اقتصاد دولي

ديناميكية استثمارية لافتة في تونس رغم الأزمة الاقتصادية الحادة

دفعت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية أكبر الشركات العالمية إلى البحث عن مواقع جديدة لها، أبرزها تونس التي تسجل زيادة بأكثر من 15 في المئة في تدفق الاستثمارات الخارجية و27 في المئة في نيات الاستثمار الصناعي في الربع الأول من عام 2023.
واختار المجمع العالمي الألماني الرائد في أنظمة التحويل والتحكم الميكاتروني، «ماركارد أوتوماتيف» توسعة نشاطه في تونس بإنجاز مصنع جديد في إحدى المناطق الصناعية بالضاحية الغربية للعاصمة باستثمارات بقيمة 200 مليون دينار (66.6 مليون دولار) واستحداث أكثر من 1500 فرصة عمل مباشر جلهم مهندسون.
ويقول رئيس مجلس إدارة المجمع، هارالد ماركارد إنه «بعد إنشاء مصنع ثان في غاية الحداثة، يواصل المجمع قصة نجاحه في تونس»، معتبراً أنه «على رغم انتشار المجمع عبر فروعه في أوروبا وآسيا وأميركا، وقع الاختيار على تونس لبناء هذا المصنع الأكبر من نوعه في مجال الميكاترونيك المعدة للسيارات الفخمة، لما لها من ميزة تفاضلية كبيرة.
ويترجم كلام ماركارد بأن تونس لا تزال تحظى بثقة كبار المستثمرين في العالم على رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، وتواضع مناخ الأعمال، وأن قدوم المستثمرين لإنجاز مشاريع فيها، يقوم أساساً على موقعها الجغرافي المتميز القريب جداً من أوروبا (عامل الكلفة والنقل البحري والجوي) مع توفر عمالة ذات كفاءة عالية.
حركية لافتة:- وعلى رغم الأوضاع السياسية غير المستقرة والصعوبات الاقتصادية والمالية التي تشهدها تونس، فإن اللافت هو الديناميكية الملحوظة في نسق الاستثمار الذي مس تقريباً كل الأنشطة والقطاعات من صناعات بمختلف أنواعها وتدفق استثمارات خارجية ملحوظة في الربع الأول من العام الحالي.
وفي هذا الإطار استقطبت تونس خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية استثمارات خارجية بقيمة 686.4 مليون دينار (229 مليون دولار) مقابل 596 مليون دينار (198 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية بزيادة بنسبة 15.2 في المئة.
وبحسب المعطيات التي نشرتها وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، فقد حققت استثمارات الحافظة المالية (الاستثمار في البورصة) قفزة لافتة بلغت 917 في المئة لتصل مع نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام إلى 33.6 مليون دينار (11.2 مليون دولار) مقابل مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. ويعزى هذا التطور في إجمالي الاستثمارات الخارجية إلى الحركية الاستثمارية الملحوظة في قطاعي مكونات السيارات والطائرات بإعلان عدد من الشركات الأجنبية عن توسيع مشاريعها أو بناء أخرى جديدة.
نمو نيات الاستثمار الصناعي:- وفي سياق الديناميكية الاستثمارية التي تعرفها تونس مع بداية العام الحالي، تطورت نيات الاستثمار في القطاع الصناعي خلال الثلاثي الأول من السنة بنسبة 27.8 في المئة لتبلغ مع أواخر مارس (آذار) الماضي ما قيمته 791 مليون دينار (263 مليون دولار)، مقابل 619 مليون دينار (206 مليون دولار) في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ووفق المؤشرات الإحصائية من وكالة النهوض بالصناعة والتجديد (حكومية) فإن نوايا الاستثمار للثلاثي الأول من هذا العام لم يقع تسجيلها منذ عام 2019، مع استعادة عدد من القطاعات الصناعية لحركية في مستوى الاستثمارات المصرح بها. كما زاد عدد المشاريع الصناعية بعد الإعلان عن اعتزام المستثمرين إنجاز 904 مشاريع صناعية بتطور بنسبة 8.9 في المئة مع نهاية مارس (آذار) الماضي، ومن المنتظر أن تحدث هذه المشاريع أكثر من 12200 فرصة عمل مباشر.
الصادرات الصناعية تنمو:- وفي سياق هذه الحركية، سجلت الصادرات الصناعية لتونس خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية زيادة بنسبة 15.7 في المئة لتبلغ مع نهاية شهر مارس 14.2 مليار دينار (4.7 مليار دولار)، مقابل 12.2 مليار دينار (أربعة مليارات دولار) في الفترة ذاتها من عام 2022.
ووفق البيانات التي نشرتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد، فقد عرفت جميع فروع قطاع الصناعات المعملية دون استثناء، زيادةً في حجم مبيعاتها الخارجية في نهاية الثلاثية الأولى من هذا العام لتشهد حركية لافتة ولو بنسب متفاوتة وصلت إلى 22.6 في المئة.
وحاز قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية على النصيب الأكبر من قيمة صادرات الصناعات المعملية بتحقيق عائدات بقيمة سبعة مليارات دينار ( ملياري دولار).
وحقق قطاع النسيج والملابس ثاني أعلى مبيعات خارجية بقيمة 2.6 مليار دينار (866.6 مليون دولار) في أواخر الثلاثي الأول من هذه السنة بنمو بـ 16.8 في المئة، مقارنةً بالفترة ذاتها من السنة الماضية. وبدوره حقق قطاع الصناعات الغذائية (أساساً زيت الزيتون ومنتوجات الصيد البحري) زيادة في صادراته بنسبة 14.7 في المئة لتبلغ قيمتها 1.7 مليار دينار (566.6 مليون دولار) في أواخر مارس الماضي.
كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية:- ويقر حام السويسي، وهو مدير في وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، بوجود «حركية ملموسة تعرفها تونس خلال الربع الأول من العام الحالي على رغم أنه دائماً ما تكون بداية العام مرفقة بنوع من التريث من قبل المستثمرين التونسيين والأجانب». وأضاف أن «الديناميكية الاستثمارية التي تعرفها البلاد سببها الأساس تداعيات أزمة «كوفيد» والحرب الروسية – الأوكرانية التي أحدثت حركة مهمة في مجال تدفق الاستثمارات الأجنبية». وفسر السويسي أن «جائحة فيروس كورونا وما نجم عنها من إشكالات جمة في سلاسل توريد الدول الأوروبية من آسيا وتحديداً الصين، لا سيما على مستوى المواد الطبية والصيدلانية دفع أهم صناع القرار في أوروبا إلى البحث عن مواقع جديدة تكون قريبة وبكلفة أقل». وتابع بالتأكيد على أن «الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من صعوبات التزود بالمواد الأولية في العديد من الصناعات وخاصة مكونات السيارات، جعل عدداً لا بأس به من المجموعات العالمية سواء المقامة في أوكرانيا أو الدول المحاذية تغير استراتيجيتها وتبحث عن مناطق أكثر أماناً من شأنها أن تزود مصانعها بالمواد بطريقة سهلة وسريعة». وتتموقع أغلب دول شمال أفريقيا كمناطق جد مناسبة لكبرى الشركات العالمية لتحويل جزء كبير من أنشطتها إليها.
كفاءة العمالة:- وبحكم موقعه في وكالة النهوض بالاستثمار كشف حاتم السويسي أن «تونس تلقت طلبات من عديد من الشركات العالمية للتواجد فيها»، مبرزاً أن «كبريات الشركات العالمية بخاصة في مجال صناعة مكونات السيارات والطائرات تبحث فروعها في مختلف أنحاء العالم عن المواقع الأكثر نجاعة وفاعلية».
في هذا السياق، أكد السويسي أن «عديداً من فروع كبريات الشركات العالمية في تونس تحتل المراتب الثلاث الأولى عالمياً في رد الفعل وفي نجاعة العمل بخاصة كفاءة العمالة».
ولفت إلى أن «تونس وضعت خطة استثمارية جديدة ستتوج باستقطاب استثمارات خارجية بقيمة أربعة مليارات دينار (1.3 مليار دولار) في أفق سنة 2026، والعمل على جذب مصنع أجنبي للسيارات لإحداث وحدة لتصنيع السيارات في تونس».

تفاؤل أصحاب المؤسسات الصناعية

وأبدى أصحاب المؤسسات الصناعية في تونس تفاؤلاً وارتياحاً لنشاط مؤسساتهم خلال السداسي الأول من عام 2023 وفق ما أظهرته نتائج سبر آراء رؤساء المؤسسات الصناعية حول وضع وآفاق نشاط مؤسساتهم في الثلاثي الأول من هذه السنة، نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وأفصحت آراء أصحاب المؤسسات الصناعية تحسناً في تقييمهم لتطور الوضع العام للقطاع الصناعي حتى أواخر مارس الماضي، مقارنةً بالثلاثي الأخير من عام 2022.

وأظهر سبر الآراء الذي شمل عينة ضمت 1013 صاحب مؤسسة، خلال الفترة من فبراير (شباط) إلى أبريل (نيسان) 2023، تحسن رصيد ثقة أصحاب المؤسسات بالوضع العام للقطاع الصناعي، بنسبة 24 في المئة مقابل ثمانية في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022.

وأظهرت نتائج سبر الآراء ارتفاعاً طفيفاً في ثقة أصحاب مؤسسات الصناعات المعملية في ما يهم الإنتاج الصناعي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، إذ ارتفع رصيد الثقة بـ 19 في المئة مقابل 14 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022.
وتبرز النتائج من ناحية أخرى تحسناً لتطلعات أصحاب مؤسسات الصناعات المعملية حول إنتاجهم، وبلغ رصيد الآراء حول الإنتاج المرتقب خلال الثلاثي الثاني من عام 2023، نسبة 36 في المئة مقابل 27 في المئة خلال الثلاثي الأول من السنة ذاتها.

وأظهرت نتائج سبر الآراء، أيضاً، تطوراً في رصيد الطلب الموجه للمواد الصناعية خلال الثلاثي الأول من عام 2023، إذ قدر بنسبة 27 في المئة، مقابل 22 في المئة خلال الثلاثي الرابع من عام 2022.
وعلى مستوى الطلب الخارجي الموجه إلى المواد الصناعية، أظهر سبر آراء أصحاب المؤسسات الصناعية تحسناً في رصيد الطلب الخارجي، بنسبة 26 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنةً بنسبة 15 في المئة خلال الثلاثي الرابع من العام الماضي.

وفي شأن التوقعات بالنسبة للثلاثي الثاني من العام الحالي للطلب الخارجي الموجه إلى القطاع الصناعي، تبرز نتائج المسح إمكان تواصل هذا التحسن بعدما شهد رصيد ثقة أصحاب المؤسسات ارتفاعاً بنسبة 30 في المئة خلال الربع الأول من العام، مقابل 21 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى