بيان من الجمعية الاقتصادية الكويتية
رسالة إلى مجلس الوزراء الموقر..
ماذا بعد تقرير “مكافحة غسل الأموال في الكويت” من مجموعة العمل المالي (FATF)
قال الله سبحانه في محكم كتابه
﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾
حرصاً من الجمعية الاقتصادية الكويتية على سمعة دولة الكويت الاقتصادية والمالية، فمنذ 2020 والجمعية الاقتصادية تطلق صرخات بأن مكافحة غسل الأموال أصبح ضرورة مالية وأمنية وتشريعية. وفي الوقت الذي نرى فيه قضايا غسيل الأموال بدءت تتفاقم على السطح مجدداً بأرقام وأسماء هزت الشارع الكويتي ليست بالمبلغ كما كانت أثناء جائحة كورونا، ولكن هزت الشارع لتغلغلها في أوساط إجتماعية متنوعة من سياسيين وقانونيين وتجار وغيرهم. وما حذرت سابقاً منه الجمعية الاقتصادية الكويتية من مخاوف متزايدة من مجموعة العمل المالي العالمية «فاتف» بوضع الكويت على القائمة الرمادية فيما يتعلق بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب لم يعد هاجساً الآن بعد الجهود الواضحة بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، ولكنها ليست النهاية فوجوب وضع خطة تصويب واضحة أصبح حاجة ماسة من تقرير «فاتف» الأخير.
وكما دللت الجمعية الاقتصادية الكويتية سابقاً فقد أتى التقرير الذي نُشر من مجموعة العمل المالي « FATF» عن أوضاع مكافحة غسل الأموال في الكويت مادحاً للبيئة العامة من “فهم رقابي لمفهوم غسل الأموال” ولكن مع “أوجه قصور خطيرة في صعوبة إثبات الإدانة وغياب عقوبات عدم الامتثال، وتنبيه لأوضاع قطاعات تجارية، وكذلك الجدية في الدعوات الاستثمار المشبوهة والتعاملات النقدية عالية ومحدودة البيانات الحديثة المفصلة.” وأن “الشركات التجارية الغير مالية لديها فهم بدائي لمخاطر الجرائم المالية التي تواجهها على المستوى الوطني، وفهم ضعيف لمخاطر تمويل الإرهاب.” فعلى الرغم من “الفهم الجيد” كما وصفه التقرير لجهات التنظيم والرقابة والإشراف، مثل بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال والمؤسسات المالية وغيرها، إلا أن قطاعات تجارية أخرى غير مالية محدودة الرقابة مثل “الصرافة والعقار والذهب والأصول الافتراضية” تم وصفها بالأكثر خطورة في مجال الجرائم المالية.
وأكدت (FATF) ضمن سلسلة من المقابلات واللقاءات الموسعة مع الجهات المعنية بالدولة بشأن “الثغرات ونقاط الضعف في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب” في تقريرها المرحلي حول نتائج التقييم المتبادل وفعالية التدابير التي اتخذتها الكويت ومستوى امتثالها لتوصيات المجموعة أن “الكويت لديها إطار قانوني وإشرافي مناسب وملائم للتصدي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة التمويل غير المشروع”، لكنها حذرت من “وجود أوجه قصور خطيرة قد تمنعها من تحقيق نتائج فعالة في هذا الصدد”. وكذلك بأن “الكويت تمتلك إطارا قانونيا ورقابيا مناسبا لمعالجة التمويل غير المشروع”، ولكن في ذات الوقت “هنالك مشكلة في الفهم والتحقيق في غسل الأموال وتمويل الإرهاب وملاحقته قضائيا”. وأيضاً رأت مجموعة (FATF) أن “الكويت تتمتع بفهم أساسي فقط لمخاطر غسل الأموال التي تواجهها على المستوى الوطني، وفهم منخفض لمخاطر تمويل الإرهاب”، معتبرة ان “السلطات تحتاج إلى تحسين فهمها لهذه المخاطر، بما في ذلك إجراء تقييمات شاملة للمخاطر لقطاع المنظمات غير الربحية ومقدمي خدمات الأصول الافتراضية”. وانصافاً للكويت، أكدت المجموعة انها زادت من عدد التحقيقات في غسل الأموال، لكن السلطات تواجه تحديات في تأمين الإدانة بغسل الأموال دون إثبات الجريمة الأصلية الأساسية، مشيرة الى ان “معظم قضايا غسل الأموال التي تضبط أو تنظر حالات بسيطة تتعلق بغسل الأموال الذاتي، ونظراً لملف المخاطر، فإن التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بتمويل الإرهاب تبدو محدودة، حيث تفشل القضايا في كثير من الأحيان في الوصول إلى الإدانة خلال المحاكمة”. كما تعتبر المبرات الخيرية وجمعيات المجتمع المدني ذات التدفق المالي العالي في الكويت من مرتكزات المخاطر العالية للمخاطر من غسل الاموال وتمويل الإرهاب، لذلك أشارت (FATF) الى ان “الكويت أجرت تقييماً للمخاطر لقطاعها الغير ربحي، لكنها تحتاج إلى اتباع نهج أكثر استناداً إلى المخاطر لحماية هذا القطاع من إساءة استخدام تمويل الإرهاب وعدم تعطيل وتثبيط النشاط غير الربحي المشروع” سواءاً الإنساني والديني والمدني.
وأوصت (FATF) بمجموعة من التوصيات للكويت لتفعيل منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب:
تحديث تقييم المخاطر ليتضمن مجموعة أوسع وإجراء تقييم شامل لمخاطر إساءة استخدام شخصيات اعتبارية.
النظر في مجموعة أوسع من أساليب غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
التحقيق في أنواع من أنشطة تمويل الإرهاب وملاحقتها قضائياً.
تحديد أنشطة تمويل الإرهاب المحتملة المرتبطة بحركة العملات.
ضمان التنفيذ القانوني للعقوبات المالية المستهدفة دون تأخير.
استخدام العقوبات المالية بشكل استباقي لحرمان الإرهابيين من أصولهم.
نشر قائمة كاملة بالأشخاص الخاضعين لتدابير العقوبات المالية.
إجراء تقييم شامل لمخاطر تمويل الإرهاب في المنظمات غير الربحية.
التأكد من تمتع السلطات بإمكانية الوصول إلى معلومات الكيان القانوني.
ونعتبر في الجمعية الاقتصادية الكويتية أن هذه الملاحظات تضع البلاد تحت المتابعة المعززة فيما يتعلق بهذه النوعية من الجرائم، ما يسلط الضوء على حالة الجرائم المالية في البلاد ومدى كفاءة السلطات الرقابية والتنظيمية بضبطها ومعالجتها. لذلك يبقى الهاجس الأساسي لدينا هو ماهي خطة التصويب لهذه الملاحظات التي تعتبر ركائز أساسية لمجموعة (FATF) ولمنظومة محاربة غسل وتمويل الإرهاب. ولا يفوتنا أن نؤكد على أحد اهم أوجه تصويب الخطأ ومحاربة غسل الأموال هو إيجاد آلية فعالة تضمن تظافر الجهود بين الجهات المعنية بالدولة وأن الجهات الرقابية هي مكملة لبعضها في تعقب مرتكبي هذه الجرائم ولا يجب أن تكون لكل جهة على حدا عمل ومنظومة منفصلة عن الجهات الأخرى، وهذا قد يعد أحد أهم عوامل التكامل في محاربة هذه الجرائم وأحد مرتكزات خطة التصويب. لذلك نرى في الجمعية الاقتصادية الكويتية أن لا بد من ذكر مجموعة من النقاط يجب أخذها بعين الحسبان في خطة التصويب لملف الكويت في مجموعة (FATF) ولعل من لأهمها ولانحصرها بالنقاط الآتية:
معالجة القصور التشريعي:
مراجعة القانون حسب المتطلبات الدولية ودراسة أوجه القصور وتعديل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ورفع كفاءة وحدة التحريات المالية وتدعيم استقلاليتها، وتعزيز صلاحياتها وأدواتها، والعمل على إستعجال إقرار التعديلات الجوهرية على القصور التشريعي في القانون.
صدور أوراق جديدة للدينار:
تبديل العملة في أي دولة هي فرصة لتنظيف السوق من الأموال المحرمة، وكشف الثروات الناتجة عن أنشطة غير مشروعة، والمخبأة خارج البنوك والقنوات المشروعة.
نظام الحوالات المالية:
قبل أقل من سنة قام بنك الكويت المركزي بخطة إستباقية للحفاظ على متانة الدولة المالية بإلزام شركات الصرافة بتعيين مدقق حسابات خارجي لفحص دفاترها كل 6 أشهر. هذا التشدّد الرقابي في مكافحة غسل الأموال هو تفتيش إضافي على تحويل الأموال من وإلى الكويت في نظام الحوالات المالية بحيث تكشف بعد هذا الإجراء قضيتين لهم علاقة بغسل الأموال تم نقل أموالهم عبر نظام الحوالات من دول في القائمة السوداء.
جمعيات النفع العام:
تعتبر المبرات الخيرية وجمعيات المجتمع المدني ذات التدفق المالي العالي من مرتكزات المخاطر العالية للمخاطر من غسل الاموال وتمويل الإرهاب، لهذا نحتاج إلى اتباع نهج أكثر استناداً إلى المخاطر لحماية هذا القطاع من إساءة استخدام تمويل الإرهاب وعدم تعطيل وتثبيط النشاط غير الربحي المشروع على الصعيد الديني والإنساني والمدني.
الأصول الافتراضية:
الدعوة إلى منظومة مالية تشمل الإعتراف بالأصول الافتراضية وأنها أصبحت واقعاً على العالم المالي والاقتصادي ولا يجب أن تغلق الجهات المسؤولة عن السياسة المالية والنقدية للبلد عن تنظيمها.
التستر التجاري:
تمكين المقيم من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه الشخصي أو بالاشتراك مع غيره محظور عليه ممارسته، أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات ممارسته ، ويعتبر المواطن متستراً في حالة تمكين الوافد من استخدام اسمه. وما قامت به وزارة التجارة مؤخراً خطوة جيدة في تفعيل هوية المستفيد الحقيقي ولكن ندعو لرؤية قانون شامل لمحاربة التستر التجاري.
ومن الواجب ذكر إنطباع سائد للعامة وهو إعتبار الجرائم المالية أمر غير أساسي طالما كانت بعيدة بعدم مساسها للأموال العامة، وهذا أمر غير منطقي وبعيد عن طبيعة عمل النظام المصرفي العالمي. فعندما تتعرض الكويت في حال ساءت سمعتها -لا سمح الله- كمنفذ سهل للعمليات المالية المشبوهة، فإن النظام المالي العالمي سيرمي على الدولة بغرامات مالية تقع على الدولة وتعيق من عمل البنوك المحليةو تدفع الكويت واقتصادها جزءاً من ثمنه.