مختارات اقتصادية

لماذا يعتبر الخوف والطمع أسوأ خصمين للمستثمر في سوق الأسهم؟ وكيف يهزمهما؟

على الرغم من أن الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم يلقون باللوم على عوامل خارجية، مثل التقلبات الاقتصادية أو انتشار وباء مثل كورونا أو بعض التشريعات أو نصائح السماسرة، في فشلهم في سوق الأسهم فإن غالبيتهم لا يقرون بحقيقة أنه رغم تلك العوائق يمكن النجاح في سوق الأسهم.

 

والدليل على ذلك وجود أمثلة متعددة لأناس اعتادوا النجاح في ذلك السوق ليس لفترات زمنية قصيرة ولكن على مدار سنوات طوال، ليؤكدوا أن الأمر ليس وليد الصدفة ولكن وليد الدراسة والبحث الاقتصادي والتحري، وكثيرا ما يكون الأهم على الإطلاق السيطرة الصارمة على ذواتهم ومنع الانسياق خلف أهم عدوين في نفس المستثمر، الطمع والخوف.

 

الخوف والطمع “يسودان”

 

بشكل عام تشير الدراسات إلى أن أكثر من 92% من المستثمرين يقعون باستمرار أو عدة مرات أو مرة واحدة على الأقل فريسة للطمع أو للذعر، ويؤدي كلاهما بالمستثمر إلى اتخاذ قرارات سيئة سواء بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ، فضلا عن قرار دخول السوق أو البقاء على الهامش بعيداً في بعض الأوقات.

 

وفي غالبية الحالات يغلب الطمع الخوف لدى المستثمر أو المضارب، فكلاهما يدخل السوق ليزيد أمواله بالتالي يراهن منطقيًا على صعود المؤشرات وليس تراجعها، ولعل هذا من ضمن أسباب تفوق أسواق الثيران على أسواق الدببة من حيث المدة، حيث تصل إلى 4 أضعاف أمثالها في السوق الأمريكية.

 

كما تتغلب نسب الارتفاع في الأسواق بشكل عام على نسب الانخفاض بنسبة تفوق 70% في السوق الأمريكية، أو كما وصف المستثمر الأشهر “وارين بافيت” سوق الأسهم الأمريكي في الآونة الأخيرة بأنه تحول لـصالة قمار كبيرة”.

 

ويمكن أن نضرب مثلًا في تأثير الطمع بأسوأ يوم في تاريخ البورصة الأمريكية وهو 19 أكتوبر من عام 1987، حيث قامت كبرى البنوك الأمريكية بالمضاربة رهانًا على استمرار الاتجاه الصعودي للسوق، غير أن اللجوء لشركات التأمين على المحافظ جعلها مجبرة على البيع بعد مرحلة معينة من المخاطرة وإلا تصبح خارج مظلة التأمين.

 

وبالتالي قامت شركات وبنوك أمريكية كبرى بالبيع في يوم واحد وهبط مؤشر “داو جونز” بنسبة 23%، ومؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 20%، وذلك كله بسبب سيادة “الطمع”، خاصة لدى كبار المستثمرين الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التأثير على الأسواق.

 

انتهاز طمع الآخرين

 

“بول تودرو جونز” وهو مستثمر أمريكي كبير، راهن على طمع الآخرين، وتنبأ بانخفاض السوق حتى تشير التقديرات إلى أنه تمكن من مضاعفة رأسماله خلال أشهر معدودة مرتكزا على عمليات البيع على المكشوف التي قام بها معتمدا على تقديراته التي رآها مؤكدة بانخفاض أسعار الأسهم.

 

 

ويقول “جونز” عن رهاناته في هذه الفترة التي سبقت اليوم الأسوأ في تاريخ البورصة الأمريكية: “لقد كان واضحًا أن الجميع يدفعون السوق إلى أقصى مدى، وفي تقديري دفع هذا السوق إلى الارتفاع عن قيمته الطبيعية بنسبة 30% في المتوسط بل وكانت بعض الأسهم مقيمة بضعف قيمتها بسبب شعبيتها الكبيرة”.

 

ويضيف “جونز” أنه تمكن من حماية نفسه من الطمع بسبب رؤيته الواضحة لصعود غير منطقي في أسعار الأسهم أولا، ثم غياب “المنطق” في السوق بوجود بعض الأسهم التي تصاعد مضاعف ربحيتها على الرغم من التقارير السلبية حول مستقبلها.

 

ويقول “جونز”، والذي تتخطى ثروته الشخصية 7 مليارات دولار ويدير ثروات تتخطى 100 مليار دولار من خلال صندوق استثماري، إن الحل الوحيد لكي تتجنب الوقوع فريسة للطمع هو أن تراجع خطتك الاستثمارية وحقائقها باستمرار كلما “زارتك المخاوف”، بحيث تتأكد من أن قراراتك صحيحة وتهدأ، وأن تكون خططك طويلة المدى ولا تقل عن 3 أو 5 سنوات في المتوسط.

 

وعلى الرغم من ذلك يشير “جونز” نفسه إلى أنه تمكن من قراءة واستغلال “حالات الطمع” في السوق ومنها ضاعف رأسماله 3 مرات بسبب البيع بالمركز المكشوف، ولذلك يرى أن المستثمر الناجح لا يمكنه أن يقع في فخ الطمع لأن آخرين سيستغلونه.

 

“بولسون” والأزمة العالمية

 

“جون بولسون” وهو أيضا من بين الذين حققوا ثروات طائلة عبر البيع بالمركز المكشوف في قطاع العقارات، ولكن في عام 2007، قبل الأزمة المالية العالمية، حيث أسس شركة بولسون وشركاه في عام 1994 ولم يكن معروفًا حتى الأزمة المالية التي بدأت في عام 2007.

 

 

غير أنه وتوقعًا لفقاعة الأصول في العقارات، حققت صناديق بولسون 15 مليار دولار في عام 2007 ، بينما حصل بولسون نفسه على 3.7 مليار دولار، وذلك بفعل توقعه لتأثير “الطمع” في سوق العقارات على تراجعه الحتمي، حتى أن بولسون خضع لتدقيق مكثف من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية خلال هذا الوقت، لشكهم في أن يكون حصل على معلومات حصرية ساعدته على اتخاذ قراره.

 

ويشير “بولسون” إلى أن طريقة معرفته كانت سهلة للغاية “كان من الواضح أن مئات الآلاف أو حتى الملايين سيعجزون عن سداد الرهن العقاري، ولم يكن الأمر يحتاج لخبير اقتصادي حتى لفهم الأمر، لأن المداخيل لم تكن كافية لسداد القروض مع سداد تكاليف الحياة العادية، ولذا فإن الأزمة كانت حتمية وظاهرة في الأفق وبقي التصرف بناء على ذلك”.

 

ويضيف “بولسون” أن حركة السوق كانت تبدو كما لو كانت ذات اتجاه واحد فحسب، لا يتأثر لا بأخبار سلبية، ولا بتوزيع أرباح إلا بنسب محدودة للغاية، وهو ما يؤكد غياب أي تقدير حقيقي وعقلاني قدر وجود رغبة جماعية في الاستمرار في ارتفاع الأسواق رغم أزمة تمويل تلوح في الأفق”.

 

استشعار الطمع وتجنب الخوف

 

ويبدو من تجربتّي “جونز” و”بولسون” أن أزمات مالية رأى كثيرون أنه لم يمكن التنبؤ بها فإن “البعض” رأوها وتجنبوها بل وبينما كانت الأسواق تنزف كانوا يحققون الأرباح لقدرتهم على قراءة اتجاه “الطمع” في السوق وتجنبه، بل والاستفادة منه أيضا.

 

هذا عن الطمع أما فيما يتعلق بالخوف، ففي أكثر الكتب مبيعًا في التاريخ “دع القلق وابدأ الحياة” يؤكد كاتبه “ديل كارنيجي” أن أفضل “تمرين” للتخلص من القلق أو الهلع هو باستمرار “تصور الأسوأ”، ثم تقبله، ثم العمل على تجنب حصول هذا الأسوأ ببذل أقصى جهد ممكن لكي يحدث “الأفضل” وليس الأسوأ.

 

 

وبناء على ذلك، فإن النصيحة التي قدمها كثيرون بأن تكون الأموال التي تستثمرها في البورصة نسبة هامة لك، وهي تتفاوت من شخص لآخر لكنها لا تقل عن 10% ولا تزيد على 50% من الأصول في أغلب النصائح، ولكن في المقابل فإن خسارتها لن تشكل “فاجعة” أيضا.

 

إن كانت نسبة هامة فسيشجع هذا المستثمر على تجنب التعامل بمنطق الفوائض المالية، والذي تشير الدراسات إلى أن 40-60% من المتعاملين في السوق الأمريكي يتعاملون به مع استثماراتهم في سوق الأسهم بما يجعلهم يهملون توجيه استثماراتهم بالصورة الصحيحة وبذل الجهد لذلك، وفي نفس الوقت ألا تكون خسارتها “فاجعة” سيسمح بالتقيل من “الذعر” الذي يقود بدوره لاتخاذ قرارات خاطئة.

المصادر: أرقام – تصريحات على منصة “ted” لـ”بول تودرو جونز”- ميديم- فوربس- إيكونوميكس بيهيفيرال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى