الروبوتاكسي .. انسحاب جنرال موتورز يفسح المجال أمام تسلا
فاجأت “جنرال موتورز” الجميع بإعلانها وقف تمويل مشروع تطوير سيارات الأجرة ذاتية القيادة “كروز”، للتركيز على تحسين تقنيات مساعدة السائق في سيارات الركاب، وعزت تغيير استراتيجيتها إلى الوقت والموارد الكبيرة التي ستكون مطلوبة لتوسيع نطاق أعمالها.
وذلك بعدما استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار في “كروز” منذ استحواذها عليها عام 2016، في ضربة لطموحات صانعة السيارات الأمريكية في مجال القيادة الذاتية التي بدأت قبل 8 سنوات.
في خطوة انتقدها مؤسس “كروز” ومديرها التنفيذي السابق “كايل فوجت” عبر منصة التواصل الاجتماعي “إكس”.
لماذا انسحبت؟
كانت “كروز” ستصبح النجم الساطع الجديد للشركة لتعيد لها مكانتها وتشكل منافسة حقيقية ومبتكرة مع “تسلا”.
لكن أوضحت الشركة التي يقع مقرها في ديترويت إنها لن تمول العمل على سيارات الروبوتاكسي نظرًا للوقت والموارد الكبيرة التي ستكون مطلوبة لتوسيع نطاق الأعمال، إلى جانب أن السوق تنافسية بصورة متزايدة.
وذكرت المديرة التنفيذي للشركة “ماري بارا” أن خدمة سيارات الأجرة ذاتية القيادة ليست من أعمال “جنرال موتورز” الأساسية.
لكنها لم تستلم تمامًا، وأوضحت أنها تجمع بين الفرق الفنية لـ “كروز” و”جنرال موتورز” في كيان واحد للقيادة الذاتية، وأضافت “بارا” في بيان صحفي: إنها ملتزمة بتقديم أفضل تجارب القيادة للعملاء بطريقة منضبطة وفعال.
وقالت: كانت “كروز” من أوائل المبتكرين في مجال القيادة الذاتية، وسوف يساعد التكامل العميق بين فرقنا، إلى جانب العلامات التجارية القوية للشركة وحجمها وقوتها التصنيعية، في تعزيز رؤيتنا لمستقبل التنقل.
ويرى محللو “بنك أوف أمريكا” أن ذلك القرار سينعكس بشكل إيجابي على تطوير تقنية “سوبر كروز” التي تسمح بالقيادة بدون استخدام الأيدي، لأن فريق “كروز” لديه خبرة في صنع المركبات ذاتية القيادة المتقدمة.
وكتب “إيديسون يو” المحلل لدى “دويتشه بنك” أن الإنفاق الأقل على “كروز” من شأنه توفير المزيد من المال لعمليات إعادة شراء الأسهم.
مخاوف السلامة
تشكل مخاوف السلامة تحديًا إضافيًا أمام السيارات ذاتية القيادة، ففي عام 2018 صدمت سيارة “أوبر” امرأة في أريزونا، وكانت أول حالة وفاة بسبب النظام الآلي ولم تتمكن الشركة منذ ذلك الحين من استعادة الثقة، ما دفعها لبيع أعمالها في مجال القيادة الذاتية بعد عامين.
تعرضت “كروز” لحادث بارز في أكتوبر 2023، عندما دهست إحدى سياراتها امرأة ثم جرتها لمسافة 20 قدمًا (6 أمتار) ما أدى لإصابتها بجروح خطيرة.
ما دفع كاليفورنيا لتعليق ترخيصها لتشغيل سيارات الأجرة ذاتية القيادة، وذكرت وزارة العدل الأمريكية أن “كروز” فشلت في الكشف عن تفاصيل رئيسية للحادث للجهات التنظيمية.
وفرضت الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة غرامة قدرها 1.5 مليون دولار على “كروز” بعدما فشلت في الكشف عن تفاصيل الحادث الخطير.
وفي يوليو من نفس العام، أعلنت الشركة أنها ستؤجل إنتاج مركبة “أوريجين” ذاتية القيادة إلى أجل غير مسمى، مع محاولة وحدة “كروز” إعادة إطلاق عملياتها، وبينما كانت الأعمال متوقفة، اكتسبت منافساتها مكانة في السوق.
وفي ديسمبر 2023، أعلنت “كروز” أنها ستخفض 900 وظيفة، أي حوالي ربع قوتها العاملة، وسحبت كافة مركباتها الأمريكية من الاختبار.
الانسحاب يبرز صعوبة المجال
تمنح تلك الخطوة الفرصة أمام “وايمو” التابعة لـ “ألفابت” و”تسلا” وغيرها للتنافس بقوة في سوق سيارات الأجرة ذاتية القيادة في الولايات المتحدة.
ويتفاءل “إيلون ماسك” المدير التنفيذي لـ “تسلا” بشأن مستقبل سيارات الأجرة الآلية، ومن المتوقع أن تُسهل إدارة الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” نشر تلك المركبات في البلاد.
لكن تطوير السيارات ذاتية القيادة صعب ومكلف، إذ جمعت “وايمو” مؤخرًا 5.6 مليار دولار من مستثمرين خارجيين، وذكرت مؤخرًا أنها ستوسع خدماتها لتأجير السيارات ذاتية القيادة إلى ميامي.
كما تنفق “تسلا” أكثر من من 11 مليار دولار سنويًا على المصانع والمعدات، ويتوجه بعض من ذلك الإنفاق إلى تصنيع حواسب للذكاء الاصطناعي باستخدام رقائق “إنفيديا” لتدريب مركبات الشركة على القيادة الذاتية، إلى جانب إنفاق حوالي مليار دولار فصليًا على البحث والتطوير.
ويرى “بن روز” المحلل لدى “باتليرود ريسيرش” أن خطوة “جنرال موتورز” هي أحدث دليل على أن “وايمو” و”تسلا” في المقدمة بمجال القيادة الذاتية.
وبالفعل أحرزت “وايمو” الكثير من التقدم مع سيارات الأجرة ذاتية القيادة، وتكمل أكثر من 150 ألف رحلة أسبوعيًا بدون سائق، أما “تسلا” فتخطط لإطلاق تلك الخدمة أواخر العام المقبل.
وتختبر “وايفي” الممولة من “سوفت بنك” مركباتها ذاتية القيادة في سان فرانسيسكو، وأيضًا “زوكس” التابعة لـ “أمازون” تقوم باختبار مركباتها التي لا تحتوي على عجلات قيادة في العديد من المدن الأمريكية.
مصائب قوم عند قوم فوائد
قبل عامين، سحبت “فورد” مشروعها للقيادة الذاتية “أرجو إيه آي” قبل عامين، ودمجت مهندسيه مع فريقها الداخلي لتطوير تقنية القيادة بمساعدة “بلوكروز”.
بذلك تصبح “تسلا” صانعة السيارات الأمريكية الوحيدة التي لا تزال تنافس في سباق سيارات الأجرة الآلية، إلى جانب شركات التكنولوجيا مثل “ألفابت” والعديد من المنافسين الصينيين.
كشف “ماسك” في وقت سابق هذا العام عن النموذج الأولي لسيارة أجرة آلية طال انتظارها باسم “سايبر كاب”، ولا تزال تُصنف “تسلا” برنامجي “أوتو بيلوت” و”فول سيلف-درايفينج” في مركباتها على أنها “أنظمة قيادة آلية جزئية” أي أنها تتطلب يقظة الإنسان أثناء القيادة للتوجيه والضغط على المكابح.
وذكر “ماسك” في أكتوبر أن “تسلا” ستطلق خدمة نقل الركاب ذاتية القيادة في كاليفورنيا وتكساس في وقت مبكر من عام 2025.
وكانت “تسلا” تتحدث عن تكثيف الخطط لأعمال سيارات الأجرة الآلية الخاصة بها في المستقبل، وبدأت بالفعل في إجراء اختبارات محدودة في سان فرانسيسكو.
لكن لا يزال من غير الواضح تحديدًا كيف تخطط “تسلا” للتنافس أو النهج التشغيلي الذي ستتبعه مع بشأن الروبوتاكسي.
وربما تشبه خطة “جنرال موتورز” الجديدة لدمج تقنية القيادة الذاتية مع السيارات الخاصة نهج “تسلا” الحالي وهو تقديم قدرات قيادة ذاتية محدودة كميزة إضافية في سياراتها الكهربائية.
وبالفعل تقدم “جنرال موتورز” مجموعة محدودة من مزايا القيادة الذاتية في بعض سياراتها، لكن الانتقال إلى المستوى التالي من تلك التكنولوجيا هو الأكثر أهمية وينطوي على زيادة تدريجية في التكاليف والمخاطر.
لكن يظل التساؤل الرئيسي والذي سيحدد مصير كافة الشركات المتنافسة في ذلك المجال وهي هل يرغب المستهلك في امتلاك سيارة ذاتية القيادة بالكامل، أم يأمل فقط في توافر أدوات مساعدة لأن متعة القيادة هي التي تمنح السيارة جاذبيتها؟
المصادر: أرقام – بارونز – ياهو فاينانس – فورتشن – بي بي سي – ذا ستريت – رويترز.