اقتصاد دولي

حظر “تيك توك” يمهد لتحول تاريخي في السوق الأميركية

ربما تشكل قضية حظر تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة تحولاً مفصلياً في العلاقة بين واشنطن وبكين، فالقضية هي حالة نادرة تحدث في أميركا التي تتمتع باقتصاد وسوق حرة، إلا أن مشروع القانون الذي مر من مجلس النواب أظهر أن هناك استثناءات للحرية الاقتصادية الأميركية، فالمشروع يجبر الشركة الصينية المالكة للتطبيق “بايت دانس”، إما بيع “تيك توك” لشركة أميركية أو الحظر في سوق الولايات المتحدة، وهذه من المرات النادرة التي تفرض واشنطن بيعاً قسرياً على شركة أجنبية تحت تهديد الحظر.

وفي حال عبر المشروع وأصبح قانوناً نافذاً، سيكون سابقة ويؤسس لمرحلة جديدة في كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع القضايا القومية الأمنية الحساسة، خصوصاً من المستثمرين الصينيين، وربما يفتح ملفات لشركات أخرى.

أسباب إقرار المشروع

حتى الآن المشكلة تخص “تيك توك” بسبب الادعاء الأميركي بأنه يشكل خطراً على الديمقراطية الأميركية، إذ إن خوارزمياته برمجت صورة تسمح بالتأثير في الرأي العام وفي الانتخابات الرئاسية، وهناك خطر في جمع الصين معلومات عن الأميركيين واستخدامها بصورة غير آمنة لاحقاً، مثل الابتزاز للشخصيات العامة.

ويحتاج مشروع القانون إلى الموافقة من غالبية مجلس الشيوخ، ثم توقيعه من الرئيس الأميركي ليصبح نافذاً، ومن المتوقع أن يوافق عليه الرئيس جو بايدن، إذ يعتبر من المؤيدين لهذا القرار، لكن تظل العقبة في مجلس الشيوخ، إذ يعارضه زعيم الغالبية الديمقراطية تشاك شومر، وأعضاء آخرون.

وفي حال أصبح قانوناً فسيكون أمام شركة “بايت دانس” ستة أشهر لبيع حصتها لشركة أميركية أو تواجه إلغاء لتطبيق “تيك توك” في كل مواقع الإنترنت أو متاجر بيع التطبيقات لدى “أبل” و”غوغل”.

هل يرضخ الصينيون؟

حتى الآن، ترفض بكين ضغوط البيع القسري بصورة علنية، وقالت “بايت دانس” إنها ستواجه الحكومة الأميركية في المحاكم، لكن بصرف النظر عن الموقف الصيني، هناك مشكلة تواجه عملية البيع أن تقييم “بايت دانس” يقارب 270 مليار دولار، بحسب بيانات “بلومبيرغ”، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة “تيك توك” في أميركا نحو 50 مليار دولار، أي إن احتمال وجود صفقة بهذا الحجم يحتاج إلى تحالف ضخم جداً وتمويل كبير، فأكبر صفقة حصلت قريبة من هذا المبلغ كانت لـ”تويتر” عندما اشتراه إيلون ماسك بـ44 مليار دولار في عام 2022، وكانت من الصفقات الضخمة التاريخية.

هل من مشتر؟

ومن الصعب أن تشتري شركات تكنولوجية أميركية حصة “تيك توك” إذ يمنعها قانون الاحتكار من ذلك، وهي أصلاً تواجه قضايا احتكار مرفوعة من الحكومة الأميركية، وهناك ترجيح بأن تشتري شركة “أوراكل” باعتبارها شريكاً لـ”تيك توك” في أميركا، إذ طرح اسمها عندما كانت إدارة ترمب تنوي إجبار الصينيين على بيع “تيك توك” في عام 2020، وكانت الإدارة السابقة هي أول من طرح الفكرة، لكن شركة “أوراكل” لديها ديون مرتفعة وضغوط قد تمنعها من ذلك، وكانت شركة “مايكروسوفت” أيضاً مرشحة سابقاً للاستحواذ على “تيك توك” لكن الصفقة لم تبرم، بسبب فوز بايدن ووضع الملف على الرف.

وهناك سيناريو محتمل لحل الأزمة بإمكانية أن تصبح “تيك توك” شركة أميركية خاصة مع بقاء “بايت دانس” كمستثمر أجنبي.

خروج “تيك توك”

أما في حال خروج “تيك توك” من السوق الأميركية، ففعلياً التطبيق موجود في 40 دولة بصورة نشطة ولديه أكثر من 170 مليون مستخدم شهرياً في الولايات المتحدة، من أصل مليار مستخدم، سيكون بيع الحصة الأميركية ضربة للتطبيق، نظراً إلى ضخامة السوق الأميركية، ولوجود خطة لدى “بايت دانس” بمنافسة “أمازون” في متاجر البيع الإلكتروني. ومن المفارقة أن شركة “بايت دانس” لا تنشر “تيك توك” في الصين، وإنما لديها تطبيق شبيه هناك اسمه “دوين”.

ستكون شركات التكنولوجيا الكبرى أكبر المستفيدين من خروج “تيك توك”، خصوصاً “ميتا” المالكة لـ”فيسبوك” و”ألفابت” المالكة لـ”غوغل” اللتين لديهما منصات شبيهة كـ”إنستغرام” و”يوتيوب”.

لماذا يعارض ترمب؟

ومن المفارقة أن ترمب يعارض حالياً بيع “تيك توك”، إذ يرى أنه سيفيد ذلك شركة “ميتا”، التي يعتبرها ترمب منحازة للحزب الجمهوري، وسبق أن حظرته على كل منصاتها.

وتتردد معلومات أن أحد أكبر المالكين في منصة “بايت دانس” وهو الملياردير الأميركي جيف ياس قد يكون خلف قرار ترمب المفاجئ ضد بيع “تيك توك”، فالملياردير ياس يملك نحو سبعة في المئة في “بايت دانس” بقيمة 15 مليار دولار هو أحد المتبرعين الرئيسين في الحملات الانتخابية لهذه السنة، ومن المتوقع أن يضغط على أعضاء مجلس الشيوخ لمنع مرور المشروع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى