مقالات اقتصادية

بيان الحقيقة .. الذكاء الاصطناعي يقرأ ما بين السطور

كتب أسامة صالح

عند إعلان الأرباح الأخير له بصفته الرئيس التنفيذي لشركة إيلومينا للتسلسل الجيني، فعل فرانسيز ديسوزا كل ما بوسعه ليبقى متفائلا.
أدت عملية استحواذ مثيرة للجدل بقيمة ثمانية مليارات دولار على شركة جريل لفحوص السرطان إلى حملة من المستثمر النشط كارل إيكان، وخلافات مع هيئات المنافسة على جانبي الأطلسي، وانتقادات من المديرين المؤسسين لـ”جريل”.
أخبر ديسوزا المحللين أن هذه الدراما لا تؤثر إلا في “جزء صغير جدا من الشركة”.
لكن في كل مرة كان يسأل فيها عن “جريل”، كانت هناك تغيرات في معدل حديثه ونبرته وارتفاع صوته، وفقا لشركة سبيتش كرافت أناليتكس، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل التسجيلات الصوتية. كما كان هناك زيادة في استخدام كلمات الحشو مثل “امم” و”آه”، حتى بلع ريقه كان مسموعا.
ينم ذلك عن “علامات على القلق والتوتر خاصة عند الحديث عن هذه المسألة الحساسة”، حسبما قال ديفيد بوب، كبير علماء البيانات في “سبيتش كرافت أناليتكس”.
استقال ديسوزا بعد أقل من شهرين.
جذبت فكرة أن التسجيلات الصوتية قد توفر معلومات عن مشاعر المسؤولين التنفيذيين الحقيقية اهتمام بعض أكبر المستثمرين في العالم.
تستخدم بعض الصناديق بالفعل خوارزميات للبحث في نصوص إعلانات الأرباح وعروض الشركات التقديمية لجمع الدلائل من الكلمات التي يختارها المسؤولون التنفيذيون – يعرف هذا المجال بـ”معالجة اللغة الطبيعية”. وتحاول الآن إيجاد دلائل أكثر في طريقة نطق هذه الكلمات.
قال مايك تشين، رئيس بحوث ألفا الاستثمارات البديلة في شركة روبيكو لإدارة الأصول. “تكمن الفكرة في أن الصوت يعبر عما هو أكثر مما في النصوص فقط. حتى إن كان لديك آلة دلالية معقدة فلن توضح إلا الدلالات”.
التردد وكلمات الحشو غير موجودة عادة من النصوص، ويستطيع الذكاء الاصطناعي أيضا التقاط بعض “الهزات الدقيقة” غير المسموعة للأذن البشرية.
بدأت “روبيكو”، التي تدير أكثر من 80 مليار دولار في الصناديق المدفوعة بالخوارزميات، ما يجعلها واحدة من أكبر شركات التحليل الكمي، في إضافة إشارات صوتية التقطها الذكاء الاصطناعي إلى استراتيجياتها في وقت سابق من هذا العام. قال تشين إنها أضافت إلى العوائد، وإنه يتوقع أن يحذو مزيد من المستثمرين حذوهم.
يمثل استخدام الصوت مستوى جديدا في لعبة القط والفأر بين مديري الصناديق والمسؤولين التنفيذيين.
“وجدنا قيمة هائلة في النصوص”، كما قال يين لو، رئيس الأبحاث الكمية في شركة وولف ريسيرش. “المشكلة التي نشأت بالنسبة إلينا وإلى كثيرين آخرين هي أن المعنويات العامة تصبح إيجابية أكثر فأكثر (…) لأن إدارة الشركة تعرف أن رسائلها يتم تحليلها”.
وجدت عدة أوراق بحثية أن العروض التقديمية أصبحت أكثر إيجابية منذ ظهور معالجة اللغة الطبيعية، حيث تعدل الشركات طريقة حديثها للتلاعب بالخوارزميات.
كما وجدت ورقة بحثية شارك لو في كتابتها بداية هذا العام أن الجمع بين معالجة اللغة الطبيعية التقليدية والتحليل الصوتي هي وسيلة فاعلة للتمييز بين الشركات التي أصبحت ملفاتها “موحدة” بشكل متزايد.
على الرغم من انخفاض التكاليف، فإن هذا النهج قد لا يزال يكون مكلفا نسبيا. أمضت “روبيكو” ثلاثة أعوام في الاستثمار في بنية تحتية تكنولوجية جديدة قبل أن تبدأ حتى بالعمل على تضمين التحليل الصوتي.
قضى تشين أعواما يحاول استخدام الصوت قبل انضمامه إلى “روبيكو”، لكنه وجد أن التكنولوجيا لم تكن متطورة بالقدر الكافي. وبينما تحسنت المعلومات المتاحة، فلا تزال هناك قيود.
لتجنب القفز إلى الاستنتاجات المبنية على اختلاف الشخصيات – قد يكون بعض المسؤولين التنفيذيين أكثر انفعالية من غيرهم – فإن أكثر التحليلات موثوقية تكون بمقارنة خطابات مختلفة للشخص نفسه مع مرور الوقت. لكن قد يجعل ذلك من الصعب الحكم على أداء القادة الجدد – يمكن القول إنه الوقت الذي ستكون فيه المعلومات مفيدة بشكل خاص.
“أحد القيود في معالجة اللغة الطبيعية هو أن تغيير الرئيس التنفيذي يفسد تحليل المعنويات العامة”، كما قال أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة تقدم التحليل بمعالجة اللغة الطبيعية. “لا بد أن يكون تأثير الاضطراب هذا أقوى مع الصوت”.
كما يجب أن يتفادى المطورون إضافة تحيزاتهم الخاصة إلى الخوارزميات القائمة على الصوت، حيث يمكن أن تكون الاختلافات مثل الجنس أو الطبقة أو العرق أكثر وضوحا من النص.
قال تشين، “نحن حريصون للغاية على التأكد من تثبيط التحيزات المتعمدة التي ندركها، ولكن لا يزال هناك تحيزات لا نعيها. إن وجود فريق بحثي كبير ومتنوع في روبيكو يساعد على ذلك”.
يمكن أن تعطينا الخوارزميات نتائج مضللة إذا حاولت تحليل كلام شخص يتحدث بلغة غير أصلية، والتفسير الذي ينجح في لغة ما قد لا ينجح في الأخرى.
تماما كما حاولت الشركات التكيف مع التحليل النصي، توقع بوب أن تبدأ فرق علاقات المستثمرين في تدريب المسؤولين التنفيذيين على مراقبة نبرة الصوت والسلوكيات الأخرى غير الموجودة في النصوص. يكافح تحليل الصوت مع الممثلين المدربين الذين يمكنهم تقمص الشخصية التي يمثلونها بشكل مقنع، لكن محاكاة ذلك قد تكون صعبة بالنسبة إلى المسؤولين التنفيذيين.
“قلة منا يجيدون تعديل أصواتهم. من الأسهل علينا اختيار كلماتنا بعناية، فقد تعلمنا ذلك منذ أن كنا صغارا جدا لتجنب المشكلات”، كما قال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى