مكاسب الإنتاجية .. مراد الاقتصاد صعب المنال يبزغ مجددا

كتب أسامة صالح
أصبح الارتفاع لفترة أطول هو الشعار السائد في أسواق السندات هذا العام، إذ في الغالب يبرز استراتيجية محافظي البنوك المركزية في معالجة التضخم المرتفع – رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل بما يكفي وإبقائها عند هذا المستوى لفترة كافية لتهدئة النشاط الاقتصادي وخفض التضخم إلى الهدف.
وكثيرا ما يستشهد بعوامل أخرى غير السياسة النقدية لتفسير سبب بقاء التضخم وأسعار الفائدة عاليين في هذه الدورة. تشمل هذه العوامل ارتفاع العجز في الميزانيات الحكومية حول العالم وتجزؤ سلاسل التوريد العالمية، حيث تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى تغيير العلاقات التجارية، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي.
هذه العوامل ليست سوى الجانب المظلم من القصة: فالارتفاع في عوائد السندات الأطول أجلا، الذي بدأ الصيف الماضي جاء في المقام الأول بعد أن أثبت الاقتصاد الأمريكي أنه أكثر مرونة من المتوقع، بينما تراجع التضخم أسرع مما كان متوقعا. وكان هذا يتناقض بشكل مباشر مع السرد الكلي القائل: إن الركود سيكون ضروريا لخفض التضخم.
وتنبع هذه النتيجة من عودة مراد الاقتصاد صعب المنال إلى الظهور ـ مكاسب الإنتاجية. تعمل الإنتاجية على تسهيل النمو الاقتصادي دون تضخم لأنها تجمع بين الموارد بطرق أكثر كفاءة من أي وقت مضى. ويمكن أن ترتبط أيضا بارتفاع أسعار الفائدة المتوازنة، نظرا لأن نمو الاقتصاد وازدهاره لا يعتمدان على أسعار الفائدة المنخفضة.
يفترض الاقتصاديون عموما اتجاها للنمو في الولايات المتحدة يبلغ نحو 2 في المائة، وهو ما يتضمن افتراضا بأن الإنتاجية ستنمو نحو 1.5 في المائة سنويا وأن النمو السكاني سيكون في حدود 0.5 في المائة. بداية العام حتى 30 سبتمبر، نمت إنتاجية قطاع الأعمال غير الزراعية 2.2 في المائة بعد أداء سيئ العام السابق، أي ضعف الاتجاه على مدى عشرة أعوام قبل الجائحة البالغ 1.1 في المائة فقط سنويا.
ويمكن إرجاع بعض هذا الانتعاش إلى تعافي عمليات سلاسل التوريد العالمية. كانت الاختلافات المرتبطة بالجائحة مصدرا رئيسا لعرقلة عمليات الشركات في 2021 و2022 والتضخم في أسعار البضائع الاستهلاكية والصناعية. شهد هذا العام عودة عمليات سلاسل التوريد سريعا إلى طبيعتها وما صاحب ذلك من هدوء تضخم البضائع. قد يكون مصدر تحسين الإنتاجية هذا قصير الأجل، لأن تعافي سلاسل التوريد لن يستمر في خفض تكاليف إنتاج كل وحدة.
السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت الإنتاجية قادرة على الاستمرار في النمو بوتيرة صحية. هناك سببان للاعتقاد بأن أداء الإنتاجية يمكن أن يتحسن بعد الأداء الباهت في أعقاب الأزمة المالية في عامي 2008 و2009.
الأول يتعلق بتعافي سوق العمل المحمومة. لقد ترك عدد قياسي من الأشخاص وظائفهم في الأعوام القليلة الماضية. كان هذا تحديا أمام الشركات، لكن معدلات ترك العمل عادت إلى الانخفاض نحو مستويات ما قبل الجائحة، وهو ما يمكن أن يوفر دفعة للإنتاجية على المدى القريب مع انخفاض تكاليف توظيف العمال الجدد وتدريبهم.
كما يمكن أن يؤدي انتقال الموظفين في الأعوام الأخيرة إلى تحقيق أرباح على المدى الطويل لأنه قد يعني أنهم يتناسبون مع أصحاب العمل الأكثر ملاءمة. وفي استطلاع حديث أجرته منظمة كونفرنس بورد، قال 62.3 في المائة من العمال الأمريكيين: إنهم راضون عن وظائفهم في 2022 – ارتفاعا من 60.2 في المائة عام 2021 وهو أعلى مستوى تم تسجيله منذ بدء الاستطلاع في 1987.
هناك نتيجة ثانوية أخرى لسوق العمل المحمومة – فضلا عن التحديات التشغيلية الفريدة للجائحة – وهي أننا شهدنا أول ركود دون انخفاض ممتد في استثمار الشركات، وهي السمة المميزة لمعظم فترات التراجع.
حافظت الشركات على الاستثمار في المعدات والملكية الفكرية بمعدل مرتفع تاريخيا لتلبية احتياجات العمل عن بعد، إضافة إلى تعويض بعض الحاجة إلى العمال وسط سوق عمل ضيقة للغاية.
يمكن القول إن الأدوات التكنولوجية المتاحة للشركات لإعادة هندسة العمليات التجارية وتحقيق الكفاءة أكثر وفرة منذ أي وقت مضى. وإذا وصلت إلى ما يقارب متوسط عائد تاريخي على الاستثمارات التي تمت على مدى الأعوام القليلة الماضية، فقد نكون في طريقنا نحو اتجاه إنتاجي أفضل في هذه الدورة.
سيتضح مدى صحة ما إذا كان يمكن أن يستمر التضخم في التباطؤ دون حدوث ضعف اقتصادي واضح. وإذا لم نكن في اتجاه إنتاجي محسن، فقد لا تظل الفائدة مرتفعة فترة أطول. وسيضطر محافظو البنوك المركزية إلى خفض التضخم بالطريقة الصعبة من خلال ركود من المرجح أن يدفع أسعار الفائدة الأطول أجلا إلى الانخفاض على حساب أسعار الأصول الخطرة.
إن المجموعة الحالية من ارتفاع أسعار الفائدة الأطول أجلا، وارتفاع أسعار المساكن والأسهم، تعتمد فعليا على اتجاه إنتاجي أفضل، وهناك على الأقل بضعة أسباب تدعو إلى شيء من التفاؤل.