مقالات اقتصادية

لماذا وجهت دول مجلس التعاون الخليجي بوصلة استثماراتها نحو القارة السمراء

كتب اسامة صالح

تحولت بوصلة استثمارات غالبية دول مجلس التعاون الخليجي إلى أفريقيا خلال السنوات الماضية، مع بدء تنفيذها خططها للتحول الاقتصادي، وفي إطار التسابق العالمي على ثروات القارة السمراء والفرص الاقتصادية الذهبية فيها.
وتتمتع أفريقيا بثروات طبيعية هائلة غير مستغلة، في وقت تعاني كثير من دول القارة تحديات اقتصادية كبيرة، ولذلك تقدمت دول الخليج بخطوات واسعة ونجحت في تطوير العلاقات مع كثير من بلدانها، وساهمت في تنمية اقتصاداتها، من خلال شراكات واتفاقيات اقتصادية متنوعة.

واستفادت دول مجلس التعاون الخليجي من مميزاتها الخاصة حيث تتمتع بقدرات استثمارية كبيرة وموقع جغرافي استراتيجي، لتشكل ممراً للصادرات والواردات الأفريقية من وإلى مختلف دول العالم، خاصة للقارة الآسيوية.

وفقاً لبيانات “وايت آند كيس” (شركة محاماة عالمية مقرها نيويورك تخدم الشركات والحكومات والمؤسسات المالية)، فقد بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي إلى أفريقيا بين عامي 2012 و2022 نحو 101.9 مليار دولار توزعت على 628 مشروعاً.

دولة الإمارات العربية المتحدة
تصدرت دولة الإمارات قائمة أكثر الدول الخليجية استثماراً بالقارة الأفريقية، خلال الأعوام الـ10 الأخيرة.
وذكرت صحيفة “بيزنس إنسايدر أفريكا” المختصة بعالم المال والأعمال ومقرها نيويورك، في 8 أغسطس الجاري، أن دولة الإمارات منذ عام 2012 وحتى 2022، استثمرت في القارة السمراء بأكثر من 59 مليار دولار.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات “شكلت واحدة من أكثر الدول المستثمرة اقتصادياً في القارة السمراء، وأن التجارة زادت بين الإمارات وأفريقيا بشكل مطرد”.

وفي 6 أغسطس الجاري، قال موقع “ذا أفريكان” المختص بأخبار القارة الأفريقية، إن دولة الإمارات دخلت بقوة في المنافسة على سوق الاستثمار في القارة، حيث تستهدف حصة من سوق السلع البالغ نحو 1.2 مليار نسمة”.
وأشار الموقع إلى أن تركيز دولة الإمارات ينصب على الاستثمار في القطاعات ذات النمو المرتفع بالقارة السمراء مثل البنية التحتية والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا.

وأضاف: “على مدار العقد الماضي، برزت دولة الإمارات باعتبارها رابع أكبر مستثمر عالمياً في أفريقيا، بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة”.
وذكر أن “صعود دولة الامارات يعني مزيداً من المنافسة في سوق أفريقيا مع الولايات المتحدة والهند وروسيا والصين، التي تتمتع بنفوذ في القارة”.

ولفت الموقع الأفريقي إلى أن موانئ دبي العالمية، اللاعب الرئيسي في حلول سلسلة التوريد العالمية، استثمرت أكثر من 1.8 مليار دولار في أفريقيا على مدى السنوات العشر الماضية، وتخطط لاستثمار 3 مليارات دولار أخرى على مدى السنوات المقبلة.

المملكة العربية السعودية
تحل المملكة العربية السعودية في المركز الثاني خليجياً من حيث الوجود في سوق الاستثمارات الأفريقي بامتلاكها مشروعات بأكثر من 25 مليار دولار، وفق صحيفة “بيزنس إنسايدر أفريكا”.
ولن تتوقف الاستثمارات السعودية بالقارة عند هذا الحد، فقد قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في 19 يونيو الماضي في لقاء مع قناة “العربية”، إن الشركات السعودية ومن ضمنها “أكوا باور” و”أرامكو” تبحث عن الفرص الواعدة في الدول النامية، وذلك في مجالات الطاقة وتحلية المياه والهيدروجين الأخضر.
وأوضح الفالح أن “أفريقيا ستكون مصدراً للفرص، وهذا ما سيتم الإعلان عنه قريباً”.
هذا المخطط السعودي أكده أيضاً وزير التجارة ماجد القصبي، في تصريحات له العام الماضي، قال فيها إن المملكة تسعى لفتح أسواق جديدة واستثمارات واعدة في القارة الأفريقية.

وأضاف القصبي، في تصريحات صحفية آنذاك: إن “القارة الأفريقية غنية بثرواتها الطبيعية والبشرية وموقعها الجغرافي المتميز التي تجعلها جاذبة للاستثمارات، رغم ما تواجهه دولها من تحديات بمجالات البنية التحتية والبيئة والاستثمار والعوائق التجارية”.
وأشار إلى أن القارة الأفريقية تحوي نحو 60% من معادن العالم.

دولة قطر
أما دولة قطر فقد جاءت في المركز الثالث خليجياً بحجم استثماراتها في أفريقيا والذي بلغ نحو 7 مليارات دولار، حسب صحيفة “بيزنس إنسايدر أفريكا”.
وتسعى العاصمة الدوحة إلى مزيد من الاستثمارات في أفريقيا، حيث ذكرت صحيفة “maroc-diplomatique” المغربية والناطقة باللغة الفرنسية، في 18 يونيو الماضي، في تقرير لها، إن القارة السمراء تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لدولة قطر.

وقالت الصحيفة إن “دولة قطر ترى في القارة المكان الأنسب للاستثمار مستقبلاً، وإطلاق العديد من المشاريع في مختلف المجالات، وذلك بالنظر إلى العديد من المعطيات، في مقدمتها وفرة أفريقيا على كل المتطلبات لإنجاح أي مشروع”.
وهذه المتطلبات تتمثل بوجود اليد العاملة والمواد الخام، إضافة لظروف المناخ الملائمة التي من شأنها تسهيل عملية الاستثمار في مجموعة من القطاعات.
كما أن الاقتصادات والأسواق الأفريقية ما زالت بحاجة إلى المزيد من المستثمرين الأجانب، حسب الصحيفة.

وأشارت الصحيفة المغربية إلى أن الطاقة بجميع مجالاتها وأنواعها من أبرز القطاعات التي تهدف قطر للاستثمار فيها بأفريقيا في المستقبل.

ولفتت إلى أن دولة قطر تنفذ فعلياً العديد من مشاريع التنقيب في جنوب أفريقيا وموزمبيق، وتحرص على مواصلة الاستحواذ على حصص في مشاريع أخرى تخص التنقيب في دول القارة.

وإضافة إلى الطاقة فإن استثمارات دولة قطر في دول أفريقيا ستشمل البنية التحتية والصحة والأمن الغذائي والسياحة، وفق الصحيفة.

وخلال السنوات الماضية أجرى أمير دولة قطر، سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سلسلة زيارات إلى دول أفريقيا وأبرزها الجزائر ومصر وتونس والسودان ورواندا والسنغال، وغينيا كوناكري، ومالي، وكوت ديفوار، وبوركينافاسو، وجمهورية غانا.
وجرى خلال هذه الزيارات توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي عززت التعاون الثنائي مع الدول الأفريقية ووضعت الأساس لحزمة واسعة من الاستثمارات بالعديد من المجالات.

دولة الكويت ومملكة البحرين:

تملك دولة الكويت ومملكة البحرين كذلك استثمارات في أفريقيا ولكنها تظل محدودة وتتركز في دول عربية في شمال القارة، حيث تملك دولة الكويت مشاريع بـ5 مليارات دولار، ومملكة البحرين تستثمر بـ4 مليارات دولار، حسب صحيفة “بيزنس إنسايدر أفريكا”.
ووفق تقرير نشرته مجلة “ماريان” الفرنسية في العام 2021، فإن دولة الكويت كانت أول دولة خليجية راهنت على أفريقيا.

ونقلت المجلة عن مارك لافارني، الخبير في شؤون المنطقة في المعهد الفرنسي للبحث العلمي، قوله: إن “دولة الكويت قرّرت بين عامي 1970 و1980 الاستثمار بكثافة في أفريقيا وعلى الخصوص في منطقة الساحل”.

وأضاف: “لكن بعد 30 عاماً تولت كل من دولة الإمارات ودولة قطر زمام الأمور، إذ كانتا من أوائل الدول التي استثمرت في أفريقيا”.
وليس هناك معلومات عن تفاصيل الاستثمارات البحرينية والكويتية في القارة الأفريقية.

لماذا أفريقيا؟
وتوقع معهد “ماكينزي” العالمي (مقره الولايات المتحدة يختص بدراسة الاقتصادات العالمية ومؤشرات النمو) أن يبلغ حجم اقتصاد دول أفريقيا والشرق الأوسط مجتمعة نحو 16 تريليون دولار، في العام 2025، مقارنة بـ20 تريليوناً للاتحاد الأوروبي، و24.5 تريليون دولار لدول شمال أمريكا، و13 تريليوناً للهند.

وفي تقرير أصدرته في نوفمبر 2020، اعتبرت منظمة التجارة والتعاون الاقتصادي أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا تسهم في خلق فرص العمل للشباب والنساء، ومدّ الحكومات بالعملات الصعبة، ونقل الخبرة والتكنولوجيا، وهو ما سينعكس إيجاباً وبقوة على مستقبل اقتصاد دول القارّة.

ويقول احد الخبراء الاقتصاديين المهتمين بالشأن الأفريقي، في دراسة نشرت في 4 يوليو 2019، شرح فيها مكامن الإغراء للاستثمار في أفريقيا.
حيث قال: “رغم قرون الاستعمار التي شهدتها القارة السّمراء، فإنها لا تزال حتى الآن بكراً بما تحويه من ثروات هائلة يسيل لها لعاب الدول الكبرى الباحثة عن خزانات طاقية وطبيعية جديدة، بالإضافة لأسواق تسويق منتجاتها وخدماتها”.

وأوضح أن قارة أفريقيا تتميز بضخامة الطاقة الكهرومائية الكامنة فيها، حيث تبلغ 7501 تيراواط/ساعة، ورغم إمكانية ضمان أمنها الطاقي من خلال توليد الطاقة الكهرومائية، فإنها لا تستغل من هذه القدرة الهائلة الكامنة إلا بنسبة 5%، رغم أنها تمثل 12% من إمكانات الطاقة الكهرومائية العالمية.

أما بالنسبة إلى الطّاقة الشمسية فإن منظمة غرينبيس (Greenpeace) لحماية البيئة تقول إن إنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في 2% من مساحة صحراء أفريقيا يكفي لتغطية الحاجة العالمية من الكهرباء.

كما تتميز أفريقيا باحتوائها على كميات كبيرة من مادة اليورانيوم الأساسية في الصناعات النووية، حيث تنتج القارّة أكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، وتشير الدّراسات إلى امتلاكها ثلث الاحتياطي العالمي من هذه المادّة المهمة.

وتملك القارة أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، فمن بين 50 معدناً هاماً في العالم يوجد 17 معدناً منها في أفريقيا وباحتياطيات ضخمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى