مقالات اقتصادية

إدارة الثروات .. لماذا تلاحق البنوك الكبرى سوقا متراجعة؟

كتب أسامة صالح

تراجع نصيب الفرد من الثروة العام الماضي لأول مرة منذ 2008. كشف بنك يو بي إس في تقرير الثروة العالمية لـ2023 الذي أعده أن عدد المليونيرات قد انخفض 6 في المائة إلى 59.4 مليون. أما عدد الذين يملكون 50 مليون دولار أو أكثر فقد كان 243 ألف، بانخفاض 8 في المائة.
مع ذلك، يندفع يو بي إس – مدعوما بالاستحواذ على منافسه السويدي كريدي سويس وإنقاذه له – ومنافسوه الأمريكيون الكبار نحو إدارة الثروات بحماس لم يسبق له مثيل. توجد ثلاثة أسباب على الأقل وراء ذلك. الأول، شجعهم المستثمرون والمنظمون الذين لا يعجبهم تقلب العمليات المصرفية الاستثمارية للمجموعات، التي تعد حصة أكبر بكثير من الأرباح تاريخيا. ثانيا، لأن كثيرين مقتنعون أنه يمكنهم كسب حصة في السوق من المنافسين حتى في بيئة صعبة على المدى القريب. والثالث، أنهم يعتقدون أن اتجاه النمو طويل المدى سيستأنف قريبا.
رغم ذلك، التوقعات المباشرة خافتة بلا شك. كان سبب الانخفاضات الصافية إلى حد كبير في تحليل القطاع من يو بي إس هو انكماش أسعار الأصول حيث انعكس تراكم الثروات من الأموال السهلة في آخر 15 عاما. ساعدت الضغوط التضخمية العالمية على تعزيز الثروة الاسمية، لكن ذلك قوبل بقوة الدولار. وسيستمر الضغط الهبوطي: برامج التسهيل الكمي التي أطلقتها البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال لم تلغ بعد، ولا يزال التأثير المتأخر لارتفاع أسعار الفائدة في أسعار العقارات – أساس معظم الثروات الفردية – لم ينتشر بعد. مع حفاظ صانعي السياسة على شعار أسعار فائدة مرتفعة لفترة أطول وسط الضغوط التضخمية المستمرة، قد تنخفض الثروة العالية أكثر خلال العام أو العامين المقبلين.
إضافة إلى ذلك، تباطأ توسع الصين الاقتصادي السريع، الذي يعد أحد أكبر محركي الثروة العالمية، تباطأ كبيرا. في 2022، وفقا لتقرير يو بي إس، كانت أغلب نسبة الـ10 في المائة الأعلى من الثروة العالمية موجودة في الصين أكثر من أي دولة أخرى. لكن مع انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة الآن إلى معدل تشغيل يبلغ 4.9 في المائة، ثلث ذروة 2007، فستكون ناقلا أقل موثوقية لعملاء الثروة إلى البنوك العالمية.
لا يردع أي من هذه الضغوط البنوك. كان سيتي جروب آخر البنوك التي دعمت سردية الثروة. كتبت الرئيسة التنفيذية جين فريزر على لينكد إن الشهر الماضي، “إن تنمية أعمال الثروة هي أولوية استراتيجية”، حيث رحبت بآندي سيج في سيتي بعد مسيرة مهنية طويلة قضاها في شركة ميريل لينش لإدارة الثروات التابعة لمنافس سيتي اللدود بنك أوف أمريكا. يرى سيج بعض المكاسب السهلة لسيتي: جزء كبير (لم يكشف عنه) من عملاء الثروة للبنك البالغ عددهم 500 ألف أو نحو ذلك، مع نحو 900 مليار دولار من “أرصدة العملاء”، يستخدمونه لإيداع الأموال، والاقتراض، لكن ليس للاستثمار.
كما تهدف مجموعات إدارة الثروات الكبرى – مورجان ستانلي “الرائد عالميا، بقيمة 4.8 تريليون دولار من الأصول المدارة” ويو بي إس “الثاني، بقيمة 3.7 تريليون دولار” – إلى النمو. يجب على المجموعة السويسرية تعويض خطر أن يقرر العملاء الذين قسموا أعمالهم بين يو بي إس وكريدي سويس نقل بعض الأصول إلى طرف ثالث. يجب أيضا على الرئيس التنفيذي سيرجيو إرموتي التغلب على التشتت الداخلي الناتج عن الجمع بين الجهتين. لكنه وضح أنه إضافة إلى تعزيز مكانة يو بي إس القوية في إدارة الثروات في آسيا والشرق الأوسط، هناك مجال للنمو في الولايات المتحدة، حيث يتطلع إلى الأفراد البالغ عددهم 36 ألفا الذين لديهم أصول سائلة تزيد على 100 مليون دولار.
في الوقت نفسه، يسعى مورجان ستانلي أيضا إلى مزيد من التوسع. تهدف المجموعة إلى زيادة الثروة والأصول الاستثمارية من أكثر من ستة تريليونات دولار اليوم إلى عشرة تريليونات دولار على مدى الأعوام القليلة المقبلة. ستكون إحدى طرائق توسع المجموعة هو الاستفادة أكثر من شراكتها مع مجموعة ميتسوبيشي يو إف جيه، البنك الياباني الذي أصبح مساهما بنسبة 21 في المائة في مورجان ستانلي وسط الأزمة المالية في 2008. والأكثر وضوحا أنه يمكن أن يوسع نطاق وحجم المنتجات التي يوزعها على العملاء اليابانيين من خلال شراكته مع ميتسوبيشي يو إف جيه. كما قد يكون هناك مجال لنمو الثروة من خلال الاستحواذ، خاصة خارج الولايات المتحدة.
لكن بالنسبة إلى أي بنك كبير يحتمل أن يرى أن الصفقات الكبيرة صعبة من وجهة نظر تنظيمية، فإن مديري الثروات في العالم سيعتمدون أساسا على التوسع الطبيعي. يتوقع خبراء الثروة أنه قد تكون هناك فرص لأخذ حصة أكبر من المنافسين، لكن الحصص المتاحة ستتوسع أيضا. تشير توقعات يو بي إس إلى ارتفاع الثروة العالمية 38 في المائة بين 2022 و2027، حيث تدفع الدول متوسطة الدخل معظم النمو، وتعتقد شركة بين آند كو أن ما يقارب 230 تريليون دولار ستكون متاحة لمديري الثروات العالميين بحلول 2030. السؤال الرئيس في الوقت الحالي هو ما إذا كانت فرصة إدارة الثروات ستتناسب مع حماس البنوك: نادرا ما تنتهي عقلية القطيع نهاية جيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى