رأي الجمعية الاقتصادية الكويتية حول الاقتراح بقانون المقدم بشأن المنتج الوطني والمنتج المحلي من مجموعة من أعضاء مجلس الأمة

أثير مؤخراً على الساحة الكويتية ولاسيما السياسية منها موضوع “المنتج المحلي” الذي تم إثارته من عدة أطراف نيابية من نهاية دور الإنعقاد ولازال محور لحديث وأسئلة النواب آخرها ما تقدمت به النائب جنان بوشهري. فبعد أثارت رئيس مجلس الأمة السيد أحمد السعدون رداً على إقتراح بقانون لمجموعة من أعضاء مجلس الأمة الهدف منه تأطير تشريعي وقانوني لقرار وزير التجارة رقم 633 لسنة 2018 الذي نص على “إعطاء الأولوية في المشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية والمنتجات ذات المنشأ الوطني”. وقد تابعت الجمعية الاقتصادية الكويتية الجدل المثار حول تطبيق مواد القانون المختصة بتفضيل المنتج المحلي على المنتج الوطني الذي ينص على أن (كل منتج ذو منشأ خليجي بعد تعديل المادة 62 عام 2019).
نرى في الجمعية الاقتصادية الكويتية بعض الإشكاليات الذي يجب بيان تفصيلها على نحو السلب والإيجاب حول أولوية “المنتج المحلي والمنتج الوطني” حتى لا تكون عرضة للتأويلات والتفسيرات الغير صحيحة، وكذلك الفروقات القانونية والتعريفية بينهما في ظل أحكام القانون رقم 74 لسنة 2019 الصادر بتعديل بعض أحكام القانون رقم 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة. وعلى نفس السياق تستغرب الجمعية الاقتصادية الكويتية من القرارات والاقتراحات الغير مدروسة من قبل نواب الأمة والتي لا تستند إلى رأي مهني وتخلق بهذه الصورة بدون الرجوع للمهنين وأصحاب الاختصاص. وقد عكفت الجمعية على دراسة المعطيات القانونية والاقتصادية عن فحص أراء جهات الدولة وبيان مذكراته الفنية لمكتب وزير العدل ورأي الفتوى والتشريع ومذكرة جهاز متابعة الأداء الحكومي قبل إعطاء رأي فني شامل وغير منقوص، ولهذه الحالة ارتأت الجمعية الاقتصادية بيان رأيها الفني في هذا الإشكال.
بدايةً لا يخفى على أحد أهمية ودور الميزة التفاضلية الاقتصادية التي أٌطرتها الاتفاقية الخليجية الموقعة بين أصحاب الجلالة والسمو في ديسمبر عام 2001 والتي جاءت مكملة لاتفاقية انشاء منطقة التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 1981 والتي صادق عليه مجلس الأمة آنذاك، تأتي صريحة بقولها التالي: (معاملة السلع المنتجة في أي من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية.) وأكدت الاتفاقية على أن “يعامل مواطنون دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولة من دول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية). ونصت (تكون الأولوية في التطبيق لأحكام هذه الاتفاقية عند تعارضها مع القوانين والأنظمة المحلية للدول الأعضاء). بيد أن التعديل 74 لسنة 2019 على قانون المناقصات رقم 49 لسنة 2016 والذي أضاف فيه تعريفاً جديداً للمنتج المحلي تمييزاً عن المنتج الوطني وإعطاء “المنتج المحلي” ميزة بنسبة 20% عن المنتج الوطني والمستورد. لذلك فإن أي قانون تشريعي غير المتفق عليه (التي أٌطرتها الاتفاقية الخليجية الموقعة و صادق عليه مجلس الأمة آنذاك) قد يكون سبباً لإحراج الكويت إقليمياً بين الأشقاء الخليجيين، ونخشى بأن هذا الجدل من شأنه أن ينشئ خلافات اقتصادية وقانونية ومالية جسيمة، بحيث خالف الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تضمنت أحكامها المساواة بين المنتجات المحلية والوطنية تأسيساً للسوق الخليجية المشتركة والتي أعطت المنتجات الوطنية الخليجية ميزة عن كل المنتجات المستوردة بنسبة 20% دعماً لاقتصاديات دول الخليج. وفي حال تشريع الإقتراح بقانون المقدم من النواب فسيأتي مخالفاً لصريح الاتفاقية الاقتصادية الخليجية مما يسبب الاشكال في تطبيق المادة 62 من قانون المناقصات مما ينعكس عليه من تأثير لا يستهان به على حجم الإنفاق الحكومي وزيادته المضطرده سنوياً.
دعم المنتج المحلي هو هدف أصيل للجمعية الاقتصادية الكويتية وما نسعى له دائماً في بياناتنا وعملنا هو حماية بيئة الأعمال الكويتية ومتانته اقتصادنا المحلي مع الحرص على عدم وجود إشكاليات للاحتكار. لذا بعد دراسة الجوانب الفنية للقانون المقترح والمقدم من الأخوة النواب وآثاره على البيئة الاقتصادية وجدنا ما يصبو له النواب بمقترحهم بمساهمته من جهة في حماية المصانع الكويتية من مخاوف الإغراق ولو بشكل وقتي ولكن من ناحية أخرى وجدنا أن المستفيد الحقيقي إذا أُقر القانون هم عدد محدود جداً من المصانع وهذا من بين المئات التي احتكرت عليهم عملية الإنتاج للمواد الخام التي تباع للدولة من خلال احتكار الأراضي ومنع التراخيص الجديدة. ونرى في الجمعية الاقتصادية الكويتية أنه في ضوء ندرة التصنيع المحلي لبعض المنتجات التي تسعى إليها جهات الدولة في مشترياتها الحكومية وسعياً إلى توطين بعض الصناعات الأساسية ومكافحة الإحتكار والممارسات الضارة بالمنافسة الحرة التي تضر بالاقتصاد الوطني فإننا نرى أولاً فتح الرخص للنشاطات المحدودة والمعنية بصناعة وإنتاج وتكرير وتحويل المواد الخام، وثانياً تكليف الهيئة العامة للصناعة بمراجعة إجراءات تخصيص تسليم الأراضي لأغراض الصناعة الوطنية والإسراع في تلبية الطلبات المقدمة بهذا الشأن في إطار القوانين واللوائح المنظمة لذلك وبما يسمح بتعزيز وزيادة النشاط الاقتصادي وتشجيع المنافسة لمواكبة التطورات الإقليمية والعالمية بهذا الخصوص.
يتخوف البعض ويثير البعض الآخر من أن هنالك دول خليجية غير ملتزمة بتطبيق الاتفاقية الاقتصادية الخليجية وهذا تخوف وارد وهاجس موجود. وترى الجمعية الاقتصادية في ضوء القوانين المتفق عليها إقليمياً فإن خروج دولة عن تطبيق الاتفاقية أو جزء منها يحل من خلال المادة 27 من الاتفاقية والتي تنصح بصريح العبارة على أنه يتيح مبدأ المعاملة بالمثل معاملة دولة بعينها بنفس المعاملة دون الحاجة للخروج عن الاتفاقية مع بقية الدول، علماً أن مخالفة أي دولة خليجية لم يتم إثباته في مقر التحكيم في مملكة البحرين أو عن طريق أي سفارة كويتية في أي دولة خليجية، لذلك فأن التخوف منطقي ولكن غير حصيف في ظل وجود قوانين واضحة. وعلى عكس ما يثار بأن المنتج الوطني (الخليجي) يقوم بمنافسة المنتج المحلي مما يقلل فرص الاقتصاد المحلي من النمو، نرى أغلب المنتجات الخليجية تستعين بشركات محلية إما بشكل تعاون مؤقت أو دائم، وتقوم هذه العملية على دعم حركة الاقتصاد الكلي للدولة من خلال دفع الرسوم والضرائب وتوفير فرص العمل وغيرها من الخدمات والأنشطة المحلية المساندة لوجستية كانت أم إدارية، فضلاً على أن بعض الدول الخليجية تضع قيود على صادراتها حتى تتيح المجال للطلب في أسواقها المحلية.
تقوم بعض الدول الخليجية برعاية ودعم منتجاتها ومحاولة تعزيز مساهمتها في دول خليجية آخرى، وهذا حق مشروع لكل دولة وبيئتها المنظمة. ونرى بأن في الكويت تحصل المصانع المحلية على دعوم غير محدودة من الدولة من خلال الأراضي الصناعية بأسعار رمزية، الإعفاءات الضريبية والجمركية، دعوم الكهرباء والماء، وتقليل نسب التكويت وغيرها. لذلك فإن من باب أولى هنا تشريع قانون يجيز ويشجع ويعزز الصادرات الكويتية للدول الخليجية وإعطائهم ميزات إضافية في سعيهم لتوطين هذه الصناعة خليجياً وليس فقط محلياً وكذلك إقليمياً في دول قريبة (العراق على سبيل المثال)، ولكن يجب أن يسبق هذا وقف إحتكار الأراضي والرخص لتشجيع إزدهار الصناعيين المحلين ومن ثم حمايتهم، لأن الحماية للموجود قبل تعزيز البيئة للجديد هي إحتكار واضح. والحاصل حالياً هو أن النص الحالي لقانون المناقصات على يرفع تكلفة المناقصات على الدولة بقيمة 20% ضد جميع المنتجات غير الكويتية وكذلك الخليجية منها (الذي آتي نصاً واضحاً في الإتفاقية الخليجية الموحدة على معاملتها كمنتج محلي وطني دون تمييز). لذلك إجبار الدولة على شراء المنتج المحلي من خلال تأطيره بقانون بسعر يفوق منافسيه برغم الدعومات المادية والإدارية هو بإعتقادنا هدر للدعوم واستنزاف للمال العام، وهذا ما شكل تحمل الميزانية العامة أعباء مالية إضافية بقيمة تتجاوز المليار دينار تقريباً وبدون أدنى عناية للمال العام. لذا فإن الأصل هنا هو سن قوانين تشجع وتحفز وترعى البيئة الصناعية بتوزيع أراضي صناعية واستخراج رخص للمواد الخام وبعدها تأطيرها بقوانين لحماية المصانع الصغيرة والمتوسطة ومن ثم العمل على حماية البيئة الكويتية الصناعية من الإغراق، ونخشى أن الإخلال بالترتيب سيكون له أثر سلبي للمصانع الكويتية والمستهلك الكويتي.
الخلل الحقيقي الذي نؤمن بوجوده بالجمعية الاقتصادية الكويتية يكمن في كيفية دعم المنتج المحلي الصغير والمتوسط من المصنع الصغير والمتوسط لمنافسة المنتج المحلي الكبير مما يحقق الهدف من تعزيز المشاريع الصغيرة والمبادرين وهذا يأتي تنميةً للمشاريع الصغيرة ورعايتها، ودعم المنافسة بين المنتجات المحلية. وتدعو الجمعية إلى أن هذا الحل سيساهم في حماية المنتج المحلي الصغير والمتوسط ودفع المنتج الكبير للتوسع خارج السوق المحلي مما يساهم في تدفق العملة الأجنبية للسوق المحلي والتحول لشركات إقليمية وعالمية أسوة بالتجارب المحلية السابقة. كذلك لا يخالف هذا الحل الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة التي التزمت بها الكويت دولياً وأهمها الاتفاقية الاقتصادية الخليجية ومن شأنه التأثير بشكل إيجابي كبير على المال العام وعلى فئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ختاماً، الدور الأصيل للجمعية الاقتصادية الكويتية في الضغط على صناع القرار تجاه فكرة للصالح العام تحتم علينا أن ندعوا الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الأمة والمهتمين في هذا الشأن من الفنيين والأكاديميين والصناعيين لاسيما الاخوة الافاضل مقدمي الطلب في جلسة حوارية للحديث عن هذا الموضوع حتى يكون للنقاش معنى ونصل إلى قاعدة عامة متفق عليها تضمن للمال العام حرمته وللصالح العام فائدته.