الضريبة خطوة إصلاحية تتطلب إجراءات أعمق

الضرائب الجديدة وإعادة تسعير الخدمات العامة والرسوم من القضايا الحيوية المطروحة حاليا وتأخذ حيزا كبيرا من النقاش في البلاد، لا سيما في ظل استمرار اعتماد الكويت على النفط مصدرا وحيدا لدخل الدولة، اضافة الى البطء بآليات تعديل القوانين لمواكبة التغيرات الاقتصادية.
وفي خضم الجدل المحتدم حول فرض الضرائب بالبلاد، هناك مجموعة من الاسئلة تبحث عن اجابات حول ان كان فرض الضرائب سيقفز بمعدلات التضخم في البلاد؟ وما الآليات التي ستتبعها الحكومة للحفاظ على معدلات تضخم معقولة؟
إضافة إلى ذلك، يسود قلق كبير بين المواطنين بأن يترتب على فرض الضرائب على الشركات رفع أسعار السلع والخدمات على المستهلكين، ما قد يزيد معدلات التضخم في البلاد، وعودة المطالبات بزيادة الرواتب من جديد، ليبقى السؤال هل هناك حلول عملية وواقعية لتجاوز هذه التحديات وضمان عدم التهام ميزانيات الاسر؟
ومع تغير المشهد الضريبي في الكويت، تتجه الأنظار نحو تطبيق ضرائب جديدة على الأفراد والشركات، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، ومن هذا المنطلق، استطلعت القبس آراء مختصين، بعضهم يرى أن تطبيق الضريبة حاليا لا يناسب الوضع الاقتصادي الراهن في البلاد، والبعض الآخر يرى أن الخيار الوحيد المتاح للكويت هو تبني سياسة ضريبية شاملة وعادلة.
في البداية، أشار الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة الشال للاستشارات، جاسم السعدون، إلى أن تقييم أي سياسة عامة يقاس على صافي المحصلة الناتجة عن تنفيذها، إذا كانت الغلبة لنفعها فإن الحكم سيكون لمصلحتها، وهذا يتماشى مع الاتجاه الحالي نحو اعتماد سياسة ضريبية.
وأشار السعدون الى أن المالية العامة للبلاد ليست مستدامة، وأن فرض الضريبة يمثل خطوة إصلاحية، من مزاياها تتيح تنوع مصادر الإيرادات، كما أنها تسهم في تقليل الفساد وهدر النفقات، وتوجيه الاستثمارات نحو الأهداف المرغوبة. واعتبر أن السياسات الضريبية هي عنصر أساسي في السياسة المالية.
وأضاف أن من بين الآثار السلبية للضريبة هو التضخم، ودور الحكومات منع تحميل المستهلكين كامل تكاليفها، مع إعطاء اعتبار خاص للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، مؤكدا أن الخيار الوحيد المتاح للكويت هو تبني سياسة ضريبية شاملة وعادلة.
تكاليف المعيشة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي عضو المجلس الأعلى للتخطيط السابق، علي الرشيد البدر، إن الزيادة في الضرائب والرسوم تؤدي دائماً إلى ارتفاع تكاليف السلع الاستهلاكية والخدمات المهنية المقدمة للجمهور.
وأوضح أن هذا الأمر ينعكس بشكل مباشر على الأسعار، ما يسهم في زيادة معدل التضخم العام، كما أن هذه الزيادة تؤثر بشكل سلبي في القدرة الشرائية للمواطنين، حيث يجد العديد منهم صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
تحرير الاقتصاد
من جانبه، قال رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة علي عبدالوهاب المطوع التجارية، فيصل المطوع، إن هناك مبدأ ينص على أن الضريبة تُعتبر مقابلًا لتمكين دافع الضرائب من التحكم في كيفية إنفاق الأموال، موضحا ان فكرة الضريبة مقبولة، إلا أنه ينبغي أن تستند إلى أسس عادلة وأن يتم توزيعها بوضوح، حيث انه في كثير من دول العالم المتطورة يتم تقديم العديد من الخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء، من قبل القطاع الخاص.
وشدد المطوع على ضرورة أن تُطبق الضرائب على اقتصاد يتمتع بتنوع في مصادر الدخل. ولتحقيق تنويع مصادر الدخل في الكويت، يجب على الحكومة منح القطاع الخاص الفرصة لتنفيذ المشاريع.
وتابع: الدولة يجب أن تكون مراقبًا وليس من مسؤولياتها إدارة الخدمات العامة، بما في ذلك الضرائب، وجاءت ضريبة الازدواج الضريبي في وقتها الصحيح، حيث تستحق الكويت هذه الضرائب من الشركات الأجنبية. أما بالنسبة للضرائب الأخرى التي ستُفرض على الأفراد والشركات المحلية، فلا ينبغي تطبيقها دون تحرير الاقتصاد الكويتي، بما في ذلك قطاعي التعليم والصحة، حيث يجب أن يكونا تحت إشراف القطاع الخاص.
وأوضح المطوع أنه لا توجد دولة متقدمة إلا وتتمتع بحرية اقتصادية. في الكويت، يجب تحرير الاقتصاد لخلق فرص للقطاع الخاص، وبعد ذلك يمكن تطبيق الضرائب، وهنا يكون دور الدولة هو مراقبة الأسواق لحماية المستهلكين من الاستغلال، بينما يبقى السوق هو الذي يحدد الأسعار، وليس الدولة.
وأشار إلى أن دور الحكومة يقتصر على الرقابة والإشراف، وليس على الإدارة المباشرة للمشاريع التنموية، فلذلك يجب أن يتمتع القطاع الخاص بحرية اقتصادية تتيح له إدارة مشاريع التنمية في مجالات مثل الصحة والتعليم، وغيرها.
مواجهة التضخم
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة شركة الاستشارات المالية الدولية القابضة (إيفا)، صالح السلمي، تُعتبر الضريبة وسيلة لمواجهة التضخم، لكنها ليست ملائمة في الوقت الحالي في الكويت، كما أنها تُعد عاملًا غير مشجع للقطاع الخاص بسبب هيمنة القطاع العام على مفاصل الدولة.
وتابع: عندما تصبح جميع وسائل الإنتاج تحت سيطرة القطاع الخاص، ستصبح الضريبة أداة مساعدة، حيث ستساهم في دعم الاقتصاد وتوفير موارد للدولة في مجالات الصحة والتعليم والأمن.
وأوضح ان في الوقت الراهن، وسائل الإنتاج تحت سيطرة القطاع العام، الذي يعاني من الترهل، لذا فإن تطبيق الضريبة غير مناسب اليوم، ويتطلب إصلاحات كبيرة، أولها تشجيع القطاع الخاص.
وأضاف: مساهمة القطاع الخاص في ميزانية الدولة ضئيلة للغاية، ما يعني أن فرض الضريبة قد يعوق نمو القطاع الخاص ويؤثر سلبًا، بدلاً من أن يكون إيجابيًا، لكن عند انتقال وسائل الإنتاج إلى القطاع الخاص، بما فيها القطاعان الصحي والتعليمي، سيكون من الضروري حينها فرض الضريبة.
إضعاف القطاع الخاص
شدد المطوع على انه من الضروري عدم احتكار الأراضي، حيث إن جميع المشاريع التنموية تحتاج إلى أراضٍ للعمل، ومع ذلك، نجد أن الدولة تسحب الأراضي والمشاريع من القطاع الخاص!
واضاف ان الضرائب تعتمد على ربحية الشركات الخاصة، فكيف يمكن أن تحقق هذه الشركات الربح دون دعم حكومي؟ وبدلًا من دعم القطاع الخاص، تعمل حكومتنا الرشيدة على إضعافه، ما يؤدي إلى تراجع ربحية هذا القطاع، ونتيجة لذلك، يتقلص الوعاء الضريبي، ما يتعارض مع الهدف الأساسي للضرائب كرافد لدعم موارد الدولة.