اقتصاد دولي

الدين العام الأميركي يتجاوز التوقعات مسجلا 32 تريليون دولار

تجاوز إجمالي الدين الوطني في الولايات المتحدة حاجز 32 تريليون دولار أمس الجمعة ليصل إلى مستوى جديد من الارتفاع ينذر بمعركة حول العجز والإنفاق لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن. وجاء الإعلان عن حجم الدين في تقرير لوزارة الخزانة الأميركية بعد أسابيع قليلة من اتفاق الحكومة مع الغالبية الجمهورية في الكونغرس على تعليق سقف الاقتراض لتفادي إغلاق الحكومة.
وتأتي الزيادة في الدين الحكومي عند هذا الحد، أعلى بكثير من التوقعات للمديونية الأميركية ما قبل أزمة وباء كورونا وتعكس الزيادة في الإنفاق العام مع استمرار عدد من البرامج التي بدأتها الحكومة في فترة أزمة الوباء لتخفيف تبعات إغلاق الاقتصاد. وتوقع تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أن تشهد الفترة المقبلة “معركة جديدة في شأن الإنفاق الحكومي”.
وتبدأ لجنة المخصصات في مجلس النواب الأميركي قريباً دراسة قوانين وقرارات الإنفاق المقبلة في ظل ضغط من الجمهوريين لخفض الإنفاق والضرائب، ومن شأن ذلك أن يفاقم مشكلات الإدارة الأميركية، بل ربما تواجه الحكومة احتمال إغلاق أعمالها في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما جرى تفاديه أخيراً باتفاق بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، أدى إلى تعليق قانون سقف الدين لمدة عامين.
وتضمن الاتفاق الذي بموجبه تفادت الحكومة الإغلاق، خفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار 1.5 تريليون دولار على مدى 10 أعوام، بحسب بيانات مكتب الموازنة في الكونغرس، على أن تجمّد بعض جوانب تمويل الحكومة التي كانت مرشحة للزيادة العام المقبل والحد من الإنفاق العام إجمالاً بحيث لا يتجاوز نموه واحداً في المئة بحلول عام 2025.

أزمة الدين والاقتراض مستمرة

لكن معظم التحليلات ترى أن أزمة الدين العام والاقتراض الحكومي مستمرة، على رغم اتفاق تعليق قانون سقف الدين، ويتوقع أن يتجاوز الدين العام للحكومة الأميركية 50 تريليون دولار في غضون ستة إلى سبعة أعوام، حتى مع الأخذ في الاعتبار خفوضات الإنفاق المتفق عليها بين الحزبين.
وخلال أزمة سقف الدين واحتمال إغلاق الحكومة في شهر مايو (أيار) الماضي، أوضح كبير الاقتصاديين في مؤسسة “موديز أناليتكس” مارك زاندي أن “مقترحات خفض الإنفاق التي يبحثها النواب لا تأخذ في الاعتبار كلفة برامج الدعم والمساعدات الاجتماعية المختلفة”، مضيفاً أن “تفادي التخلف عن سداد الدين الحكومي (الإفلاس) يحل أزمة حادة، لكنه لا يحل مشكلة ارتفاع الدين العام بشكل هائل وهي أزمة مزمنة”، وأردف أن “التحديات المالية الهائلة للبلاد تظل موجودة على المدى الطويل”.

وتقول لجنة المخصصات المالية بمجلس النواب إنها في مراجعتها لقوانين التمويل لن تقر موازنات للهيئات الفيدرالية بالقدر الذي اتفق عليه الرئيس بايدن مع زعيم الغالبية الجمهورية كيفين ماكارثي، إنما بأقل مما جاء في الاتفاق. وسيعني عدم تمرير مجلس النواب لاتفاق القانون المشترك بين الحزبين، وأيضاً مجلس الشيوخ بحلول الأول من أكتوبر إغلاق الحكومة نتيجة عدم توافر التمويل. وإذا لم يقر الكونغرس قوانين الإنفاق المختلفة المتضمنة في الاتفاق بنهاية هذا العام، فإن خفضاً إجبارياً في الإنفاق العام بنسبة واحد في المئة سيُطبق مطلع العام المقبل.
ومما يزيد التحديات أمام حكومة الرئيس بايدن، بدء النواب الجمهوريين في الكونغرس بالفعل هذا الأسبوع بإعداد مشروع قانون لجولة جديدة من خفوضات الضرائب. ويتضمن مشروع القانون التوسع في الخصومات الحالية للضرائب على الأفراد وبعض أشكال الضرائب على الشركات والأعمال التي تستهدف تشجيع الاستثمار. كما يتضمن إلغاء مدفوعات دعم الطاقة التي تقدمها الحكومة الفيدرالية.
وتقدر لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة بأن بنود القانون المقترح ستكلف تمويلاً بقيمة 80 مليار دولار في غضون 10 أعوام، أو 1.1 تريليون دولار إذا أصبحت بنود القانون دائمة، ومعنى ذلك أن الحكومة ستحتاج إلى تمويل خفض الضرائب هذا من خلال الاقتراض أكثر، مما يصل بالدين العام إلى حدود غير مستدامة.

العجز والدين

ومع ضغط الجمهوريين باتجاه خفض الضرائب، تقل موارد الخزانة العامة وتتسع فجوة العجز بالموازنة في وقت تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى الاقتراض بإصدار السندات وغيرها من أدوات الدين لتسديد التزاماتها من أقساط وفوائد خدمة الدين العام بشكل مستمر. ويشكل ذلك تحدياً آخر أمام الحكومة خلال الأشهر المقبلة لأن ارتفاع نسبة عجز الموازنة ربما يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
ويقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة “بيترسون” مايكل بيترسون “بما أننا تجاوزنا حد 32 تريليون دولار ولا توجد نهاية لذلك التوجه (الاقتراض وارتفاع الدين) في الأفق، فإن الوقت ربما فات لمعالجة الأسباب الأساسية التي تدفع نحو زيادة الدين العام وتلك الأسباب هي نمو الزيادة الإلزامية في الإنفاق العام وعدم توافر الإيرادات اللازمة لتمويل تلك الزيادة”.
وأعربت مؤسسة “بيترسون” عن قلقها من التقديرات التي ترى أن الولايات المتحدة ستقترض خلال الأعوام الـ30 المقبلة 127 تريليون دولار إضافية، مما يعني أن كلفة فوائد الدين ستستهلك ما يصل إلى نسبة 40 في المئة من إجمالي العائدات والموارد الفيدرالية.
وتدافع وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين عن السياسة المالية لحكومة الرئيس بايدن وقالت أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب في الكونغرس الأميركي إن البيت الأبيض أعد موازنة هذا العام تضمنت خفض العجز بنحو 3 تريليونات دولار، وتوقعت أن تنخفض أسعار الفائدة في المدى المتوسط، مما يخفف عبء كلفة خدمة الدين على الخزانة العامة. وبالطبع انتقدت الوزيرة مقترحات خفض الضرائب التي يطرحها الجمهوريون، معتبرة أنها ستزيد الأوضاع المالية للحكومة سوءاً وقالت أمام اللجنة البرلمانية عن خفوضات الضرائب المقترحة إنه “لا يوجد تمويل لها وإنها ستزيد عبء الدين بشكل هائل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى