مقالات اقتصادية

عندما تؤدي زيادة التنظيم إلى ارتفاع أسعار الأسهم

كتب أسامة صالح

لا تتربع البنوك وشركات إدارة الأصول وحدها على قمة الترتيب الهرمي لأسواق رأس المال، بل كذلك شركات البورصة.

فعلى الرغم من هدوئها وتواضعها بالمقارنة مع “أسياد” النظام المالي التقليديين، فإنها ليست أقل قوة. ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر وضوحاً من اليابان.

أولاً، تدير شركات البورصة العديد من المؤشرات التي تحرك تدفقات رأس المال العالمية على نحو متزايد. فمجموعة بورصة لندن على سبيل المثال تملك وتدير مؤشرات “فوتسي” في المملكة المتحدة، إلى جانب مجموعة من المؤشرات الأخرى تحت اسم “راسل” (Russell). وفي حين أن المؤشر الأكثر شهرة في البورصة اليابانية مملوك لمجموعة الصحف المحلية “نيكاي” (Nikkei)، فإن لديها مؤشر “توبكس” المرجح برأس المال السوقي وهو أكثر فائدة، وتتتبعه أصول تتجاوز قيمتها 83 تريليون ين (560 مليار دولار).

الحد من المخاطر الهيكلية

ثانيا، هناك المقاصة. فالقواعد التنظيمية المصممة لضمان مزيد من الشفافية والحد من المخاطر الهيكلية وجهت نشاط التداول إلى شركات المقاصة، التي تملك أغلبها شركات البورصة، بعيداً عن الأسواق الغامضة خارج المقصورة التي تديرها البنوك.

وغرفة المقاصة الرئيسية في اليابان– “جابان سيكيوريتيز كليرينغ كوربوريشن” (Japan Securities Clearing Corporation)، والمعروفة اختصاراً باسم “جيه إس سي سي” (JSCC) – هي شركة تابعة لـ”مجموعة بورصة اليابان”، المشغلة لبورصة طوكيو. وتتولى حالياً تسوية نحو 70% من تداولات عقود المقايضة لأسعار الفائدة بالين على مستوى العالم، ومع تزايد النشاط القائم على الين مع التغييرات الوشيكة في السياسة النقدية، فمن المؤكد أن دور “جيه إس سي سي” في الأسواق العالمية سيتعزز.

والآن، يتغلغل نفوذها داخل غرف مجالس الإدارة. وفي حين أن البورصات كانت دائما تقود سياسة حوكمة الشركات من خلال الشركات المدرجة فيها، فإنها تستعرض نفوذها وسلطتها بشكل متزايد-وخاصة في اليابان وكوريا.

وفي وقت مبكر يعود إلى 1869، شكلت بورصة نيويورك لجنة خاصة لتقييم طلبات إدراج الأوراق المالية. وكانت اللجنة مهتمة بطبيعة جهات الإصدار المحتملة. وبمرور الوقت، أصبحت البورصة ترتكز على تكليفات محددة: شرط توزيع تقرير سنوي، والإبلاغ عن الأرباح ربع السنوية، وإجراء عمليات تدقيق مستقلة للقوائم المالية.

في النهاية، دمج الكونغرس العديد من هذه القواعد في قانون الأوراق المالية لعام 1934، لكن بورصة نيويورك استمرت في الدفع في هذا الاتجاه. واشترطت على الشركات أن تحصل على موافقة المساهمين على عمليات الاستحواذ الكبيرة، وأن يكون على الأقل اثنان من أعضاء مجلس الإدارة من خارج الشركة، وأن تنشئ لجنة تدقيق ومراجعة تتألف من أعضاء مستقلين في مجلس الإدارة.

اليابان تتدخل لدعم السوق

مع ذلك، لم تتدخل البورصات طوال الوقت في تحديد ما إذا كانت الأسهم ترتفع أم تنخفض. فطالما بقي سعر السهم أعلى من دولار – وهو شرط صارم في بورصة نيويورك – تُركت الشركات وشأنها في إدارة شؤونها.

غير أن الأمر ليس كذلك في اليابان. فبعد تراجع أسعار الأسهم على مدى عقود، فاض الكيل بـ”مجموعة بورصة اليابان”. وفي 2022، أعادت تنظيم قطاعات السوق الخاصة بها، ودعت الشركات من الشريحة العليا إلى “الالتزام بالنمو المستدام وزيادة قيمة المؤسسة على المدى المتوسط إلى الطويل، مع وضع الحوار البناء مع المستثمرين في صلب هذه العملية”. ثم تحولت إلى الشركات التي تتداول أسهمها بسعر أقل من القيمة الدفترية، وشجعتها على النظر في عوامل مثل تكلفة رأس المال والعائد على حقوق الملكية.

وفي مارس من العام الماضي، طالبت “مجموعة بورصة اليابان” الشركات باتخاذ “الإجراءات اللازمة لتنفيذ إدارة تنتبه لتكلفة رأس المال وأسعار الأسهم”، ومستغلةً جاذبية الإدراج على المؤشرات، أطلقت مؤشراً – هو مؤشر “جيه بي إكس برايم 150” (JPX Prime 150)- يضم “الشركات اليابانية الرائدة المتوقع أن تخلق القيمة”. وفي يناير، بدأت في نشر قوائم بالشركات التي تفصح عن المعلومات وفقاً للشروط التي تطلبها.

كانت النتائج إيجابية. فقد تقلص عدد الشركات اليابانية المتداولة بأقل من القيمة الدفترية وارتفعت الأسهم. ومنذ بداية 2023، ارتفع إجمالي السوق 42%.

البورصات مستفيدة أيضاً

بالنسبة لـ”مجموعة بورصة اليابان”، لم يكن الأمر سيئاً أيضاً. قال إيواناغا موريوكي، الرئيس والمدير التنفيذي لبورصة طوكيو في يوليو 2023: “إذا أدرك المسؤولون التنفيذيون في الشركات على نحو صحيح الاهتمام العام تجاه حوكمة شركاتهم، وتمكنوا من تعزيز أسعار أسهمهم باستمرار، فيمكننا أن نتوقع زيادة مقابلة في إيراداتنا ككيان تجاري. قد يبدو هذا تبسيطياً، ولكن هذا هو المبدأ”.

والآن تتطلع كوريا الجنوبية إلى أن تفعل الشيء نفسه. ومثلما هي الحال في اليابان، يجري تداول العديد من أسهم شركاتها بسعر مخفض مقارنة بالقيمة الدفترية.

وبحلول نهاية يناير، حقق 64% من الشركات المدرجة على مؤشر “كوسبي” (Kospi) القياسي عائداً على حقوق الملكية أقل من 8%، مقابل 51% في مؤشر “توبكس” (و23% في “مؤشر أس إند بي 500”)، وفقاً لأبحاث “غولدمان ساكس“.

وفي فبراير، أعلنت السلطات عن “برنامج رفع قيمة الشركات”، ومن المقرر نشر المزيد من التفاصيل في مايو. ومن المنتظر إصدار “مؤشر رفع القيمة الكوري”، والذي يتألف من الشركات التي لديها سجلات ثابتة للربحية، أو تلك التي من المتوقع أن تعمل على تعزيز قيمتها، ومن الممكن فرض عقوبات على الشركات التي لا تستوفي المعايير.

كوريا على درب اليايان

والفارق في كوريا الجنوبية هو أن سلطات الإشراف المالي تقود الإصلاحات بدلاً من البورصة بشكل مباشر. ولكن هذا يعكس سبباً آخر لأفضلية البورصات: فعلى عكس البنوك، التي تآكلت مكانتها في السوق بسبب الإجراءات التنظيمية المرهقة على مدى السنوات العشر الماضية، تستفيد البورصات من هذه الإجراءات واللوائح، بل وتساعد في صياغتها. وإلى جانب انفرادها بإصدار المؤشرات وعمليات المقاصة، فإن قوتها الآن مستمدة أيضاً من توجيه استراتيجية الشركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى