WSN Tech

كتاب الذكاء الاصطناعي 2041.. رؤية فنية واقتصادية لمستقبلنا مع الآلة

– لطالما ارتبط أدب الخيال العلمي بالتطورات التقنية، فتارةً يستلهم منها رؤاه المستقبلية، وتارةً يستبقها بتخيلات قد تتحقق لاحقًا.
– إلا أن هذا الارتباط يشوبه الغموض، خاصة عندما يتحول الخيال إلى أداة تسويقية للتقنية بدلًا من كونه مساحة نقدية لتأمل آثارها.
– تتجلى هذه الفكرة بوضوح في كتاب «الذكاء الاصطناعي 2041: عشر رؤى لمستقبلنا»، الذي يعد ثمرة تعاون بين كاتب الخيال العلمي الصيني تشين تشيوفان، ورجل الأعمال والرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل الصين، كاي-فو لي.
– يروج الكتاب لما يمكن وصفه بـ «الخيال العلمي التطبيقي»، حيث يقدم تشين عشر قصص قصيرة تتناول جوانب مختلفة من تطورات الذكاء الاصطناعي خلال العقدين المقبلين، فيما يعقبها كاي-فو لي بشروح تقنية حول كيفية عمل هذه التقنية اليوم وإمكاناتها المستقبلية.
– وعلى الرغم من تميز الكتاب بأسلوب شيق يجمع بين الخيال والمعلومة، فإنه يحمل طابعًا ترويجيًا أكثر من كونه نقديًا، ويقدم رؤية متفائلة، بل وحتمية، لعالم تهيمن عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي.
التكنولوجيا بين الخيال والتسويق
– يؤسس الكتاب لفكرة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل هو قوة دافعة حتمية ستعيد تشكيل شتى جوانب الحضارة الإنسانية.
– يذهب كاي-فو لي إلى القول بأن هذه التقنية هي أشد التطورات إثارة في العالم، بينما يجزم تشين بأن قوتها الثورية لا سبيل إلى إيقافها. ولكن، هل هذه نظرة موضوعية أم ترويج يستهدف تهيئة الأذهان لقبول عام وشامل لهذه التقنية؟
– في الواقع، يمتلك كاي-فو لي استثمارات ضخمة في شركات الذكاء الاصطناعي، ما يجعل دوافعه وراء هذا الطرح موضع تساؤل.
– فبدلًا من تقديم رؤية نقدية أو تحليلية للانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لهذه التقنية، يبدو الكتاب وكأنه حملة ترويجية تهدف إلى تبديد المخاوف المحتملة للمستهلكين، وتعزيز الثقة في المنتجات المستقبلية لهذه الشركات.
الذكاء الاصطناعي: محايد أم منحاز؟
– من بين الإشكاليات التي يتناولها الكتاب، ولو بشكل غير مباشر، مسألة التحيز الخوارزمي؛ في القصة الأولى، وهي بعنوان «الفيل الذهبي»، يطرح تشين نموذجًا لشركة تأمين تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقييم العملاء وتحديد أقساط التأمين.
– ورغم أن القصة تشير إلى المخاطر المرتبطة بهذه التقنية، إلا أنها تعزو المشكلة إلى المستخدمين والبشر عمومًا، وليس إلى الخوارزميات ذاتها.
– يتجاهل هذا النهج حقيقة أن الذكاء الاصطناعي ليس «محايدًا» كما يدعي لي، بل هو نتاج بيانات بشرية مليئة بالتحيزات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
– وبالتالي، فإن قرارات الذكاء الاصطناعي لا تعكس الحقيقة المطلقة، بل تعيد إنتاج الأنماط المجحفة وغير العادلة القائمة.
التكنولوجيا بوصفها حلاً لكل شيء
– يدعو الكتاب إلى تبني فكرة «الحلول التكنولوجية»، زاعمًا إمكانية معالجة المشكلات الاجتماعية عبر حلول تقنية؛ ففي قصة «عصفوران توأمان»، على سبيل المثال، يعالج الكتاب حالة طفل مصاب بالتوحد من خلال الاستعانة برفيق ذكاء اصطناعي يتفهم حالته، عوضًا عن تحسين البيئات الاجتماعية والتعليمية التي تسهم في دمج الأطفال.
– هنا، تظهر التكنولوجيا وكأنها بديل عن التدخلات الإنسانية والاجتماعية، وكأن الحلول محصورة في نطاق الذكاء الاصطناعي.
– تجسد هذه الرؤية أيديولوجية رائجة في وادي السيليكون، حيث تُعرض التكنولوجيا بوصفها الحل الأمثل لكل معضلة، متجاهلةً في الوقت ذاته تعقيدات القضايا الاجتماعية.
– ولكن، هل من الممكن حقًا معالجة قضايا مثل الفقر والتعليم والتفاوت الاجتماعي من خلال الخوارزميات وحدها؟ أم أن هذا المنظور يخدم مصالح الشركات أكثر مما يخدم المجتمعات.
رؤية غير مكتملة لمخاطر الذكاء الاصطناعي
– لا يتجاهل الكتاب المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي تمامًا، لكنه يحصرها في الأسلحة ذاتية التحكم، ويصفها بأنها أكبر تهديد قادم.
– بيد أن هذا التصور يغض الطرف عن المخاطر الأشد قربًا وتأثيرًا، كالأتمتة التي تهدد ملايين الوظائف، والخوارزميات التي ترسخ غياب العدالة، وتقنيات الرصد التي تنتهك الخصوصية.
– ومن المفارقات أن لي، في الوقت الذي يحذر فيه من الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، فإنه يستثمر أمواله في تقنيات تعدين العملات المشفرة، التي تعد من أكثر المجالات استهلاكًا للطاقة وتساهم في التدهور البيئي.
– فكيف يتسنى لشخص ينادي بتسخير التكنولوجيا لخدمة البشرية أن يساند في الوقت ذاته صناعات تلحق أضرارًا جسيمة بالبيئة؟
الخلاصة: هل هو خيال علمي أم خيال اقتصادي؟
– رغم أن كتاب «ذكاء اصطناعي 2041» يقدم محتوى ممتعًا ومثيرًا للتفكير، إلا أن القارئ لا يستطيع تجاهل البصمة التجارية التي تطغى على رؤيته.
– فالكتاب لا يسعى فقط إلى استكشاف المستقبل، بل يبدو وكأنه محاولة لإعادة تشكيل الطريقة التي ينظر بها الجمهور إلى الذكاء الاصطناعي، بحيث يصبح قبوله أمرًا مسلمًا به.
– يبقى السؤال الأهم: هل يمكننا الوثوق بالمستقبل الذي تصوره شركات التكنولوجيا، أم أننا بحاجة إلى خيال علمي أكثر نقدًا، وأكثر تحررًا من المصالح الاقتصادية؟
المصدر: فيو أوف بوكس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى