الصدام الحتمي بين باول وترامب .. صراع حول استقلالية الفيدرالي لكنه يهدد التضخم
سُئل “جيروم باول” رئيس الفيدرالي في مؤتمر صحفي في واشنطن عما إذا كان سيستقيل من منصبه إذا طلب منه “دونالد ترامب” ذلك، لكنه أجاب بشكل قاطع “لا”، أما عما إذا كان يستطيع فصله أو خفض سلطته فقال: لا يجوز ذلك بموجب القانون.
وأكد “باول” على أهمية استقلال الفيدرالي، وأنه واثق من الدعم الواسع النطاق في الكونجرس للحفاظ على ذلك.
لكن بعد ذلك بساعات، نشر السيناتور “مايك لي” من ولاية يوتا على منصة “إكس” لقطة من الشاشة لتعليقات “باول”، وأشار إلى أن البنك المركزي يجب أن يكون تحت إشراف الرئيس.
وأعاد الملياردير الأكثر ثراءً في العالم “إيلون ماسك” – الحليف الأبرز لـ “ترامب” – نشر رسالة “لي” مع إضافة رمز تعبيري يشير إلى تأييده الكامل.
ما عزز المخاطر حول كيف يمكن للرئيس المنتخب تهديد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي إمكانية التأثير السياسي على مسار الفائدة.
الصدام الحتمي
قد يتواجه “باول” مع “ترامب” في الأشهر المقبلة بشأن تكاليف الاقتراض المرتفعة، لأن الرئيس المنتخب تعهد بخفض الفائدة والأعباء المالية على الأسر الأمريكية، في حين يتوقع بعض خبراء الاقتصاد أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة في المستقبل المنظور.
أما إذا تسارع التضخم مرة أخرى، فقد يضطر الفيدرالي لإبقاء الفائدة مرتفعة، وهو ما يتعارض مع أجندة “ترامب” لخفض تكاليف الاقتراض.
لذا سيكون هناك صراع بين الطرفين لأن “باول” لن يخفض الفائدة بالضرورة بقدر ما يريد “ترامب”، وحتى إذا خفض الفائدة فإن سياسات الرئيس المنتخب قد تُبقي تكاليف الاقتراض الأخرى مثل الرهن العقاري مرتفعة، كما قد تؤدي التعريفات الجمركية المرتفعة المحتملة إلى تفاقم التضخم.
وقال “أوليفييه بلانشارد” كبير الاقتصاديين السابقين لدى صندوق النقد الدولي مؤخرًا: إن خطر الصراع بين إدارة “ترامب” والفيدرالي مرتفع للغاية، وفي حال رفع الفيدرالي الفائدة فإنه سيقف في طريق ما تريده إدارة “ترامب”.
مواجهة تهدد التضخم
لكن أوضح “باول” في تصريحاته هذا الأسبوع أن قدرة الفيدرالي على تحديد أسعار الفائدة دون تدخل سياسي ضرورية لاتخاذ قرارات تخدم كافة الأمريكيين وليس حزبًا سياسيًا أو نتيجة سياسية، من المفترض أن نحقق أقصى حد من التوظيف واستقرار الأسعار.
وعلى الرغم من أن الانتقادات العرضية أو النادرة لرئيس الفيدرالي لا تشكل بالضرورة مشكلة للاقتصاد، طالما استمر البنك في تحديد السياسة بما يراه مناسبًا، لكن الهجوم المستمر يقوض استقلال البنك وهو أمر بالغ الأهمية للسيطرة على التضخم.
لذلك حتى لو لم يجبر “ترامب” البنك على اتخاذ قرارات محددة فإن انتقاداته المستمرة تسبب مشكلات وخاصة تهديد ثقة قادة الأعمال والاقتصاديين في أن البنك يعمل بشكل مستقل ويستطيع السيطرة على التضخم.
وبمجرد أن يتوقع المستهلكون أو الشركات ارتفاع التضخم فإنهم عادة يتصرفون بطريقة ترفع الأسعار بالفعل من خلال تسريع مشترياتها تحسبًا لزيادة الأسعار أكثر.
وبالتالي فإن الأسواق بحاجة للشعور بالثقة في أن البنك يستجيب للبيانات، وليس للضغوط السياسية، وفقًا لرأي المستشار العام السابق للفيدرالي “سكوت ألفاريز”.
هل من حق “ترامب” التدخل في عمل المركزي؟
منح قانون الاحتياطي الفيدرالي البنك قدرًا من الاستقلال عن البيت الأبيض، لكنه لم يتمتع بذلك الاستقلال إلا منذ أوائل الخمسينيات فقط، عندما تم إلغاء دور صنع السياسات الذي تولته وزارة الخزانة.
لكن يسمح القانون لرئيس البلاد بفصل محافظ الاحتياطي الفيدرالي “لسبب وجيه”، لذلك من الممكن أن يحاول “ترامب” فصل “باول” لكن قد ينتهي به الأمر لمعركة قانونية مطولة في المحكمة العليا.
ويرى خبراء أنه إذا رفضت المحاكم طلب “ترامب” أو أنه إذا أراد مسارًا أكيدًا للتخلص من “باول”-الذي ستنتهي ولايته عام 2026- فإنه قد يدفع الكونجرس لتعديل قانون الفيدرالي بطريقة تضعف أو تُلغي استقلالية البنك.
بل ومن الممكن كما يرى خبراء أن يختار مسارًا آخر كما فعل في مرات عديدة خلال ولايته الأولى، وهو التأثير على سياسة الفيدرالي من خلال الانتقاد العلني للبنك بشكل عام أو “باول” بشكل خاص.
وهو ما يؤكده تصريحه السابق خلال أغسطس عندما قال: أرى أن الرئيس يجب أن يكون له رأي على الأقل في هذا الشأن.
وبالفعل في ولايته الأولى، انتقد “ترامب” رئيس الفيدرالي بصورة متكررة متهمًا إياه بالحفاظ على الفائدة مرتفعة للغاية وإعاقة النمو الاقتصادي.
لكن رغم ذلك يشكك الخبراء في إمكانية تأثير “ترامب” بشكل ملموس على قرارات الفيدرالي على الأقل في الأمد القريب، لأن “باول” سيقاوم حملة الضغط المحتملة تمامًا كما حدث في عهد “ترامب” السابق.
وعلى صعيد آخر ، قد تشهد الأسهم الأمريكية تراجعًا حادًا إذا هدد “ترامب” استقلالية البنك بصورة خطيرة، كما أن مسؤولي البنوك وغيرهم من قادة الأعمال قد يعبرون عن معارضة شديدة بسبب مخاوفهم من التأثير سلبًا على الاستقرار الاقتصادي والتضخم الجامح.
وهو ما ذكره “مارك سبيندل” كبير مسؤولي الاستثمار لدى “بوتومارك ريفر كابيتال” إذ يرى أن محاولة التأثير على استقلال الفيدرالي ستكون مدمرة للغاية.
بينما يرى “كلاوديا ساهم” المسؤول السابق لدى الفيدرالي أنه يمكن لـ “ترامب” ببساطة انتظار فرصته لتعيين مسؤولين مخلصين له في المركزي عندما تنتهي ولاية “باول”.
لذلك مع صمود “باول” وتمسكه بالحفاظ على استقلالية البنك، يظل أمام “ترامب” خيارات محدودة إما استئناف نهجه الأولى والاستمرار في انتقاد رئيس البنك وهو ما يهدد التضخم أو محاولة الإطاحة به أو الانتظار عام فقط حتى يستطيع اختيار رئيس للبنك يتوافق مع رؤيته.
المصادر: أسوشيتيد برس – إيه بي سي نيوز –فاست كومباني – واشنطن بوست – نيوز ويك.