رأس المال المغامر .. حماس قصير النظر وطموح جامح

كتب أسامة صالح
في هذه الأوقات الحالكة، يحتاج العالم إلى جرعة من الأمل. في اللحظة المناسبة، ظهر مارك أندريسن، صاحب رأس المال المغامر الذي لا يمكن كبحه، متحدثا بحماس عن بيانه الأخير المتفائل بالتكنولوجيا. كتب المؤسس المشارك لشركة أندريسن هورويتز الأسبوع الماضي: «أعطنا مشكلة عالمية حقيقية، وسنتمكن من اختراع التكنولوجيا التي ستحلها».
بغض النظر عن مليارات الدولارات التي أهدرت على الاستثمار في العملات المشفرة والاستثمارات غير المثمرة في ميتافيرس، والانهيار الأخير في تقييمات السوق الخاصة، والفتور المستمر في أسواق عمليات الإدراج العامة، لا تزال الآلة الرأسمالية التكنولوجية لوادي السيليكون تطن بما ترسخ لديها من اعتقاد بأنها قادرة على بناء مستقبل أفضل. وبالنسبة إلى مراقب خارجي، يبدو الأمر كأنه «أيديولوجية معتادة» في أرض رأس المال المغامر.
مع ذلك، عندما انخفض الصوت، كانت شركات رأسمال مغامر كثيرة تعيد التفكير بهدوء في لعبتها المالية، مدركة أن الظروف المواتية الفريدة التي استفادت منها صناعتها على مدى العقدين الماضيين لن تتكرر أبدا.
في العام الماضي، تكهن بعض المعلقين حول ما إذا كانت الصناعة قد وصلت إلى «لحظة مينسكي»، عندما انهارت قيم الأصول فجأة بعد فترة من المضاربات المتهورة. (لم يكن هناك شيء بهذه القوة حتى الآن).
في هذا العام، تساءل آخرون عما إذا كنا قد اقتربنا من نهاية عصر ريادة الأعمال الذي يقوده رأس المال المغامر. بالنسبة إلى صناعة مبنية على الحماس قصير النظر والطموح الجامح، تدور شكوك كثيرة حولها حيث تكافح صناديق رأسمال مغامر عديدة لجمع المال. يحتاج رواة القصص إلى قصة جديدة.
من المؤكد أن صناعة رأس المال المغامر شهدت عصرا ذهبيا خلال العقدين الأولين من هذا القرن. أدى التبني شبه العالمي للإنترنت والهواتف الذكية إلى إنشاء البنية التحتية الرقمية لشركات التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي يدعمها رأس المال المغامر لكي تزدهر.
ومع تأثيرات الشبكة الهائلة والتكاليف الهامشية الضئيلة، كانت شركات الإنترنت الاستهلاكية مغرية لمستثمري رأس المال المغامر، ما مكنها من تحويل استثمارات صغيرة نسبيا في مرحلة مبكرة إلى تحقيق مكاسب ضخمة. علاوة على ذلك، سمحت الظروف النقدية الفضفاضة إلى حد غير عادي بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 لشركات رأس المال المغامر بجمع أموال رخيصة وإلقائها على الشركات سريعة النمو، مثل: أوبر وإير بي إن بي.
إن نموذج استخدام رأس المال كاستراتيجية، الذي يعطي الأولوية لنمو الإيرادات على توليد النقد أو الأرباح، أصبح من الصعب جدا تحقيقه الآن، لأن المال مكلف. عندما زار بريان تشيسكي، المؤسس المشارك لشركة إير بي إن بي، «فاينانشيال تايمز» أخيرا، أقر بأن شركته لم تكن لتتمكن أبدا من اتباع استراتيجية النمو التي كانت تتبعها في العقد الثاني من القرن الحالي اليوم.
كما أصبحت البيئة التنظيمية المتساهلة في الولايات المتحدة أكثر تشددا. ولن تمكن الشركات الناشئة وشركات رأس المال المغامر بعد الآن من بيع أصولها إلى شركات التكنولوجيا النهمة، وإعادة تدوير الأموال بشكل غير مباشر في استثمارات جديدة. وفقا لتقرير صدر عام 2021 من شركة سي بي إنسايتس، أتمت شركات التكنولوجيا الكبرى أكثر من 800 عملية استحواذ على مدار الـ30 عاما الماضية. لكن نظام مكافحة الاحتكار الأكثر صرامة في واشنطن حال دون اللجوء إلى عديد من استراتيجيات المبيعات التجارية (بيع شركة كليا أو جزئيا كاستراتيجية خروج يتبعها أصحاب الشركات أو المستثمرون)، بينما لا يزال مسار الإدراج في الأسواق المالية مليئا بالحفر.
نظرا لهذه التوقعات القاتمة، فإن كثيرا ممن يسمون بـالمستثمرين «السياح» الذين تدفقوا إلى فئة أسواق القطاع الخاص في مراحلها الأخيرة في أواخر العقد الثاني من القرن الحالي، قد عادوا إلى ديارهم.
كتب سام ليسين، الشريك في شركة سلو فنتشرز، الأسبوع الماضي في بيان «واقعي-تكنولوجي» في مجلة ذا إنفورميشن، إنه تم إغلاق خط مصنع رأس المال المغامر الذي ينتج شركات يونيكورن للبرمجيات الموحدة (شركات ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار).
إن رأس المال المغامر يعود إلى جذوره كصناعة حرفية صغيرة بعد فشله في أن يصبح فئة أصول مؤسسية. وهذا يناسب بعض شركات رأس المال المغامر جيدا. يقول داني ريمر، الشريك في شركة إندكس فنتشرز: «مهمتنا هي العثور على رواد الأعمال الذين وجدوا لبناء الصناعات»، واصفا رأس المال المغامر بأنه «صناعة الشغف». ويضيف: «نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للاستثمار. إننا نحب أن نكون مخالفين للاتجاه».
تحاول شركات أخرى كتابة قواعد لعب جديدة. مثلا، سيندمج صندوق جنرال كاتاليست، وهو صندوق أمريكي يمول الشركات الناضجة، مع صندوق لا فاميليا، وهو صندوق ألماني يمول المراحل الأولى، الأمر الذي يجمع بين الخبرة الدولية والمعرفة المحلية.
لقد ظلت صناعة رأس المال المغامر عالقة في صيغة واحدة محددة للغاية لتمويل شركات البرمجيات، وسيتعين عليها إيجاد طرق أكثر ابتكارا لدعم شركات تكنولوجيا المناخ والأجهزة الصناعية، كما تقترح جوديث دادا، وهي شريكة في صندوق لا فاميليا. «سوف يتطور النظام البيئي لصناعة رأس المال المغامر. ونجاحات الغد لن تبدو مثل نجاحات الأمس».
تماما كما هي الحال في قمة أي سوق صاعدة، من الخطر الاعتقاد بأن «هذه المرة مختلفة»، كذلك في قاع أي سوق هابطة أيضا. لكن قبل كل شيء، يتمنى مستثمرو رأس المال المغامر أن تنخفض أسعار الفائدة، وتتحول دورة السوق، وأن تنتعش عواطف المستثمرين.