مقالات اقتصادية

هل تجد تكنولوجيا بلوكتشين موطئ قدم في الخدمات المالية؟

كتب أسامة صالح

عندما تم تعيين بلايث ماسترز، إحدى كبار المديرين التنفيذيين سابقا في جيه بي مورجان تشيس وخبيرة مالية بارزة في وول ستريت، رئيسة تنفيذية لشركة ديجيتال أسيت هولدينغز لتكنولوجيا بلوكتشين في 2015، رأى كثيرون في ذلك علامة على أن التكنولوجيا – الخاصة ببناء شبكات معاملات آمنة – ستقلب الخدمات المالية رأسا على عقب.
في ذلك الوقت، قالت ماسترز لوكالة “بلومبيرج نيوز”: “يجب أن تأخذوا هذه التكنولوجيا على محمل الجد كما كان ينبغي أن تفعلوا ذلك مع تطوير الإنترنت في أوائل التسعينيات”.
وبعد ثمانية أعوام، لم تحقق حتى الآن الشركات الناشئة في مجال بلوكتشين، مثل “ديجيتال أسيتس”، تقدما كبيرا في عالم التمويل خارج نطاق العملات المشفرة، حيث بدأت هذه التكنولوجيا. غادرت ماسترز “ديجيتال أسيتس” بعد ثلاثة أعوام من انضمامها لها. وفي مايو، عادت إلى وول ستريت وعودتها كانت جزءا من الجهود الفاشلة لإنقاذ كريدي سويس السويسري.

انهيار العملات المشفرة يخيف الصناعة

بعد الانهيارات المذهلة التي شهدتها العملات المشفرة العام الماضي، يبدو أن مسألة مدى جدية صناعة الخدمات المالية في التعامل مع تكنولوجيا بلوكتشين قد أصبحت أكثر غموضا مما كانت عليه قبل ثمانية أعوام. في أواخر العام الماضي، في أعقاب انهيار بورصة إف تي إكس للعملات المشفرة، تم تعليق عدد من مشاريع بلوكتشين البارزة، ومن بينها مشروع من البورصة الأسترالية.
يقول روبرت روراك، الذي يقود التكنولوجيا المالية في الولايات المتحدة لدى كيه بي إم جي، إحدى شركات المحاسبة الأربع الكبرى: “سخر قدر كبير من الطاقة على جانب العملات المشفرة. وعندما حدث الانهيار، تم سحب كل تلك الاستثمارات”.
مع ذلك، يقول خبراء التمويل إن الوعد الذي تقدمه تكنولوجيا بلوكتشين وإمكانية تغييرها وول ستريت وما وراءها لا يزال قائما. وأحد الأسباب الرئيسة لذلك يتعلق بماهية بلوكتشين.
إن نظام بلوكتشين، الذي في الأغلب ما يوصف بأنه دفاتر موزعة، هو في جوهره جداول بيانات متطورة ولكنها مفتوحة. تخيل جدول من جوجل يمنح محرره لأي شخص في العالم إمكانية الوصول إليه. لا توجد بلوكتشين واحدة، ولكن كل أصل رقمي أو عملة أو رمز مميز له بلوكتشين خاصة به.
لكن الرمز الذي يجعل جدول البيانات يعمل، مشفر- وهذا هو الابتكار في تكنولوجيا بلوكتشين وحيث يأتي “التشفير” في العملات المشفرة. لذلك، في حين أن بإمكان أي شخص الاطلاع على جدول بيانات بلوكتشين، من أجل تحريره (عادة لإدخال معاملة)، فإنك تحتاج إلى الحصول على الرمز المحدد (يسمى مفتاحا أحيانا) ويجب عليك إدخال تغيير منطقي في سياق بقية جدول البيانات.
لذلك، في حين أنه يمكن لأي شخص الاطلاع على أنظمة بلوكتشين، فإنه يكاد يكون من المستحيل اختراقها. لا يعني ذلك أنك لم تسمع عن اختراقات لبلوكتشين أو العملات المشفرة – فقد حدث كثير منها. لكن معظم الاختراقات تنطوي على الوصول إلى الرموز الرئيسة، التي يتم تخزينها خارج بلوكتشين.
يقول ديفيد تريت، أحد كبار المديرين الإداريين في شركة أكسنتشر الاستشارية والمتخصص في التكنولوجيا وأسواق المال، إن حقيقة أن تكنولوجيا بلوكتشين تجعل الأسواق أكثر شفافية هي فائدة كبيرة للتكنولوجيا. “الجميع يحصلون على المعلومات نفسها تماما في الوقت نفسه بالضبط.” ويقول إن ذلك يتطابق مع الاتجاه الذي تسير عليه الأسواق المالية – أي نحو “وصول أكبر إلى المعلومات بطريقة قابلة للتدقيق”.

لماذا لم تنتقل الأسواق المالية إلى بلوكتشين بعد؟

إذن، ما الذي يعوق الانتقال إلى بلوكتشين؟ إلى حد كبير، يتعلق الأمر بالتنظيم، كما يقول تريت. يجب على المنظمين ضمان عدالة الأسواق، لذلك يتعين عليهم الموافقة على التغييرات. وهذا يؤدي إلى إبطاء سرعة انتقال الأسواق إلى بنى تحتية جديدة – خاصة في الأوراق المالية، مثل السندات أو السلع أو الأسهم، حيث استثمر المستثمرون الأفراد مبالغ كبيرة من المال.
يقول متخصصون في الصناعة إن هناك عقبة أخرى تتعلق بالسيولة. تميل الأسواق ذات النشاط الأكبر إلى أن تكون لديها أسعار أفضل وتكاليف معاملات أقل، حتى لو كانت التكنولوجيا وهيكل السوق أفضل في أماكن أخرى. قد يكون هذا هو السبب وراء نجاح تكنولوجيا بلوكتشين في أسواق العملات المشفرة، التي لم تكن موجودة قبل التكنولوجيا، ولكن ليس في سوق السندات، مثلا، حيث يتم تداول تريليونات الدولارات حاليا من خلال شبكات قائمة.

أين تم اعتماد بلوكتشين؟

يقول مراقبون إن المجالات التي تتطلب نموا ملحا في استخدام بلوكتشين هي الوظائف المقترنة في أسواق التداول والأسواق النقدية، مثل تسوية التداولات ومعالجتها. ربط المعاملات المسجلة في نظام بلوكتشين بتلك المسجلة خارج بلوكتشين هو العائق هنا.
لكن بعض الشركات، وأبرزها منصة تشاينلينك لخدمات ويب 3، تعمل على تطوير برمجيات تربط بلوكتشين بالبيانات الخارجية. في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شبكة سويفت العالمية للمراسلة المالية المملوكة لأكبر البنوك حول العالم بشكل مشترك، عن شراكة مع تشاينلينك. وفي أغسطس، نجحت سويفت وتشاينلينك في اختبار نظام يمكنه نقل القيمة من نظام بلوكتشين إلى آخر، ما يسمح للشبكات المفتوحة، والمنعزلة، بالتواصل فيما بينها.
في علامة أخرى على كيفية اعتماد بلوكتشين على نطاق أوسع في الخدمات المصرفية التقليدية، أعلن كل من سيتي جروب وجيه بي مورجان عن مشاريع بلوكتشين في الأسابيع الأخيرة.
يختبر بنك سيتي مشروع بلوكتشين يسمح لعملائه من المؤسسات والشركات بتحويل الأموال النقدية إلى رموز رقمية، ما يسهل نقل الأموال في الأوقات التي تكون فيها الأسواق المالية التقليدية مغلقة. لكن في الوقت الحالي، لا يمكن نقل الرموز المميزة لبنك سيتي إلا داخليا، لكن البنك يعمل مع المنظمين وغيرهم في الصناعة المالية لإنشاء بنية تسمح بنقل الرموز بين البنوك والمؤسسات الأخرى.
في أوائل أكتوبر، قال جيه بي مورجان إنه بدأ في معالجة المعاملات بين العملاء باستخدام شبكة تسوية مبنية على تكنولوجيا بلوكتشين.
يقول تريت من شركة أكسنتشر: “عندما أتراجع وأنظر إلى مشاريع بلوكتشين في الأسواق المالية التقليدية، أعتقد أن التقدم جيد جدا. إن رؤية إنشاء شبكات مبسطة تدعمها تكنولوجيا بلوكتشين موجودة، ولكنها ستستغرق وقتا فقط”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى