شركات النفط تتجاهل احتمالات وصول أسعار البرميل إلى 50 دولاراً

خيّبت وكالة الطاقة الدولية آمال المتفائلين بشأن أسعار النفط، حيث أفادت بأن معروض النفط الخام يتجاوز الطلب بمقدار 600 ألف برميل يومياً، وخفَّضت توقعاتها للطلب لهذا العام، بالتزامن مع دق أكبر تجار النفط في العالم ناقوس الخطر، متشائمين مع تزايد الإنتاج المفرط داخل وخارج منظمة أوبك.
وأشار تقرير حديث على موقع «أويل برايس» أن الإنتاج آخذ في الارتفاع، حيث ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أحدث توقعاتها قصيرة الأجل للطاقة أنها تتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة هذا العام بمقدار 400 ألف برميل يومياً ليصل إلى 13.6 مليون برميل يومياً، مما سيعزِّز مكانة البلاد كأكبر منتج عالمي، ويمثل سبباً رئيسياً لضعف أسعار النفط.
ومع ذلك، تُنتج «أوبك+» أيضاً كميات أكبر، أو بالأحرى، يتجاوز إنتاج بعض أعضاء المجموعة حصتهم بكثير. ففي آخر تحديث من المنظمة، كانت كازاخستان أكبر مُنتج مُفرط، بمتوسط إنتاج يومي بلغ 1.76 مليون برميل في فبراير، مقابل حصة قدرها 1.46 مليون برميل يومياً. كما تجاوزت نيجيريا سقف إنتاجها، وإن كان بشكل أقل حدة، بنحو 70 ألف برميل يومياً.
وفي الوقت نفسه، في ما يتعلق بالطلب، يبدو أن الكثيرين لديهم مخاوف تتعلق بنهج الرئيس دونالد ترامب في السياسة التجارية، وتحديدا التعريفات الجمركية. وتتركز هذه المخاوف على أن التعريفات تُضر بالطلب على النفط الخام، لأنها ترفع أسعار السلع المختلفة. قد يكون لبعض الرسوم الجمركية تأثير سلبي على تكاليف صناعة النفط والغاز، وتحديداً رسوم الصلب والألمنيوم التي أعلنت عنها إدارة ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع. ومع ذلك، من المرجَّح أن يكون التأثير متواضعاً.
العرض والطلب
ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة فيتول، راسل هاردي، فإن التطورات الحالية في العرض والطلب قد تدفع أسعار النفط إلى انخفاض مستمر، إلى ما بين 60 و80 دولاراً للبرميل، كما صرّح بأن خام غرب تكساس الوسيط قد ينخفض إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل في وقت ما، وإن لم يكن ذلك على الأرجح لفترة طويلة.
في الواقع، لن تكون هذه المرة الأولى التي يؤدي فيها الإفراط في الحفر إلى انخفاضات في الأسعار، والتي كانت بمنزلة تصحيح طبيعي لنشاط الإنتاج المفرط، وليس هناك ما يدعو إلى استثناء الوضع الحالي من هذه القاعدة.
في غضون ذلك، صرّح أحد محللي النفط البارزين بأن العالم قد دخل عصر ذروة تداول النفط. ووفقاً لجيف كوري، الذي عمل سابقاً في غولدمان ساكس ويعمل حالياً في مجموعة كارلايل، فقد بلغت تجارة النفط الدولية ذروتها في عام 2017، ومنذ ذلك الحين وهي في انخفاض بسبب زيادة طاقة الرياح والطاقة الشمسية المنتجة محليًا.
وكتب كوري في مذكرة نقلتها بلومبيرغ: «بلغت حصة استهلاك الطاقة العالمي من الوقود الأحفوري العابر للحدود ذروتها في عام 2017، وانخفضت منذ ذلك الحين بنسبة 5%».
إمدادات جديدة
وصرح وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت مؤخراً بأن صناعة النفط الصخري في البلاد قادرة على مواصلة ضخ المزيد من النفط حتى لو انخفض سعر الخام إلى 50 دولاراً للبرميل.
وقال رايت لصحيفة فايننشال تايمز: «ستدفع الإمدادات الجديدة الأسعار إلى الانخفاض. ستبتكر الشركات، وتخفض أسعارها، وسيشهد المستهلكون والموردون تذبذباً في الأسعار».
ومع ذلك، لا يتفق الجميع مع هذا الرأي، وهذا يشمل مسؤولاً تنفيذياً كبيراً آخر في شركة إكسون. ففي نوفمبر، صرّح ليام مالون، رئيس قسم المنبع في الشركة العملاقة، خلال فعالية للقطاع: «لن نرى أحداً يُصرّ على الحفر، الحفر، الحفر».
وقال مالون، متحدثاً في منتدى إنرجي إنتليجنس في لندن: «من غير المرجَّح حدوث تغيير جذري في الإنتاج لأن الغالبية العظمى، إن لم يكن الجميع، تُركز على الجدوى الاقتصادية لما تفعله»، وأضاف أن الانضباط المالي الذي أظهره اللاعبون في القطاع في السنوات الأخيرة هو الوضع الطبيعي الجديد.
كذلك، صرّح أندرو جيليك، المدير الإداري لشركة إنفيروس، لصحيفة فايننشال تايمز في وقت سابق من هذا الشهر: «كان من المرجَّح أن يخطط المشغّلون لتجاوز الأسعار 70 دولاراً للبرميل هذا العام، لذا عند 50 دولاراً، من المرجَّح أن تنخفض أعداد الحفارات ويتباطأ النشاط. وعندما تنخفض أعداد الحفارات في حوض برميان، ستفقد كميات الغاز المصاحب التي يعتمد عليها قطاع الغاز الطبيعي المسال بنهاية العام».
وقد أيّد كلٌّ من الرئيس السابق لشركة بايونير للموارد الطبيعية، ودانيال يرجين، الخبير في قطاع الطاقة، هذه المقولة القائلة بأن مرونة القطاع محدودة. وصرح سكوت شيفيلد مؤخراً في مقابلة مع بلومبيرغ بأن قطاع النفط الصخري الأمريكي سيضطر إلى «الاحتماء» إذا انخفضت الأسعار أكثر من ذلك والانتظار حتى انتهاء هذا الانخفاض.
وأضاف شيفيلد، متوقعاً أن تتراوح الأسعار بين 50 و60 دولاراً للبرميل: «قد تضطرون إلى تسريح بعض الموظفين. عليكم التركيز على أفضل فرصكم. سنرى ما سيحدث خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة».
أرباح قياسية
وأفاد تقرير «أويل برايس» بأن هذا التراجع في الأسعار على الأرجح أحد أسباب زيادة عمليات الاندماج والاستحواذ في العامين الماضيين، إلى جانب الأرباح القياسية المحققة في ظل أزمة الطاقة في أوروبا.
مع نفاد المساحة الرئيسية، كانت الطريقة الوحيدة لتعزيز التعرض لهذه المساحة الرئيسية هي شرائها من جهة أخرى في القطاع أو الاستحواذ على الجهة نفسها. وهذا بالضبط ما فعلته إكسون وشيفرون وكونوكو، وعشرات الشركات الأصغر، لتحسين قدرتها على الصمود في مواجهة انخفاض أسعار النفط.
اقتصادات النفط الصخري لا تُجدي نفعاً
يقول الرئيس السابق لشركة بايونير للموارد الطبيعية، دانيال يرجين، الخبير في قطاع الطاقة: «ببساطة إنه عند سعر 50 دولاراً للبرميل، فإن اقتصادات النفط الصخري لا تُجدي نفعاً»، على الرغم من أن سعر التعادل لقطاع النفط الصخري قد انخفض بشكل كبير، من 70 دولاراً للبرميل في عام 2010 إلى 45 دولاراً فقط هذا العام، وفقًا لشركة S&P Commodity Insights. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن سعر التعادل ليس ثابتاً في جميع قطاعات النفط الصخري، وأن البعض في هذه الصناعة يجادل بأن الموارد الأقل سعراً على وشك النضوب.
الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية
أشار المحلل النفطي جيف كوري إلى أنه على الرغم من أن النفط مصدر موثوق للطاقة، إلا أن تجارته عبر الحدود معرضة بشكل متزايد لتطورات مثل فرض ترامب للرسوم الجمركية، على سبيل المثال.
ووفقاً لكوري، فإن هذا الضعف سيكون بمنزلة دافع لتعزيز الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.