اقتصاد دولي

«الخيارات الرشيدة» سبل النجاة من جنون الأسعار في مصر

لم يعد أمام المصريين سوى أربع خيارات لمواجهة الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع، ويرى المتخصصون أنه لا بديل عن ترشيد الإنفاق واللجوء إلى التقسيط والهرب من الأسواق الموجودة في أماكن مزدحمة مثل القاهرة، وأخيراً البحث عن سلع ومنتجات بدلية.
يرى الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد عماد كمال كشف عن أن الارتفاعات المتتالية في الأسعار التي تشهدها السوق المصرية منذ الربع الأخير من العام الماضي هي نتاج أزمات مركبة منها الداخلي والخارجي، ففيما يتعلق بالخارجي فيتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتسجيل التضخم العالمي مستويات قياسية، إضافة إلى ما تسببت به الحرب الروسية في أوكرانيا من أزمات جديدة في قطاع سلاسل الإمداد والتوريد.
وأوضح كمال في حديثه إلى «اندبندنت عربية» أن الأسباب الداخلية تعود بشكل مباشر لتوجه الحكومة والبنك المركزي نحو تحقيق سعر عادل لصرف الدولار، وهو ما يجري في الوقت الحالي عبر اعتماد سياسة التعويم المرن أو المدار، يضاف إلى ذلك تجدد ظاهرة الاحتكار وغياب الرقابة وقيام التجار بربط كل زيادة يقرونها في أسعار السلع بأزمة الدولار وسوق الصرف.
اللجوء إلى التقسيط أحد البدائل:- ولجأ أحمد رمضان، (44 سنة) وأب لثلاثة أطفال، إلى خدمات الدفع بالتقسيط قبل ثمانية أشهر بعد أن شعر بلهيب الأسعار المرتفعة التي زادت ضغوط المعيشة على المصريين خلال العام الماضي، واستخدم خدمات التقسيط لشراء جهاز تلفزيون وهاتف محمول لابنته وحتى ملابس لأسرته.
وقال رمضان، وفقاً لوكالة «رويترز»، «ربما يكون التقسيط أغلى من الكاش خلال أوقات معينة، لكنه أسهل لجهة توفير إمكانات لمجموعة من الأفراد لا لفرد واحد»، مضيفاً أن السيولة الإضافية ستساعد في دفع مصروفات مدارس أطفاله. وقال مستهلكون ورواد في مجال الصناعة إن المصريين يعتمدون بشكل متزايد على الدفع بالتقسيط، ليس فقط لشراء سلع باهظة الثمن ولكن لشراء سلع عادية رخيصة نسبياً مثل الملابس والبقالة، في وقت تواجه الدولة ارتفاعاً قياسياً في التضخم. وتسارع التضخم في مصر إلى أعلى مستوياته خلال خمس سنوات بعد أن عصفت الحرب في أوكرانيا بالأوضاع المالية، وهوت قيمة العملة بنحو 50 في المئة منذ مارس (آذار) 2022 وسط مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. كما أُتيحت خدمة الدفع بالتقسيط هذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد أن خشي الناشرون من ضعف مبيعات سلع غير أساسية، وقال رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده إن «القارئ هنا حقق ما يتمناه واشترى بالكمية أو التنوع الذي يريده، والناشر استطاع أن يحصد مبيعات لا تتأثر بالأزمة الاقتصادية، ويتحصل على نقوده من البنك».
نشاط عمليات الدفع بالتقسيط مؤخراً:- وشهدت «سيمبل»، وهي شركة لخدمة الدفع بالتقسيط مقرها القاهرة، زيادة في نشاط عملياتها خلال الأشهر الماضية، وقالت الشريك المؤسس ورئيسة القطاع التجاري بها ياسمين حنة لـ «رويترز» إن عدد العملاء الجدد قفز 50 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) مقارنة بالشهر السابق عليه.
ويستخدم العملاء الحاليون الخدمة أيضاً بشكل أكبر، إذ يمثل هؤلاء الذين يستخدمون الخدمة بشكل متكرر 40 في المئة من إجمال التعاملات الشهرية خلال يناير الماضي، بارتفاع حاد من خمسة في المئة فقط خلال الشهر نفسه من العام الماضي. وقالت حنة «وجدنا الجمهور يركز في ضرورات الحياة، وتقوم الأسر بتقسيم المبلغ الذي في حوزتها لكن في النهاية يقومون بشراء السلع الإستراتيجية قبل أية زيادات جديدة في الأسعار». وأوضحت أن الشركة تخطط لإدخال خدمات جديدة مثل دفع فواتير المياه والكهرباء، لكن في المقابل لم يهتم محمد محمود، وهو مواطن وأب لثلاثة أطفال، بفكرة السداد بالتقسيط في البداية، لكنه الآن أعاد النظر فيها من أجل تلبية حاجات أسرته، وأضاف «نستخدم التقسيط لتوفير مستلزمات الحياة وليس الكماليات».
عودة الاحتكار وغياب الرقابة:- وتابع المتخصص الاقتصادي أن الحكومة المصرية تعمل في أكثر من اتجاه في إطار ضبط الأسعار وعدم وجود زيادات جديدة من قبل التجار، ولذلك وفرت معارض كثيرة للسلع المهمة بأسعار أقل من القطاع الخاص بنسبة 35 في المئة، لكن بالتوازي مع ذلك يجب أن تقوم الأجهزة والسلطات بتكثيف الرقابة على التجار والمحتكرين. وأوضح أن شريحة كبيرة من الأسر المصرية بدأت بالفعل إعادة ترتيب أولوياتها في شأن الإنفاق وتم الاستغناء عن أشياء كثيرة، كما يتم استبدال المنتجات التي ارتفعت أسعارها بنسب كبيرة بمنتجات أخرى تؤدي الغرض نفسه ولكن بأسعار أقل بحوالى 25 في المئة، كما بدأت بعض الأسر في الاتجاه إلى الأسواق الموجودة في المناطق الريفية هرباً من الأسعار المرتفعة داخل القاهرة.
ليس هناك مؤشر لثبات الأسعار حالياً:- رئيس شعبة المستوردين باتحاد الغرفة التجارية سابقاً أحمد شيحة أكد أنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على ثبات الأسعار وليس انخفاضها، وأشار خلال حديثه لـ «اندبندنت عربية» إلى أن الأزمة تعود بشكل مباشر لعدد من كبار التجار الذين يسيطرون على بعض وأهم السلع الإستراتيجية، مضيفاً «بالنسبة إلى سلع مثل الرز، كيف يرتفع سعرها بنسبة 100 في المئة ونحن نقوم بإنتاج كميات كبيرة من الرز؟ الأزمة إذاً ليس لها علاقة بالدولار كما يدعي بعضهم أو بنقص السلعة، ولكنها مرتبطة بشكل مباشر بظاهرة الاحتكار التي أخفقت كل الحكومات في القضاء عليها بشكل نهائي، ولذلك نتحدث عن غياب الرقابة وتسببها في تفاقم أزمة ارتفاعات الأسعار».
وشدد شيحة على ضرورة أن «تقوم الحكومة بفتح الباب أمام شريحة جديدة من المستوردين في إطار الاعتماد على المنافسة والمضاربة بين التجار على السلع، وهو ما سيقود في النهاية إلى انخفاض أسعار جميع السلع، لكن استمرار الوضع الحالي يؤكد أن الأسعار ستشهد مزيداً من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة، بخاصة وأننا مقبلون على شهر رمضان، وفيه يتزايد الاستهلاك وترتفع الأسعار حتى قبل ظهور أزمة الدولار أو تحرير سوق الصرف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى