اقتصاد سوريا تحت حكم بشار الأسد.. سنوات من التراجع وانهيار الليرة
تفاقمت أزمة الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية، وازدادت الأوضاع ترديا مع تصاعد الحرب الدائرة بين قوات المعارضة والنظام السوري بقيادة بشار الأسد الذي أعُلن عن سقوطه، اليوم الأحد.
وفر بشار الأسد من العاصمة السورية دمشق إلى وجهة غير معلومة، حسبما أفادت وكالات الأنباء.
وذكر البنك الدولي في تقريرين سابقين له أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا تأزمت نتيجة استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.
وتناول تقرير “المرصد الاقتصادي لسوريا، ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاه الأسر” السمات الرئيسية لسياسات الاقتصاد الكلي في سوريا ويضعها في سياق الصراع الدائر داخل سوريا وفي المنطقة بأسرها.
استمر الوضع الاقتصادي في سوريا في التدهور في عام 2023 وتراجع النشاط الاقتصادي، بنسبة 1.2% على أساس سنوي، لا سيما على طول الحدود الغربية لسوريا، ويعود ذلك جزئياً إلى ضعف النشاط التجاري.
وتظهر بيانات إحراق الغاز ليلاً أيضاً انخفاضاً بنسبة 5.5% على أساس سنوي في إنتاج النفط، ويعود ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراعات.
وعلى الرغم من التحسن الذي شهده الإنتاج الزراعي بسبب تحسن الأحوال الجوية في عام 2023 (من أدنى مستوى تاريخي تقريباً في عام 2022)، فقد أثر الصراع بشدة على قطاع الزراعة مع نزوح أعداد هائلة من المزارعين و الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية وشبكات الري، مما أدى إلى انخفاض في المحاصيل.
وأثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً على التجارة الخارجية، وأدى انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي إلى زيادة اعتماد سوريا على الواردات، كما زاد الاعتماد على الواردات الغذائية مع نشوب الصراع، وإن كان ذلك قائماً قبل عام 2011.
انهيار الليرة السورية
وفي عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141% مقابل الدولار الأميركي، وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93%، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة.
ومع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً، واستجابة لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
وقال المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي، جان كريستوف كاريه: “شهدت سوريا صدمات متعددة ومتداخلة في عام 2023 مع زلزال فبراير/ شباط، والآثار غير المباشرة للصراع الدائر في الشرق الأوسط. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان على الصراع الأكثر دمويةً في هذا القرن، تراجعت بشدة قدرة سوريا على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية، لاسيما مع الانخفاض الأخير في تدفق المعونات وصعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية واشتداد التوترات الجيوسياسية الإقليمية”.
وتوقع المرصد الاقتصادي لسوريا استمرار الانكماش الاقتصادي في سوريا، الذي طال أمده، ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5% في عام 2024، إضافة إلى التراجع الذي بلغ 1.2% في 2023.
ومن المتوقع أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار، كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات.
تضخم وفقر مدقع
ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات)، وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أنه في عام 2022، طال الفقر 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري.
وعلى الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وربما زاد حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير/شباط 2023.
وقد ساهمت عدة عوامل خارجية، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في السنوات الأخيرة.
المناطق الأكثر فقراً
ووفقا للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50% من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.
وشدد التقرير أيضاً على أن التحويلات المالية تمثل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية. ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ 12 نقطة مئوية وانخفاض في معدلات الفقر يقدر بـ 8 نقاط مئوية.
وفي فبراير الماضي تم زيادة أجور موظفي الخدمة المدنية والعسكريين ومتقاعدي القطاع العام في سوريا بنسبة 50%، وسط انهيار اقتصادي وتضخّم متفلّت بعد نحو 13 عاما على اندلاع الحرب.
وسبق هذا الإجراء قرارا مماثل في عام 2023 ضاعف فيه الأجور والمعاشات التقاعدية مع رفع الدعم عن الوقود، لكن البلاد كانت تشهد تضخما منفلتا.