدير التكنولوجيا الأمريكية للصين، ويحد من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة.

لكن المفاجأة هذه المرة كانت التهديد بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا، مما يشير إلى أن “ترامب” حريص على إعادة النقاش بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الثلاثة التي دخلت حيز التنفيذ في 2020، والتي حلت محل اتفاقية “نافتا”.

ووصف “ترامب” تلك الاتفاقية مرارًا وتكرارًا بأنها أسوأ اتفاقية تجارية على الإطلاق والتي توسع العجز التجاري الأمريكي، وتكلف أمريكا ملايين الوظائف في قطاع التصنيع وخاصة السيارات.

وحسب توقعات شركة الأبحاث “وردز إنتلجنس”، فإن حوالي 16% من المركبات التي سيتم بيعها في الولايات المتحدة هذا العام سيتم تصنيعها في المكسيك، أو ما يقرب من 2.5 مليون سيارة وشاحنة وسيارة رياضية متعددة الأغراض.

بينما ستشكل المركبات المصنعة في كندا حوالي 7% من مبيعات السيارات الأمريكية، وبالتالي فإن التعريفات الجمركية ستضر بقاعدة توريد السيارات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة

تهديد  فعلي أم حيلة تفاوضية؟

يظل التساؤل الرئيسي حاليًا هو ما إذا كانت تعهدات “ترامب” مجرد حيلة تفاوضية للوصول لتنازلات بشأن التجارة وغيرها من أولويات السياسة من الشركاء التجاريين أم أنه ينوي تنفيذها بالفعل لإعادة تشكيل التجارة العالمية والاقتصاد الأمريكي.

وحتى تتضح الإجابة على هذا التساؤل، فإنه بشكل عام فإن الشركات والزعماء الأجانب يستعدون لمواجهة حالة من عدم اليقين والاضطرابات الجديدة في الاقتصاد العالمي.

وذكر”إسوار براساد” أستاذ الاقتصاد والسياسة التجارية بجامعة “كورنيل” والرئيس السابق المسؤول عن الصين لدى صندوق النقد الدولي: بيان “ترامب” لا يترك مجالاً للشك في أن الولايات المتحدة تقف على عتبة عصر جديد من الحماية التجارية.

كما أضاف أن إصرار “ترامب” الواضح على استخدام التعريفات الجمركية كأداة للدبلوماسية الدولية سيكون له آثار مدمرة كبيرة على التجارة الأمريكية والعالمية.

لكن على سبيل المثال، هدد “ترامب” في ولايته الأولى بفرض رسوم جمركية على المكسيك بنسبة 25% حال لم تمنع آلاف المهاجرين من العبور للولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية.

وقام الرئيس المكسيكي آنذاك “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور” الآلاف من أفراد الحرس الوطني لاحتواء المهاجرين المتجهين للولايات المتحدة، ولذلك تخلت أمريكا عن التهديد المتعلق بالتعريفات.

وعند الحديث عن تهديده الحالي بفرض رسوم جمركية جديدة، قال “ترامب” أن تلك التعريفات ستظل سارية حتى الوقت الذي تتوقف فيه المخدرات وخاصة الفنتانيل وكافة الأجانب غير الشرعيين عن غزو بلدنا.

لذلك فإنه لا تزال هناك فرصة أمام أكبر شركاء تجاريين لأمريكا لتجنب فرض تلك الرسوم الجمركية على سلعها من خلال اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة المشاكل الرئيسية التي تدفع “ترامب” لتهديدها.

المصادر: بلومبرج – وول ستريت جورنال واشنطن بوست – رويترز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى