الصين تهدد قدرات آلة الحرب الأمريكية .. وهذا المعدن الاستراتيجي يقفز 200%
دقت الصين جرس إنذار للولايات المتحدة عندما فرضت في وقت سابق هذا العام قيودًا على تصدير الإثمد أو الإنتيمون وهو معدن بالغ الأهمية بالنسبة لأنظمة الأسلحة وأيضًا أشباه الموصلات.
عبرت الصين عن دوافعها بشكل صريح موضحة أن تقييد صادرات الإنتيمون أمرَا ضروريًا لحماية أمنها القومي ومصالحها، في تذكير للغرب بمدى اعتماده عليها في الدفاع الوطني.
هذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها الصين هيمنتها على المعادن الحيوية لتحقق ميزة جيوسياسية، ففي العام الماضي على سبيل المثال قيدت صادرات الجاليوم والجرمانيوم المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات.
ما هو الإنتيمون؟
هو معدن رمادي لامع معروف منذ العصور القديمة عندما كان يُستخدم في الطب ومستحضرات التجميل، لكن أكبر تطبيق له حاليًا في مثبطات اللهب، وهو ما شكل حوالي نصف استخدامه العالمي في عام 2023.
أما حوالي خُمس إمدادات الإنتيمون تم استخدامها لصنع الزجاج الكهروضوئي لتحسين أداء الخلايا الشمسية، إلى جانب استخدامه في بطاريات الرصاص الحمضية.
ويعتبر عنصرًا استراتيجيًا بسبب استخدامه في المعدات العسكرية، إذ لعب دورًا حاسمًا خلال الحرب العالمية الثانية في إنتاج الزي العسكري والخيام المقاومة للحريق والإنتاج الضخم للعديد من وسائل الحرب الحديثة من الرصاص وقذائف المدفعية والأسلحة النووية والصواريخ المضادة للدبابات.
قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل شبه كامل على الصين في إمدادها بالأنتيمون، وعندما قطعت اليابان هذا الإمداد، كان على أمريكا إيجاد مصدرًا آخر.
وتمكن منجم ذهب في وسط ولاية أيداهو يسمى “ستيبنيت” من زيادة إنتاج الإنتيمون وساعد في سد الفجوة، وطوال فترة الحرب أنتج 90% من الطلب الأمريكي على المعدن الذي كان عنصرًا أساسيًا في إنتاج 40% من فولاذ التنغستن اللازم للجهود العسكرية.
لكن بعد الحرب تراجع إنتاج المنجم تدريجيًا وأغلقت عملياته بالكامل في عام 1997، لتعاود الولايات المتحدة اعتمادها على دول أخرى لإمدادها بالإنتيمون، وخاصة الصين، وروسيا ولكن بصورة أقل.
الصين أكبر منتج للإنتيمون في العالم، إذ شكلت 48% من الإنتاج في 2023، تلتها طاجيكستان بنسبة 25%، وذلك وفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ولا تستخرجه الولايات المتحدة حاليًا لكنها تحصل على 63% من وارداتها منه من الصين.
يمكن أن ينتج الأنتيمون كمنتج ثانوي لتعدين الذهب، أو يتم استعادته من إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية.
ارتفاع سعره
أعلنت الصين في منتصف أغسطس 2024 إنها ستفرض ضوابط تصدير على بعض منتجات الإنتيمون اعتبارًا من الخامس عشر من سبتمبر، والتي ستؤدي في النهاية لانخفاض صادراتها منها.
وأصبح يتعين على المُصدرين التقدم بطلبات للحصول على تراخيص للسلع والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج – التي لها تطبيقات عسكرية ومدنية – في عملية تستغرق عادة من شهرين إلى ثلاثة أشهر، كما تحظر القواعد تصدير تكنولوجيا صهر وفصل الذهب والإنتيمون دون الحصول على إذن.
ومن المحتمل أن تمنح الحكومة الصينية تراخيص التصدير، ولكن صادرات الإنتيمون ستكون أقل مما كانت عليه قبل فرض الضوابط.
حسب بيانات “إس أند بي جلوبال”، تضاعف سعر الأنتيمون في يوليو 2024 ، وسجل أعلى مستوياته على الإطلاق آنذاك عند 22750 دولارًا للطن المتري بحلول السادس من أغسطس، ثم قفز إلى 25 ألف دولار للطن بحلول الخامس عشر من نوفمبر.
أي أن سعر المعدن الاستراتيجي البالغ الأهمية قفز بأكثر من 200% هذا العام، بعدما حظرت الصين تصديره بهدف تجريد آلة الحرب الأمريكية من قدراتها.
الأمر لا يقتصر على الاستخدام العسكري
تشكل أسعار الأنتيمون المرتفعة والقيود الصينية تحديات بالنسبة لشركات صناعة السيارات الكهربائية لأنه يعتبر عنصرًا أساسيًا يستخدم على نطاق واسع في البطاريات والمواد المقاومة للهب.
وقد تؤدي قيود المعروض التي فرضتها الصين لارتفاع تكاليف إنتاج السيارات الكهربائية وتؤدي لإبطاء النمو، لذا فإن الوصول للمعادن الحيوية مثل الإنتيمون بصورة مستقرة يعد أمرًا حيويًا لمرونة الإنتاج وسلسلة التوريد.
وتعد تلك القيود بمثابة جرس إنذار لشركات صناعة السيارات الكهربائية لتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها وضمان استقرار السوق.
وبالتالي فإن ضمان الوصول للمعادن الحيوية أمرًا محوريًا في تشكيل مستقبل المركبات الكهربائية، أما بالنسبة للأمن القومي الأمريكي فيجب أن تتحرك الأمور سريعًا وتحويل التركيز نحو شركات التعدين الصغيرة المستعدة لأزمة الإمدادات المقبلة.
حلول لمواجهة القيود
تحاول شركة “بيربيتوا ريسورسز” الأمريكية تطوير منجم الذهب والإنتيمون بولاية أيداهو منذ أكثر من عقد زمني، وبدأت في الحصول على تصريح قانون السياسة البيئية الوطنية عام 2016، لكنها بحاجة إلى حوالي 50 تصريحًا من الوكالات الفيدرالية والمحلية.
ومع انتظار الحصول على الترخيص النهائي، فربما لن يبدأ المشروع الإنتاج حتى عام 2028.
رصدت الكندية “ميليتاري ميتالز” المشكلة في وقت مبكر وبدأ في جمع الأصول المتعلقة بالمعدن، من أجل اقتناص الفرصة الناشئة لتزويد العالم الغربي بالقدرة على الدفاع عن نفسه والحصول على ما يلزمه من هذا المعدن الاستراتيجي.
إذ تسعى لمواجهة تلك القيود من خلال عمليات استحواذ تجريها في أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا، وشملت استثماراتها الاستراتيجية منجم “تروجاروفا” السلوفاكي المعروف بموارده التاريخية المهمة من الأنتيمون.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فعليها البحث عن مصادر بديلة للأنتيمون للتخفيف من تأثير قيود التصدير الصينية والاضطرابات المحتملة في أقرب وقت ممكن.
تستحوذ الصين وحدها على ما يقرب من 32% من احتياطيات الأنتيمون العالمية، وروسيا 17.5%، أي أنهما معًا يسيطران على 50% من احتياطات العالم من المعدن.
وبوليفيا لديها 15.5%، وقيرغيزستان 13%، وأستراليا وبورما 7% لكل منهما، وتركيا 5%، بينما تمتلك الولايات المتحدة 3% فقط من الاحتياطات العالمية.
أما طاجيكستان ثاني أكبر منتج للمعدن بعد الصين رغم احتياطياتها الصغيرة نسبيًا، فإنها يمكن أن تكون لاعبًا رئيسيًا في الحد من اعتماد أمريكا على الواردات الصينية.
المصادر: لجنة التجارة الدولية الأمريكية – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) – فوربس – وول ستريت جورنال – رويترز – أويل برايس – موقع “إي في ماجازين”