قانون «التمويل والسيولة» سيعزّز الاستقرار المالي

تعدّ مسألة الدين العام واحدة من القضايا الحيوية، التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المالي والاقتصادي للدول، وفي الكويت، يبرز مؤخراً قانون التمويل والسيولة كأداة استراتيجية، تهدف إلى تحسين الوضع المالي للدولة، وتوفير السيولة اللازمة لدعم المشاريع التنموية. اذ يسمح بالاقتراض بمبلغ 20 مليار دينار على مدار 50 عاماً، ويتضمن هيكل الدين إصدار سندات وصكوك، حيث سيتم تحديد توزيع هذه الإصدارات على المستويين المحلي والدولي، بناءً على محددات سعر الفائدة، وحجم فوائض السيولة المتاحة في البنوك الكويتية.
استطلعت القبس آراء مصرفيين، للحديث عن تأثير قانون التمويل والسيولة على القطاع المصرفي، وتأثيره على الاستقرار المالي، وكيف يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
بداية، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت التمويل الكويتي، خالد الشملان: إن قانون التمويل والسيولة (الدين العام) يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد وقطاع المصارف، من خلال تعزيز الاستقرار المالي، وزيادة الثقة لدى المستثمرين والدائنين محلياً ودولياً، حيث يمهد القانون الطريق للحكومة لبدء إصدارات الدين من أسواق المال المحلية والعالمية، بعد أن اعتمدت منذ 2017 على الاحتياطي العام والخزانة في تغطية العجز المتراكم.
وأضاف: قد لا تذهب الحكومة إلى أسواق المال بشكل سريع، لكن وجود القانون مهم لأمور، من بينها: القانون جزء من منظومة الإصلاح الاقتصادي، وإذا قامت الدولة بإصدار سندات سيادية أو صكوك، فسترفع قدرتها على تلبية التزاماتها التمويلية في السنوات المقبلة، الأمر الذي يضمن استدامة الإنفاق العام، ودعم الخطط التنموية للدولة، وبكل تأكيد ينعكس ذلك إيجاباً على البنوك الكويتية، وترتفع معدلات جودة إدارة السيولة لديها، من خلال توظيف فوائض السيولة المتوافرة عبر تلبية الاحتياجات التمويلية المطلوبة.
وأوضح الشملان أن السندات والصكوك الحكومية تلعب دوراً حيوياً في تطوير وخلق سيولة في سوق الدخل الثابت المحلي، حيث يمكن أن تمثل إصداراتها معيار قياس Benchmark لتسعير الأوراق المالية الأخرى، مثل السندات والصكوك، وذلك من خلال تكوين منحنى عائد خال من المخاطر، حيث يستخدم المستثمرون والمصدرون هذا المنحنى لتقييم المخاطر الائتمانية، وتحديد العوائد المناسبة.
إنفاق رأسمالي
وتابع: في ظل ما تبديه الحكومة من توجهات وتأكيدات بأن الدين العام سيكون في حدوده الآمنة بالنسبة للناتج الإجمالي، وأن حصيلة الاقتراض ستوجه للإنفاق الرأسمالي على مشاريع البنية التحتية والإنشائية، والمشاريع ذات القيمة المضافة، فإننا نرى ان القانون سيساهم بشكل كبير في تطوير حركة الاقتصاد، خاصة في ظل ما نشهده من اتجاه لاتخاذ قرارات اقتصادية مهمة وإصلاحات جدية.
وأفاد بأن أهمية القانون تبرز أكثر في وقت تبدو فيه احتمالات عدم استقرار أسعار النفط، في ظل حالة عدم اليقين بشأن السياسات في البلدان المؤثرة على النظام المالي، ووسط تطورات جيوسياسية في المنطقة والعالم. وبالتالي، فإن قانون التمويل والسيولة في مثل هذه الظروف يمنح الكويت مرونة مالية، ويساهم في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأوضح إن قيمة إجمالي آخر إصدارين للكويت بلغت 8 مليارات دولار في مارس 2017، حيث بلغ حجم الإصدار الأول 3.5 مليارات دولار لأجل 5 سنوات تم استحقاقها، وبعائد %2.75، فيما بلغ حجم الإصدار الثاني 4.5 مليارات دولار لأجل 10 سنوات تستحق في 2027، وبعائد %3.5، وهو أحد أدنى المستويات.
وتابع: إذا استمر توجه البنوك المركزية نحو خفض تدريجي لسعر الخصم، فإن الفرصة ستكون سانحة للتمويل بسعر خصم متراجع، وبالتالي ينعكس إيجابا على الاقتصاد بشكل عام.
تأثير إيجابي
من جانبه، قال نائب رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك بوبيان، عادل الماجد، إن إقرار قانون التمويل والسيولة سيكون له تأثير اقتصادي إيجابي واسع النطاق، إذ ستمتد فوائده إلى قطاعات اقتصادية عدة، وسيسهم بشكل مباشر في تحريك عجلة المشاريع التنموية، وتعزيز الإنفاق الرأسمالي لتحقيق رؤية 2035، والعبور نحو مرحلة التنوع الاقتصادي المنشودة في البلاد.
وأشار الماجد، في حديث لـ القبس، إلى أن قانون التمويل والسيولة سيدعم إعادة بناء الاحتياطي العام لخزينة الدولة وزيادة أرصدته، ويتيح للحكومة أريحية في تمويل المشاريع الكبرى، لا سيما مع بدء انخفاض مستويات الفائدة عالمياً خلال الفترة الراهنة، مما يعني تمويل الاحتياجات التمويلية بكلفة منخفضة.
وأضاف الماجد أن إقرار القانون سيدعم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، ويزيل المخاطر المالية والاقتصادية، كما أنه عامل مهم ومؤثر جداً في دعم التصنيف الائتماني السيادي للبلاد، حال استمرار تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، ومعالجة التحديات المالية الطويلة الأجل، ويمهّد الطريق لآفاق واعدة أمام القطاع المصرفي الكويتي خلال السنوات المقبلة.
سوق سندات نشط
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة بنك التجاري، أحمد الدعيج: سبق أن قدمت الحكومة مشروع «الدين العام» إلى مجلس الأمة في أغسطس 2017، إلا أنه لم يلق قبولاً وقتها، نتيجة رفع سقف الاقتراض إلى 25 مليار دينار، وتركيزه على سد عجز الموازنة من دون توجيهه إلى الإنفاق الرأسمالي.
وأضاف الدعيج: يسمح القانون للحكومة باقتراض مبلغ 20 مليار دينار، على مدى 50 عاماً، وأن هيكل الدين سيتضمّن سندات وصكوكاً، وسيتم تحديد أوزان تركُّز إصداراتها على المستويين المحلي والدولي، حسب محددات سعر الفائدة، وحجم فوائض السيولة المتوافرة في البنوك الكويتية.
وأكد أن القانون سوف يكون له تأثير إيجابي على القطاع المصرفي، حيث يمنح البنوك الكويتية فرصة للاستثمار في أدوات دين حكومية ذات مخاطر منخفضة، وهذا من شأنه تعزيز ربحيتها وإدارة السيولة لديها بكفاءة وفعالية، كما يسهم القانون في خلق سوق سندات نشط، يدعم تنويع أدوات التمويل في السوق المحلي، ويعزز من قدرة البنوك على تقديم التمويلات للقطاعات المختلفة.
ولفت الى ان هذا القانون يعد بمنزلة خطوة مهمة لتحسين التصنيف الائتماني للكويت، حيث يطمئن وكالات التصنيف الدولية، بشأن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية، ويقلل من الضغوط على صندوق الاحتياطي العام، مع تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، حيث أنه مؤشر إيجابي على التزام الدولة بالإصلاحات المالية والاستدامة الاقتصادية.
وأوضح: من المعروف أن تصنيف الكويت الائتماني والنظرة المستقبلية لقدرات الدولة المالية، يرجّح الحصول على قروض سيادية بفائدة تنافسية قياساً بالمتداولة في المنطقة.
أثر إيجابي على التصنيف الائتماني
قال الشملان إن قانون التمويل والسيولة سيكون له تأثير إيجابي على التصنيف الائتماني السيادي للكويت، من خلال توفير إطار قانوني لإدارة الاقتراض الحكومي وتحقيق الاستدامة المالية، حيث سيعزز هذا القانون الانضباط المالي، من خلال وضع حد أقصى واضح للدين، وتحسين إدارة الديون، وهذا من شأنه طمأنة وكالات التصنيف الائتماني، بأن الكويت قادرة على ضبط والوفاء بالتزاماتها المالية، مما قد يؤدي إلى تصنيف ائتماني أكثر إيجابية.
وأكمل: بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الشفافية سيزيد من ثقة المستثمرين، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بأي تعثّر محتمل في سداد الديون، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على التصنيف الائتماني السيادي.
وأضاف ان وجود قانون واضح للدين العام، وتنفيذه بشكل فعال، مع تطبيق السياسات الاقتصادية السليمة، يساعد في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وهو عامل أساسي تضعه وكالات التصنيف الائتماني في الاعتبار عند تقييم الجدارة الائتمانية لأي دولة، مع الأخذ بالاعتبار التنفيذ الفعال للقانون وتطبيق السياسات الاقتصادية السليمة.