السياحة الكويتية.. نحو رؤية جديدة بآفاق أوسع وشراكات استراتيجية إقليميا ودوليا

تتسارع الخطى في دولة الكويت نحو إحداث نقلة نوعية في قطاع السياحة من خلال حزمة مشاريع طموحة تندرج ضمن استراتيجية شاملة تلبي التوجهات العالمية في شأن السياحة المستدامة وتطلعات البلاد نحو تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومتكاملة.
وتتوزع التحركات الحكومية الرامية إلى إطلاق العنان للسياحة على اتجاهات عدة تشمل تطوير المرافق السياحية في البلاد وتأسيس مشاريع نوعية جديدة وتعزيز فرص الاستثمار في القطاع السياحي علاوة على تعزيز البنية التحتية واعتماد سياسات داعمة لقطاع السفر والسياحة وأخرى ترويجية للأنشطة الترفيهية والثقافية.
وفي الآونة الأخيرة شهدت الكويت شراكات استراتيجية مع عدة شركات عالمية ومحلية في قطاع السياحة والترفيه أنتجت فعاليات ومشاريع ترفيهية ناجحة منها افتتاح مشروع (ونتروندرلاند الكويت) أضخم تجمع ترفيهي في البلاد وافتتاح مشروع حديقة جنوب الصباحية وتطوير وافتتاح شاطئ البلاجات (المرحلة الأولى).
وتستعد البلاد إلى استثمار فترة احتفالاتها بأعيادها الوطنية لتكون ضمن الخطط الرامية إلى إعادة الكويت وجهة سياحية وترفيهية في المنطقة حيث يستهدف مهرجان (يا هلا) للتسوق المقام بين 21 يناير الجاري حتى 31 مارس المقبل تحقيق عدة مقاصد تشمل دعم السياحة الداخلية واستقطاب السياحة الخليجية وتعزيز النشاط التجاري.
وتخطط اللجنة الدائمة للاحتفال بالأعياد والمناسبات الوطنية إلى زيادة الإنفاق السياحي داخل الكويت خلال فترة المهرجان بنسبة تتراوح بين 15 و25 في المئة مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي حيث بلغ إجمالي الإنفاق 170.1 مليون دينار.
ومن المقرر أن يسهم المهرجان في الحد من الإنفاق الخارجي بقطاع السياحة والسفر الذي بلغ نحو 4.39 مليارات دينار خلال العام 2023 بما يصب في تعزيز السياحة الداخلية علاوة على دعم الاقتصاد المحلي عبر تنشيط قطاعات متعددة.
وبينما احتضنت (رؤية كويت جديدة 2035) قضية تطوير قطاع السياحة ضمن محاور البرنامج الاقتصادي والمالي وضعت الكويت خططا لتحسين بيئة الأعمال وتعزيز تنافسيتها بالاقتصاد الخدمي في المنطقة دعما لتحقيق التنوع الاقتصادي وتنشيط قطاع السياحة بالدولة.
وحققت عائدات السياحة الدولية في الكويت خلال العام 2023 نموا بنسبة 41.9 في المئة مقارنة بالعام 2019 ليصل إلى 1.7 مليار دولار فيما بلغ عدد السياح القادمين إلى الكويت من دول مجلس التعاون الخليجي نحو 20 ألف سائح.
واستقطبت النسخة الثالثة من مشروع (المكشات) التي افتتحت في 16 نوفمبر الماضي قرابة 150 ألف زائر من المواطنين والمقيمين إضافة إلى الزوار من دول مجلس التعاون الخليجي حيث أصبح المشروع محطة جذب رئيسية تسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي وتنشيط قطاع السياحة.
وتنفيذا للتوجيهات الأميرية السامية وضعت الحكومة ملف تطوير الأماكن التراثية على قائمة الأولويات المستعجلة فيما أعلن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف أن حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وجه الحكومة والمحافظين إلى ضرورة إنشاء منطقة (مباركية) ثانية في محافظة الجهراء وأخرى في الأحمدي.
وانطلاقا من إيمان الكويت بضرورة تعزيز العمل العربي والخليجي المشترك لتطوير قطاع السياحة ومد جسور التعاون في المبادرات والاتفاقيات الداعمة للجانب السياحي سرعت البلاد في الآونة الأخيرة من جهودها نحو توفير المزيد من الفرص والمبادرات المشتركة وتأسيس شراكات دولية مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة.
وأثمرت هذه الجهود توقيع البرنامج التنفيذي لاتفاقية التعاون بالمجال السياحي مع حكومة البحرين للأعوام 2024 و2025 و2026 الذي تضمن عدة مجالات للتعاون المشترك بينها تبادل الخبرات والمعلومات المعلقة بالتسويق السياحي وتنظيم فعاليات سياحية مشتركة وتعزيز برامج الترويج السياحي البيني بين دول مجلس التعاون الخليجي.
كما تضمنت الاتفاقيات التي وقعتها الكويت مع تونس أواخر العام الماضي إطلاق برنامج تنفيذي لاتفاقية التعاون السياحي للأعوام (2025 – 2027) بينما شملت الاتفاقيات التي وقعتها الكويت مؤخرا مع جمهورية طاجيكستان الصديقة برنامجا تنفيذيا بين حكومتي البلدين للتعاون في المجال السياحي للأعوام (2024 – 2026).
وعلى المستوى الخليجي تسعى البلاد إلى رفع مستوى الجذب السياحي إلى المنطقة من خلال المضي في تنفيذ الاستراتيجية الخليجية السياحية 2023 – 2030 على سند من أن العمل المشترك في القطاع السياحي من شأنه تعزيز مكانة المنطقة واقتصادها كذلك.
وتحظى الكويت باهتمام دولي متزايد بفضل مقوماتها السياحية الفريدة ومبادراتها الطموحة حيث انتخبتها اللجنة الإقليمية للشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية خلال اجتماع عقدته العام 2023 نائبا لرئيس اللجنة فيما فازت البلاد بعضوية (لجنة وثائق التفويض) في المنظمة لأول مرة منذ تأسيسها عام 1975.
وتؤكد المنظمة أن الكويت تمتلك الإمكانات الكاملة لتصبح وجهة سياحية عالمية مما يعزز آمال البلاد في تحقيق تنمية سياحية مستدامة وتعزيز مكانتها على الخارطة السياحية العالمية.
وأشاد الأمين العام للمنظمة الجورجي زوراب بولوليكاشفيلي خلال لقاء أجرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) معه مؤخرا بالمبادرة التي اتخذتها الكويت للترويج للسياحة وتطوير القطاع من خلال استراتيجية رؤية (كويت جديدة 2035) التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل.
وذكر بولوليكاشفيلي أن الكويت تتمتع بإمكانات كبيرة وأن فعاليات ومهرجانات ثقافية أحيتها الكويت أثبتت أنها وسيلة رائعة للتقريب بين المجتمعات المحلية والزوار وتعزيز الشعور بالوحدة والتفاهم والوئام.
كما شدد على أن دولة الكويت تتمتع بفضل مزيج من الثقافة الغنية والتاريخ العريق والبنية السياحية بالقدرة على أن تصبح وجهة جذابة للزوار من مختلف أنحاء العالم منوها باستثمارات الكويت في المشاريع السياحية والتركيز على سياحة الأعمال والسياحة الصحية وتطوير المرافق السياحية.
وتعنى الكويت بشكل متسارع بتنمية بنيتها التحتية وتوفير شبكات نقل برية وبحرية وجوية متطورة بموجب برنامج تشييد بنية تحتية متماسكة الذي أفردت له خطة التنمية 2024 / 2025 ست سياسات قيد التنفيذ حاليا.
كما كثفت الجهات المعنية تحركاتها لإنجاز حزمة من المشاريع التنموية الحيوية التي تشمل تطوير المناطق الساحلية وجزيرة فيلكا وميناء مبارك الكبير والمنطقة الاقتصادية الشمالية ومشروع مسار السكة الحديد في دولة الكويت.
وتستهدف استراتيجية شركة المشروعات السياحية تنفيذ مشاريع سياحية وترفيهية تسهم في تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل للكويتيين وتعزيز بناء اقتصاد وطني مزدهر.
وتشمل قائمة المشاريع الترفيهية مشروع استراحة جنوب النويصيب جنوب البلاد ومشروع حديقة جنوب الصباحية ومشروع منتزه المنقف (هيلتون سابقا) المتوقع افتتاحه العام 2026 علاوة عن مشروع شاطئ المسيلة ومشروع تطوير الواجهة البحرية الذي شهد العام الماضي تنفيذ أعمال مرحلته الأولى.
وتخطط الشركة للانتهاء من مشروع شاطئ العقيلة الذي يمتد على مساحة 57 ألف متر مربع ويهدف إلى تقديم مجموعة متنوعة من الأنشطة الترفيهية والرياضية والمائية خلال العام 2026 بينما من المتوقع الانتهاء من مواقع مطاعم برج الحمام وقرية الضيافة سابقا بنهاية العام الحالي إضافة إلى مشروع تطوير نادي اليخوت ومجمع الأحواض.
وكانت الشركة قد انتهت من دراسة الجدوى لمشروع منتزه الخيران الذي يمتد على مساحة 800 ألف متر مربع ويشمل مكونات عديدة منها فندقان بسعة إجمالية تبلغ 300 غرفة و200 شاليه مجهزين بأعلى المعايير العالمية.
ومثلت بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم (خليجي 26) التي استضافتها الكويت خلال الفترة بين 21 ديسمبر 2024 والرابع من يناير الجاري انطلاقة واعدة في توظيف الفعاليات السياحية لإنعاش حركة الاقتصاد المحلي إذ بلغت نسبة إشغال بعض الفنادق ما يقارب 100 في المئة وارتفع الإنفاق في قطاع المطاعم والمشروبات أكثر من 30 في المئة في ديسمبر 2024 مقارنة مع الفترة نفسها خلال العام 2023.
وتعكف الجهات المعنية في الدولة على دراسة العديد من المبادرات الاقتصادية التي تهدف إلى تنشيط الحركة التجارية والسياحية في البلاد وإنشاء شراكات ناجحة بين القطاعين العام والخاص تعزز مكانة الكويت كوجهة اقتصادية وسياحية في المنطقة.
وكان مجلس الوزراء قد شدد في اجتماع عقده يوليو الماضي على أهمية تعاون الجهات الحكومية المعنية للإسراع في إنجاز المشاريع الترفيهية والسياحية بعد اطلاع المجلس على عرض مرئي قدمته شركة المشروعات السياحية بشأن الموقف التنفيذي لمشاريع الشركة.
تاريخيا شهد قطاع السياحة في الكويت انطلاقته الأولى في العام 1962 تأسيس شركة الفنادق الكويتية التي شكلت اللبنة الأساسية لهذا القطاع الواعد.
وفي سبعينيات القرن الماضي تعزز الاهتمام بالسياحة بشكل ملحوظ مع إنشاء إدارة السياحة التابعة لوزارة الإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام حاليا) حيث شهدت تلك الفترة إطلاق العديد من المبادرات والبرامج الهادفة إلى الترويج للسياحة واستقطاب الزوار من خلال تنظيم الفعاليات والمؤتمرات والبطولات الدولية.
وفي العام 1976 أضفت الكويت لمسة جديدة على قطاع السياحة بإطلاق شركة المشروعات السياحية كإحدى شركات التنظيم السياحي الرائدة في منطقة الخليج العربي حيث تولت مهمة تطوير وإدارة العديد من المرافق الترفيهية والسياحية في البلاد.
وما بين العامين 2002 و2006 قام قطاع السياحة الذي ألحق بوزارة الإعلام ثم وزارة التجارة والصناعة بأدوار فاعلة في تشجيع وتنويع الأنشطة السياحية وإنشاء شراكات مع مختلف المؤسسات ذات الصلة بتنمية السياحة مع القطاعين الحكومي والخاص.
وتتميز الكويت بتنوع كبير في معالمها السياحية التي تلبي مختلف الأذواق من عشاق التاريخ والثقافة إلى محبي التسوق والترفيه وحتى المهتمين بالطبيعة.
وتتمثل أبرز هذه المعالم في سوق المباركية العريق الذي يعكس أصالة الكويت والمجمعات التجارية الحديثة وساحل الخليج العربي الذي يزخر بالعديد من المعالم البارزة مثل أبراج الكويت وسوق شرق.
كما تشتهر الكويت بمسجدها الكبير الذي يعد أكبر مسجد في البلاد ومبانيها ومواقعها التاريخية مثل جزيرة فيلكا وقصر السيف والقصر الأحمر إضافة إلى محمياتها الطبيعية مثل محمية الشيخ صباح الأحمد الطبيعية ومحمية الشيخ جابر الأحمد البحرية.