منوعات اقتصادية

أسرار المال تبدأ من الطفولة .. ذكرياتك الأولى تحدد علاقتك بتكوين الثروات

هل تساءلت يومًا؛ لماذا تميل إلى الادخار المفرط أو الإنفاق بلا حدود؟ ربما يكمن الجواب في طيات ذكريات الطفولة، ففي الوقت الذي نتعلم فيه المشي والكلام، تتشكل داخلنا أيضًا أول تصوراتنا عن المال. منذ نعومة أظافرنا تلعب العديد من العوامل دورًا رئيسيًا في تشكيل كيفية تعاملنا مع المال، فمثلًا مراقبة الوالدين، وسماع نقاشاتهم عن الفواتير، أو حتى تلقي المصروف الأول، كلها لحظات صغيرة لكنها تترك أثرًا كبيرًا في الوقت نفسه. لكن كيف يمكن لتلك اللحظات البريئة أن تحدد مستقبلنا المالي؟ وما الروابط العميقة بين تجارب الطفولة وسلوكيات المال؟ الإجابة عن تلك التساؤلات قد تساعد في فهم أسباب سلوكياتنا المالية، والمساهمة في محاولة تغيير تلك السلوكيات بطريقة أكثر وعيًا وإيجابية.
البصمات المالية المبكرة
الطفولة هي الفترة التي تبدأ فيها المعتقدات حول المال بالتشكل، سواء تعلق الأمر بمشاهدة الوالدين يتجادلان بشأن الفواتير، أو تلقي المصروف، أو الادخار لشراء لعبة مفضلة، فإن هذه التجارب تشكل الأساس لكيفية إدراكنا للمال.
فالآباء الذين يعبرون عن التوتر المالي بشكل متكرر قد يعلمون أطفالهم بشكل غير مباشر شعورًا دائمًا بالقلق حول المال، في المقابل، الآباء الذين يؤكدون على أهمية الادخار أو العطاء يمكن أن يغرسوا قيم المسؤولية المالية أو الكرم.
وتشير الدراسات إلى أن الطفل الذي يشاهد والديه يتجادلان حول الفواتير غير المدفوعة، قد يكبر وهو يخاف من عدم الاستقرار المالي، ما يؤدي إلى التوفير المفرط أو تجنب التخطيط المالي.
ووفقًا للدكتور «براد كلونتز»، عالم النفس المالي ومؤلف كتاب «مايند أوفر ماني»، فإن المعتقدات اللاواعية التي تتشكل خلال الطفولة -التي يطلق عليها «سيناريوهات المال»- تؤثر على كيفية إدارة المال في مرحلة ما بعد البلوغ.
على سبيل المثال، إذا نشأ الطفل في بيئة تعاني ندرة المال، فقد يطور هذا الوضع خوفًا لديه من انعدام الأمان المالي، ما يؤدي إلى سلوكيات ادخارية مفرطة بهدف تجنب مخاطر قلة المال.
وعلى العكس، الطفل الذي نشأ في بيئة يتسم فيها النقاش المالي بالإيجابية والادخار بالأولوية، قد يتبنى نهجًا متفائلًا واستباقيًا في بناء الثروة.
وفي تلك المرحلة يعد الوالدان أول قدوة مالية للأطفال، إذ إن عاداتهم في الإنفاق، وانفتاحهم حول القضايا المالية، وطريقتهم في التعامل مع التحديات المالية تترك انطباعات دائمة.
ووفقًا لدراسة نُشِرت في مجلة علم النفس الاقتصادي، فإن الأطفال الذين يتعرضون لمحادثات بناءة ومتكررة حول المال يكونون أكثر قدرة على تطوير مهارات قوية في محو الأمية المالية.
ويمكن أن يقدم الوالدان العديد من الدروس المالية لأطفالهم، مثل أهمية وضع الميزانيات والعيش وفقًا للموارد المتاحة، وقيمة الادخار لتحقيق الأهداف طويلة المدى بدلًا من البحث عن الإشباع الفوري.
المشاعر المرتبطة بالمال أثناء الطفولة لا تقل أهمية عن جانبه العملي، لذا يقول الدكتور «دانيال كانيمان»، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد السلوكي، إن القرارات المالية تتأثر بشدة بالعواطف أكثر من الأسباب المنطقية.
على سبيل المثال الطفل الذي شعر بالحرمان من الممتلكات المادية قد ينشأ وهو يميل إلى الإنفاق الزائد لتعويض هذا النقص، في المقابل، الشخص الذي نشأ في بيئة شديدة التقشف، يصعب عليه الاستمتاع بمكاسبه من المال.
كما أن من بين العوامل الأساسية التي تربط تجارب الطفولة بالنجاح المالي في مرحلة البلوغ وما بعدها هو التعليم.
للأسف، غالبًا ما تتجاهل المدارس إدراج التربية المالية في مناهجها الدراسية، ما يجعل المسؤولية تقع على عاتق الوالدين أو الجهود الذاتية.
ورغم أن هناك حاليًا برامج مثل «جنيور اتشيفمنت» ومنصات إلكترونية تسعى إلى سد هذه الفجوة من خلال تعليم الأطفال والشباب عن إعداد الميزانيات، والاستثمار، وإدارة الائتمان، فإن الأمر لا يزال في حاجة إلى مزيد من الجهود ليصبح أكثر انتشارًا.
هل يمكن إعادة تشكيل العقلية المالية؟
حتى إذا كانت التجارب المبكرة قد زرعت معتقدات تحُدّ من إمكانياتك، فمن الممكن إعادة تشكيل علاقتك بالمال من خلال اتخاذ عدة خطوات للتغيير الإيجابي. ومن بين تلك الخطوات التأمل في الذكريات الأولى، إذ إن تحديد الذكريات المهمة لديك عن المال وتقييم ما إذا كانت إيجابية أم سلبية، وكيف تؤثر على عاداتك الحالية، سيسهم في الوقوف على نقاط ضعفك في سلوكياتك المالية ومحاولة تجاوزها.
ومن الخطوات التي يمكن أن تساعدك على إعادة تشكيل العقلية المالية لديك تحدي السيناريوهات المالية، على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أن «المال أصل كل الشرور»، فحاول التركيز على الفرص التي يمكن أن يخلقها.
كما يجب عليك أن تتحدى المعتقدات السلبية، مثل استبدال عبارات على نسق «لن يكون لدي ما يكفي من المال» بمعتقدات أكثر إيجابية مثل «يمكنني تحقيق الاستقرار المالي.»
أيضًا يلعب التعلم المستمر دورًا رئيسيًا من خلال تزويدك بالمعرفة المالية اللازمة، فكتب على نسق «الأب الغني والأب الفقير» لـ»روبرت كيوساكي» أو كتاب سيكولوجية المال للكاتب «مورجان هاوسل» قد توفر رؤى متنوعة حول السلوكيات المتعلقة بالمال. كما أن وضع أهداف مالية قابلة للتنفيذ تتماشى مع قيمك، سواء كانت توفيرًا للتقاعد، أو بدء عمل تجاري، أو الاستثمار في تطوير الذات، يساعد في تعديل سلوكياتك المالية ويدفعك نحو الاستقرار المالي.
وفي بعض الأحيان قد نحتاج إلى مساعدة خارجية من أجل تقديم المشورة، فلا عيب حينها في طلب الاستشارة من المختص أو المعالج المالي من أجل الحصول على الدعم اللازم بهدف التغلب على المخاوف أو تعديل السلوكيات المتعلقة بالمال.
ومن خلال تلك الخطوات، يمكن للأفراد إعادة تشكيل طريقة تفكيرهم بشأن المال، ما يمهد الطريق لعادات مالية صحية وبناء ثروة مستدامة.
أمثلة وقصص ملهمة
وارن بافت
أحد أغنى أثرياء العالم، بدأ شغفه بالمال في سن مبكرة، عندما كان في السادسة من عمره، اشترى حزمة من العلكة وقام ببيعها لجيرانه بربح بسيط، لاحقًا، عمل في توصيل الصحف وادّخر أمواله ليشتري أول سهم له بسن 11 عامًا، ليبدأ رحلة صعوده في عالم الأعمال.
أوبرا وينفري
نشأت أوبرا وينفري في بيئة فقيرة، لكنها تعلمت من جدتها كيف تكون اقتصادية وتُدير الموارد البسيطة المتاحة، في طفولتها، كانت ترى والدتها تعمل بجد لتغطية الاحتياجات الأساسية.
هذه التجارب جعلتها تُقدر قيمة المال وترغب في تحسين وضعها المالي لتغيير حياتها، وأصبحت رمزًا للإدارة المالية الذكية والاستثمار في الذات.
توماس إديسون
قبل أن يصبح مخترعًا شهيرًا، عمل توماس إديسون بائعًا للصحف وهو في سن صغيرة.
وعندما بدأ إديسون في بيع الصحف على القطارات، استخدم أرباحه الصغيرة لشراء مواد أولية لابتكاراته الأولى.
تجربة البيع المباشر علمته قيمة العمل والربح، وكانت بداية رحلته في عالم ريادة الأعمال.
قصة عائلة كيم
نشأت عائلة كيم في كوريا الجنوبية على مبدأ «التعاون المالي»، حيث كان الأطفال يشتركون في الأعمال المنزلية ويحصلون على مكافآت صغيرة يتم ادخارها في صندوق عائلي.
هذه التجربة عززت فيهم أهمية الادخار والعمل الجماعي. كبروا ليصبحوا رواد أعمال ناجحين يديرون شركة عائلية تعتمد على قيم الثقة والإدارة المالية التي تعلموها منذ الصغر.
تظهر تلك القصص لنا أن علاقتنا بالمال غالبًا ما تعكس تجاربنا المبكرة والدروس التي استوعبناها في الطفولة.
ومن خلال فهم هذه الجذور، يمكننا البدء في إعادة كتابة الروايات التي توجه سلوكياتنا المالية، ما يسمح لنا بتطوير عادات أكثر صحة ووعيًا تجاه المال في مرحلة البلوغ.

 

المصادر: أرقام- أمريكان فوسيولجيكل اسوسيشين- فسيولوجي تودي- سي إن بي سي- فاينشيال تايمز- مايند أوفر ماني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى