اقتصاد دولي

نقص الرقائق يدفع شركات الذكاء الاصطناعي نحو البحث عن بدائل

أثرت أزمة الرقائق المستمرة في الشركات الكبيرة والصغيرة بما في ذلك بعض المنصات الرائدة في صناعة الذكاء الاصطناعي، وقد لا تتحسن الأزمة بشكل ملموس قبل عام أو أكثر، وفقاً لمحللي الصناعة.

وجاءت أحدث علامات النقص المحتمل لرقائق الذكاء الاصطناعي في التقرير السنوي لشركة “مايكروسوفت” الصادر أخيراً، والذي يحدد للمرة الأولى مدى توافر وحدات معالجة الرسومات “جي بي يو إس” التي تعد نوعاً مهماً من الأجهزة التي تساعد في إجراء عمليات حسابية لا حصر لها، متضمنة التدريب ونشر خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

وفي بيان حديث كتبت “مايكروسوفت”، “نواصل تحديد وتقييم الفرص لتوسيع مواقع مراكز البيانات لدينا وزيادة سعة خادمنا لتلبية الحاجات المتطورة لعملائنا، لا سيما بالنظر إلى الطلب المتزايد على خدمات الذكاء الاصطناعي، إذ تعتمد مراكز البيانات لدينا على مدى توافر إمدادات الشبكات والخوادم، بما في ذلك وحدات معالجة الرسومات والمكونات الأخرى”.

الشركات تكافح لتلبية الطلبات

وتسلط إشارة شركة “مايكروسوفت” إلى وحدات معالجة الرسومات الضوء على كيفية الوصول إلى قوة الحوسبة كعقبة حاسمة للذكاء الاصطناعي، وتؤثر المشكلة بصورة مباشرة في الشركات التي تتبني أدوات ومنتجات الذكاء الاصطناعي، وتؤثر بشكل غير مباشر في الشركات والمستخدمين النهائيين الذين يأملون في تطبيق التكنولوجيا لأغراضهم الخاصة.

وخلال شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي في مايو (أيار) الماضي، أشار الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن آي” سام التمان إلى أن أداة “شاتوبت” الخاصة بالشركة كانت تكافح لمواكبة عدد الطلبات التي كان المستخدمون يطرحونها عليها.

أضاف “نحن نفتقر إلى وحدات معالجة الرسومات، فكلما قل عدد الأشخاص الذين يستخدمون الأداة كان ذلك أفضل”، بينما قال متحدث باسم “أوبن آي” إن الشركة ملتزمة بضمان سعة كافية للمستخدمين.

وتذكرنا المشكلة بنقص الإلكترونيات الاستهلاكية الشعبية التي شهدت اندفاع عشاق الألعاب خلال حقبة الوباء وبالتالي ارتفاع أسعارها بشكل باهظ جداً، وفي ذلك الوقت أسهمت تأخرات التصنيع ونقص العمالة واضطرابات الشحن العالمي في ندرة المعروض من وحدات معالجة الرسومات.

شركة واحدة بقيمة تريليون دولار

لكن خبراء الصناعة يقولون إن النقص الحالي يختلف كثيراً من حيث النوع، وبدلاً من تعطل إمدادات وحدات معالجة الرسومات التي تركز على المستهلك، يعكس النقص المستمر الطلب المفاجئ على وحدات معالجة الرسومات فائقة الجودة والمخصصة للعمل المتقدم، مثل التدريب واستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي.

ويقول نائب الرئيس الأول في وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس” راج غوشي إن إنتاج وحدات معالجة الرسومات تشهد اندفاعاً في الطلب يطغى على مصادر التوريد القليلة الموجودة، موضحاً أن هناك طلباً مرتفعاً قادماً من الشركات بصورة لا مثيل لها، وأن الصناعة لم تكن مستعدة لهذا النوع من زيادة الطلب.

لكن شركة واحدة ستستفيد بشكل كبير من طفرة الذكاء الاصطناعي وهي “نيفيديا”، صانعة الرقائق التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، وتتحكم وفقاً لتقديرات الصناعة في 84 في المئة من سوق وحدات معالجة الرسومات المنفصلة.

وفي مذكرة بحثية نشرت في مايو الماضي قدر غوشي أن “نيفيديا” ستشهد نمواً لا مثيل له في الإيرادات خلال الأرباع المقبلة، إذ تفوق عائدات أعمال مراكز البيانات الخاصة بها عائدات منافسيها مثل “إنتل” و “إي أم دي” مجتمعتين.

وفي بيان الأرباح الأخير قالت شركة “نيفيديا” إنها “اشترت معروضاً أعلى بكثير للنصف الثاني من العام لتلبية الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي”.

وقالت الرئيس التنفيذي لشركة “إي أم دي” ليزا سو إن “هناك اهتماماً قوياً جداً من العملاء في جميع المجالات بحلول الذكاء الاصطناعي لدينا، وهناك كثير يتعين علينا القيام به، لكنني أود أن أقول إن التقدم الذي أحرزناه كان كبيراً”.

تصنيع الرقائق أولوية أميركية

ومما يزيد المشكلة تعقيداً أن صانعي وحدة معالجة الرسومات أنفسهم لا يمكنهم الحصول على ما يكفي من المدخلات الرئيسة من مورديهم، كما قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “دي ماتريكس” الناشئة للذكاء الاصطناعي سيد شي.

وتعمل هذه التقنية المعروفة باسم “فاصل السيليكون” من طريق الجمع بين رقائق الحوسبة المستقلة مع شرائح ذاكرة ذات عرض نطاق ترددي عال، وهي ضرورية لاستكمال وحدات معالجة الرسومات.

وجعلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة قدرة تصنيع الرقائق الأميركية أولوية، ومن المقرر أن يوفر إقرار قانون دعم تصنيع الرقائق “تشيبس” تمويلاً بالمليارات لصناعة الرقائق المحلية ولأبحاث التطوير، لكن هذه الاستثمارات تستهدف بشكل عام مجموعة واسعة من تقنيات الرقائق، ولا تستهدف وحسب تعزيز إنتاج وحدة معالجة الرسومات.

ومن المتوقع أن يتراجع النقص في الرقائق مع ظهور مزيد من المصنعين، ومع قيام المنافسين لشركة “نيفيديا” أيضاً بتوسيع عروضهم، إلا أن بعض خبراء الصناعة يقولون إن ذلك قد يستغرق ما يصل إلى عامين إلى ثلاثة أعوام.

وفي غضون ذلك قد يجبر النقص الشركات على إيجاد طرق مبتكرة لحل المشكلة، ويمكن أن يشمل ذلك على سبيل المثال استخدام نماذج ذكاء اصطناعي أصغر قد تكون أسهل وأقل كثافة من الناحية الحسابية للتدريب من نموذج ضخم، أو تطوير طرق جديدة لإجراء العمليات الحسابية التي لا تعتمد بصورة كبيرة على وحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجة الرسومات التقليدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى