WSN Tech

حرب مشتعلة تحت الماء.. الكابلات البحرية تتحول إلى هدف مغرٍ للمخربين

تعمل الكابلات البحرية بمثابة الشرايين بالنسبة للإنترنت، إذ تنقل البيانات بين القارات وتدعم اقتصاداً رقمياً ينمو بصورة متنامية.

وتتكون هذه الكابلات من خطوط ألياف ضوئية مضغوطة بإحكام ومغلفة بطبقات من البلاستيك القوي أو الأسلاك المصنوعة من الصلب. عندما تتعرض للكسر، يكون السبب عادة حادثاً ناجماً عن سفن الصيد الضخمة أو مراسي السفن التي يتم جرها على قاع المحيط.

لكن أحياناً يعود السبب لعمل تخريبي، سواء كان من أعمال النهب أو هجوم مدبر من قِبَل حكومة ما، ضمن الحروب غير التقليدية.

على سبيل المثال، قُطع كابلان من الألياف الضوئية في بحر البلطيق منتصف نوفمبر الجاري، يربط أحدهما بين فنلندا وألمانيا، والآخر يربط بين ليتوانيا والسويد، ورغم عدم تحديد السبب على الفور، اشتبهت حكومات المنطقة في أن الضرر كان متعمداً.

ما أهمية الكابلات البحرية للإنترنت؟

هذه الكابلات هي التي تُمكن الأشخاص من إرسال رسائل البريد الإلكتروني، ونشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي وإجراء مكالمات الفيديو وإتمام المدفوعات وبث الأفلام والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT.

تعتمد الشركات والحكومات عليها في الاتصالات، وتقديم الخدمات العامة وتنفيذ عمليات المدفوعات وإدارة سلاسل التوريد والعديد من الأمور الأخرى.

ورغم النمو السريع لخدمات الإنترنت القائمة على الأقمار الاصطناعية مثل “ستارلينك” التابعة لإيلون ماسك، ما تزال أكثر من 95% من حركة البيانات العالمية تمر عبر الكابلات البحرية، بحسب اللجنة الدولية لحماية الكابلات.

من المسؤول عن حماية الكابلات البحرية؟

وتقع على عاتق مالكي الكابلات مسؤولية صيانتها وتأمين شبكاتها، وهم غالباً شركات الاتصالات أو شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “جوجل” التابعة لشركة “ألفابت” و”ميتا بلاتفورمز”.

العديد من هذه الشركات أميركية، ما يمنح الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها شعوراً بالأمان، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمخاوف من احتمال قيام دول معادية باختراق الكابلات لاعتراض اتصالات حساسة.

ولتقليل الانقطاع الناتج عن أعطال الكابلات، تُثبت الشركات غالباً أكثر من كابل على نفس المسار أو التوصل إلى اتفاقيات مع مالكي كابلات آخرين لتوفير قدرة احتياطية.

في حالة خروج أحد الكابلات عن الخدمة، يمكن للمالكين والشركات التي تستأجر مساحة على الكابل عادة تحويل حركة البيانات إلى كابل آخر بسهولة نسبية، مع استدعاء سفينة متخصصة للتحقيق وإجراء الإصلاحات.

في حال أظهرت الأدلة أن الضرر وقع عمداً، سواء بسبب نشاط مريب للسفن في المنطقة أو لطريقة قطع الكابل، يأتي دور وكالات إنفاذ القانون والأمن القومي للتدخل.

ما هي نقاط الضعف؟

تُدفن الكابلات الحديثة -يقارب سمك معظمها خرطوم ري الحديقة- عادة تحت قاع البحر عند تركيبها، لكن تحركات المد والجزر قد تؤدي إلى بروزها على سطح قاع البحر، ما يجعلها أكثر عُرضة للضرر، غالباً بسبب المراسي أو معدات الصيد.

ويزداد خطر الضرر على طول طرق الشحن مثل البحر الأحمر ومضيق ملقا، حيث تتركز الكابلات في مياه ضحلة نسبياً، ما يجعل الحوادث أكثر احتمالاً.

وتُعد الدول الجزرية أو المناطق التي لديها اتصال محدود أكثر عُرضة للخسارة عند تَعرُّض الكابلات للضرر، إذ يمكن لخلل واحد أن يؤدي إلى انقطاع كامل لخدمات الإنترنت.

ورغم أن حدوث التخريب في البحر ممكن، إلا أن العثور على الكابلات والعبث بها يكون أسهل عند نقاط الإنزال على اليابسة، حيث تتصل بالبنية التحتية الأرضية. وغالباً ما تكون هذه المواقع منشآت ذات مستوى عال من الأمان.

كم عدد مرات تعرض الكابلات للتلف؟

جرى تسجيل حوالي 200 حالة عطل في الكابلات سنوياً، ويُعزى معظمها إلى أنشطة الصيد مثل الصيد بالشباك الجرافة الثقيلة، التي تستخدم معدات ثقيلة تجرف قاع البحر، أو إلى مراسي السفن، وفق بيانات جمعتها اللجنة الدولية لحماية الكابلات.

على سبيل المثال، فقد سكان جزر شِتلند خدمات الإنترنت والهاتف، وتوقفت المتاجر عن قبول المدفوعات عبر البطاقات الائتمانية على مدى يوم كامل خلال أكتوبر 2022 بعد أن ألحقت سفينة صيد الضرر بكابل.

وخلال مارس من العام ذاته، تسببت مرساة سفينة الشحن “روبيمار” في قطع ثلاثة كابلات إنترنت في البحر الأحمر بعد تعرُّضها لصاروخ أطلقه الحوثيون.

كما يمكن لأحداث مثل الزلازل والانهيارات الصخرية تحت المياه أن تلحق الضرر بالكابلات، وتسبب زلزال خلال مارس الماضي في انقطاع عدة كابلات بغرب إفريقيا، ما أسفر عن اضطرابات كبيرة في الاتصال بالإنترنت في دول عدة منها ساحل العاج وليبيريا وبنين.

وخلقت هذه الانقطاعات أزمة في السعة بالمنطقة واستغرقت أسابيع للإصلاح، إذ سعت شركات الاتصالات للعثور على وصلات بديلة.

تُتهم دول بتعمد إتلاف الكابلات البحرية في حالات نادرة للغاية، رغم أن إثبات ذلك يمكن أن يكون صعباً.

ما الذي نعرفه عن حوادث الكابلات في بحر البلطيق؟

اشتبه المحققون في إستونيا وفنلندا والسويد بأن الضرر الذي لحق بكابلين في بحر البلطيق خلال 2023 كان بسبب مرساة سفينة ترفع علم هونج كونج.

وكانت السفينة مرافقة بكاسحة جليد روسية، ولم تتوقف سوى في موانئ روسية منذ مغادرتها الصين قبل شهر. ولم تُنشر أي نتائج حاسمة للتحقيقات المتعلقة بهذه الحوادث علناً.

أما في حادث قطع الكابلات في نوفمبر 2024، فقد تابعت القوات المسلحة الدنماركية سفينة صينية في بحر البلطيق.

وصرح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، بأن الحادث يجب التحقيق فيه بوصفه عملاً تخريبياً، مشيراً إلى أن روسيا تشكل تهديداً غير تقليدي وعسكرياً للاتحاد الأوروبي.

ما الذي يُفعل بشأن أمن الكابلات البحرية؟

تركز الجهات مالكة الكابلات على بناء قدرة إضافية لتقليل الاعتماد على كابلات فردية. كما تقدم خرائط لمسارات الكابلات لشركات الصيد ويراقبون تحركات السفن باستخدام صور الأقمار الاصطناعية وإشارات تتبع السفن، وفي بعض الحالات يصدرون تحذيرات للسفن التي تقترب أكثر مما ينبغي.

وتلعب أيضاً الوكالات الحكومية دوراً متزايد الأهمية في حماية الكابلات. فعلى سبيل المثال، تراقب القوات العسكرية الأميركية عن كثب أنشطة الشحن بالقرب من الكابلات وخطوط الأنابيب.

وفي أوروبا، تعاونت 10 دول لتتبع الأنشطة في بحر البلطيق وبحر الشمال، بما في ذلك نشر سفن حربية للقيام بدوريات ضد المخربين المحتملين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى