منوعات اقتصادية

الفجوة السوقية .. كيف استغلتها شركة وضاعفت قيمتها 3 مرات في 5 سنوات؟

تظهر بين الحين والآخر قصة نجاح لافتة لشركة استطاعت تحقيق اختراق كبير في أحد المجالات، وفي وقتنا الحالي تبرز أسماء مثل “إنفيديا” أو “بي. واي. دي”، وغيرهما، وفي عالم إنتاج الأدوية يبقى اسم “نوفو نورديك” بين الأسماء الأشد سطوعًا في السنوات الأخيرة في ظل تمكن الشركة من تحقيق نجاحات استثنائية في سوق معروف بالمنافسة الشرسة.

وتبرز كلمة السر في نجاح شركة الأدوية الدنماركية في استغلال “الفجوة السوقية” التي تمكنت من ملء جزء منها، وهو ما أجمع الكثير من عمالقة الاستثمار، بدءًا من “بنيامين غراهام”، مرورًا بـ”بيتر لينش” وصولاً إلى مؤسسي شركات مثل “علي بابا” و”شي إن” الصينيتين، على أنه الطريق الأمثل لتحقيق النمو السريع والازدهار في عالم الأعمال.

استغلال الوضع الصحي العالمي

واستغلت الشركة مجموعة من الإحصاءات المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، حيث إن 1 من كل 8 أشخاص في العالم يعاني من السمنة، كما أن 2.5 مليار شخص حول العالم أي قرابة 32% من تعداد سكان العالم يعانون من زيادة الوزن، بما يجعل الحاجة لدواء يستهدف الوزن الزائد بمثابة احتياج عالمي يمكّن من يسعى إلى استغلال ذلك لتحقيق نجاحات استثنائية، لا سيما إذا تجنب المحاذير الصحية لمن سبقوه في هذا المجال.

وما ساعد أيضًا أن السوق الأهم في العالم، السوق الأمريكي، يعاني أكثر من غيره من مشكلة البدانة، حيث يعاني 40% من الأمريكيين منها، ومع سوق استهلاكي مثل هذا السوق يتمتع بقدرة إنفاق كبيرة فإن الدواء حظي بقدرة كبيرة على تحقيق مبيعات استثنائية، وهو ما تمكنت الشركة بالفعل من استغلاله بكفاءة كبيرة.

وبالعودة لتاريخ الشركة الدنماركية، نجد أنها تكونت بشكلها الحالي في عام 1989 عن طريق قرار شركتين دنماركيتين بالاندماج معا هما “نوفو إندرستري” و”نورفيك جينتوفتي”، ليكونا معًا شركة تعنى بالأساس بالبحث عن علاجات للسكري وتطوير عقار الإنسولين الشهير، في ظل رؤية استراتيجية حينها بأن اندماج الشركتين الرائدتين في مجال مكافحة السكري من شأنه أن يمنح الشركة الوليدة ميزة نسبية استثنائية ويدفع عمليات البحث والتطوير قدمًا.

والشاهد أن الشركتين المندمجتين، اللتين اعتادتا أن تكونا متنافستين منذ تأسيسهما في عشرينات القرن الماضي، استطاعتا سويًا وتحت مظلة الكيان الجديد تقديم علاجات حديثة للسكري، وتحقق الهدف المرجو من دمجهما في كيان واحد، ولكن الشركة لم تحقق اختراقها الأهم قبل تطوير عقار “أوزمبيك” عام 2017 وحينها تحولت من مجرد كيان دنماركي- أوروبي إلى آخر عالمي.

كلمة السر

وكان تأثير “أوزمبيك” على الشركة ونموها لافتًا للغاية حيث أصبح الدواء الجديد يقدم ما يفوق 40% من إيرادات الشركة منذ تقديمه، بينما يقدم العقار الشهير الآخر “ويجوفي” قرابة 16% من إيرادات خلال الفترة نفسها بما يؤكد التأثير العملاق لتلك الأدوية على الشركة ونموها.

وبفضل هذا، أصبحت الشركة في منتصف عام 2024 إحدى أكبر 12 شركة في العالم -تراجعت للمرتبة 21 في نهاية نوفمبر 2024- بعد أن كانت خارج قائمة أكبر 10 شركات في مجالها وليس على مستوى كافة الشركات في العالم قبل عقد واحد، لتقدم إحدى أهم تجارب النمو السريع في قطاع عادة ما تنمو شركاته بمعدل بطيء نسبيًا، على الأقل قياساً بشركات التكنولوجيا التي عادة ما تنمو بشكل سريع، كما أن اللافت أن الشركة انتظرت قرابة القرن حتى تحقق هذا النمو اللافت.

وعند تحليل وضع هذه الشركة يلاحظ أنها تسيطر على 65% من سوق أدوية “جل. إل. بي” وهي المستحضرات التي تعمل على علاج السكري وفي الوقت نفسه تنقص الوزن وتعمل على تثبيط الشهية والاحتفاظ بالأكل في الأمعاء لفترات طويلة بما يزيد من الشعور بالشبع، وهذا يرجع لسبب أساسي يتعلق بأنها تقدم عقارها بسعر يقل عن 17% عن نظيره في بعض الشركات التي تحاول منافستها، كما تشير الدراسات الطبية إلى فاعلية عقاقيرها الكبيرة قياسًا بنظيرتها الرخيصة.

صعود متواصل

ولهذا فإن الاتجاه الصاعد لإيرادات الشركة لم يتوقف في السنوات الأخيرة، فأحدث ميزانية سنوية، لعام 2023، أظهرت نمو الأرباح بنسبة تفوق 35% مقارنة بالعام السابق، لتبلغ 28.5 مليار دولار، بينما حققت الإيرادات نموا بنسبة 23% في الربع الثالث لعام 2024 لتؤكد على استمرار الاتجاه الصاعد للشركة في الوقت الحالي.

ومن ضمن مؤشرات النمو الهامة أنها تضم 64 ألف موظف، قرابة 10 آلاف منهم تم توظيفهم العام الماضي، بما يؤشر لخطط إدارتها للتوسع، وثقتها في الإبقاء على معدلات نمو عالية بتعيين قرابة 15% من موظفي الشركة خلال عام واحد، لا سيما أن كثيرين منهم في أقسام التطوير، والأبحاث، والتواصل الدولي، والتسويق.

وعلى ذلك، ارتفع سعر سهمها بنسبة 297% خلال الأعوام الخمسة بين نوفمبر 2019 حتى نوفمبر 2024، لترتفع قيمتها السوقية إلى 465 مليار دولار بعد أن كانت 117 مليار فحسب، في الوقت الذي ارتفعت فيه الكثير من أسهم شركات الأدوية إبان انتشار فيروس كورونا لكنها عادت لتتراجع مجددًا، ومن ذلك شركة “فايزر” الرائدة في قطاع الأدوية والتي تراجع سهمها بنسبة 28% عن الفترة ذاتها، و”باير” التي تراجعت بنسبة 71%، لتؤكد “نوفو نورديك” نجاحًا استثنائيًا في هذا المجال.

والشاهد أن سوق الأسهم يقدر كثيرًا موقف “نوفونورديك” التنافسي ومجالها الذي تنشط فيه، فعلى الرغم من أنها ليست من قائمة أعلى 10 شركات أدوية تحقيقًا للإيرادات فإنها تبقى الأعلى قيمة سوقية بينها -نوفمبر 2024- بفارق معتبر، وذلك بسبب الموقف التنافسي المريح لها قياسًا بغيرها من الشركات التي تضطر للدخول في حروب سعرية أحيانا فضلًا عن اضطرارها لفرض أسقف سعرية في بعض الدول.

نمو وعقبات

تتوقع الكثير من التحليلات نموا للشركة الدنماركية على المدى المنظور، حيث ترى شبكة “سي. إن. إن” على سبيل المثال أن سهمها سيرتفع بنسبة 35% خلال العام المقبل كتوقع “مرجح”، بينما ترى أنه يمكن أن تصل نسبة النمو إلى 55% في حال تحقق كافة التوقعات الإيجابية الخاصة بالشركة، بينما -وفي المقابل- قد يخسر السهم ربع قيمته خلال عام إذا فشلت كافة تجارب الشركة السريرية ومحاولاتها للتوسع في أسواق جديدة.

وتعكس هذه التوقعات أنه على الرغم من كافة تلك التفاصيل الإيجابية التي تلوح في الأفق بالنسبة للشركة، فإنه يجب ملاحظة أن قيمتها السوقية تعرضت لهزة خلال 2024 بسبب إخفاق بعض التجارب السريرية التي أجرتها على علاج جديد للسمنة، حيث وصل سعر السهم إلى أكثر من 1000 كورونا دنماركية في 27 يونيو، قبل أن يعاود الانخفاض إلى مستوى 706 كورونات في السادس من نوفمبر.

ويؤشر هذا إلى أن السهم فقد 30% من قيمته تقريبًا خلال 5 أشهر أو أقل، وهو ما يوضح طبيعة المخاطرات المرتبطة بالاستثمار في مثل تلك الشركات الملزمة قانونًا بالإفصاح عن تجاربها السريرية وأدويتها التجريبية، بما يتسبب في ارتفاع قد يستمر وقد لا يستمر لسعر السهم ولقيمة الشركة السوقية، كما يتسبب في ارتفاع حجم التداول بما قد يثير موجات من البيع غير المنضبط.

كما تثير الشركة انتقادات بسبب ما يصفه البعض بـ”طمعها”، حيث أعلن عضو الكونجرس الأمريكي الشهير “بيرني ساندرز” أن الشركة تبيع الجرعات الشهرية من “أوزمبيك” إلى الأمريكيين بقرابة 1000 دولار، بينما يحصل المستهلك على نفس الجرعة في كندا بما يوازي 155 دولاراً، وفي ألمانيا بـ59 دولاراً، وذلك رغم عدم وجود أية مصاريف زائدة في أمريكا من رسوم أو جمارك أو غير ذلك.

وما قد يشكل تحديًا أيضا للشركة في المرحلة المقبلة هو عزمها الدخول في مجالات جديدة عليها نسبيًا ومنها إنتاج أدوية لعلاج ألزهايمر، والتغلب على سوء التمثيل الغذائي المرتبط بأمراض الكبد لا سيما الكبد الدهني، ويثير هذا الأمر القلق في ظل الدخول في حيز جديد للمنافسة فضلًا عن اختلاف هذا المجال عن خبرات الشركة التقليدية، ولكنه يقدم فرصًا جديدة للنمو أيضا، كما أنه يجنب الشركة أية تقلبات محتملة لمبيعات منتجاتها لمكافحة البدانة والسكري.

وبغض النظر عن هذه العوامل المثيرة للقلق، نجد أن سوق أدوية التخسيس والذي يُقدر بحوالي 200 مليار دولار ومن المنتظر أن ينمو بمعدل سنوي 7% على الأقل حتى عامل 2030، يجعل الشركة في وضع تنافسي جيد نسبيًا، لا سيما مع توسعاتها المنتظرة في السوق الصيني، وهو ثاني أكبر سوق في العالم من حيث القيمة بعد السوق الأمريكي.

المصادر: أرقام- سي إن إن- كوراتز- نيويورك تايمز- فارمسيتوكال أناليسيس- فاينانشيال تايمز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى