اقتصاد دولي

كيف ستتم حماية أموال المودعين في البنوك الأميركية المنهارة؟

فتحت الأسواق تعاملات أول أيام الأسبوع، اليوم الإثنين، مرتفعة قليلاً، في انعكاس لتوجه الهبوط الذي شهدته نهاية الأسبوع مع انهيار أسهم المصارف، وحاولت السلطات الأميركية طمأنة الأسواق ببيان ثلاثي، أمس الأحد، صادر من الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي» ووزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك.
وكانت السلطات المالية الفيدرالية قد استولت أيضاً على «سيغنتشر بنك»، ومقره نيويورك، لمنع انهياره، في ثاني إجراء خلال يومين بعد سيطرتها على «بنك سيليكون فالي»، المصرف الرئيس لشركات التكنولوجيا الناشئة في كاليفورنيا، وسبق ذلك انهيار «سيلفرغيت بنك»، الأكثر انكشافاً على قطاع العملات المشفرة.
وبدأت سلسلة الانهيارات في تلك المصارف نتيجة مسارعة العملاء لسحب أموالهم منها، مما أدى إلى هبوط حاد في ودائع العملاء، إضافة إلى انخفاض احتياطاتها لدى البنك المركزي مع انخفاض قيمة موجوداتها من سندات الخزانة التي ارتفع العائد عليها بشدة.
وفي البيان الثلاثي تعهدت السلطات مد الغطاء التأميني على جميع ودائع العملاء في البنوك المنهارة بما يضمن لهم سحب أموالهم بطريقة منظمة فيما بعد، لكن السلطات استبعدت أي عمليات إنقاذ للبنوك المنهارة من الخزانة العامة، أي من أموال دافعي الضرائب، كما حدث في الأزمة المالية في 2008 – 2009.
ويعد «سيغنتشر بنك» من بنوك نيويورك الكبرى بحجم أصول يصل إلى 110 مليارات دولار، وأغلقته السلطات المالية للولاية، ووضعته تحت إدارتها مع الذعر الذي أصاب عملاءه، فبدأوا بسحب أموالهم منه، وذلك لمنع انهياره بما يزيد مخاطر تضرر القطاع المصرفي ككل وضياع أموال المودعين.
التأمين على الودائع:- وذلك ما حدث مع «بنك وادي السيليكون» الذي سيطرت عليه السلطات المالية في كاليفورنيا، لكن ذلك لم يمنع انتشار العدوى. ويستحوذ البنك على تعاملات أكثر من نصف شركات التكنولوجيا الناشئة، ويأتي في المرتبة الـ16 من حيث الحجم بين المصارف الأميركية، وتبلغ أصوله أكثر من 211 مليار دولار. وقالت السلطات الثلاث في بيانها إنها أقدمت على إغلاق «سيغنتشر بنك» والسيطرة عليه بالتنسيق مع سلطات الولاية «نيويورك» المالية، كما حدث مع سلطات كاليفورنيا فيما يخص «بنك وادي السيليكون»، الجمعة الماضي. والهدف الرئيس هو «احتواء» خطر انتشار عدوى انهيار البنوك، بخاصة الصغيرة والمتوسطة، في حال استمرار ذعر العملاء وإقدامهم على سحب أموالهم من المصارف خشية ضياعها. وبحسب اللوائح والقوانين، فإن ودائع العملاء حتى 250 ألف دولار تخضع للتأمين من قبل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك، بالتالي يضمن هؤلاء العملاء الحصول على أموالهم. أما الودائع والحسابات التي تزيد على ربع مليون دولار، فغالباً لا تخضع للتأمين، بالتالي يواجه أصحابها خسارة القدر الأكبر منها. ومعظم المتعامين مع «بنك وادي السيليكون» هم من الشريحة التي تزيد أموالها على ربع مليون دولار. وكان البنك قد أفصح في نهاية العام الماضي عن أنه من بين إجمالي الإيداعات المحلية فيه، والبالغة وقتها 173 مليار دولار، وهناك نحو 151 مليار دولار لا تخضع للتأمين على الودائع، فضلاً عن أموال المساهمين في البنك وحملة الأسهم والسندات والأوراق المالية التي يصدرها.
ضمان الودائع والإنقاذ المالي
بحسب الإجراءات التي أعلنها «الاحتياطي» ووزارة الخزانة ومؤسسة التأمين سيتمكن العملاء من الوصول إلى أموالهم في البنوك المنهارة، بغض النظر عن حجم ودائعهم، بعد أن قررت السلطات الفيدرالية مد مظلة التأمين على الودائع إلى كل العملاء، بغض النظر عن حجم ودائعهم، وذلك هو إجراء حماية الودائع الذي طمأن المتعاملين، وأدى إلى تحسن مؤشرات الأسواق، لكن ذلك لم يمنع المخاوف التي تسيطر على المستثمرين من انتشار عدوى الانهيار بشكل أوسع في القطاع المصرفي وتضرر القطاع المالي كله.
ويعني توسيع نطاق التأمين على الودائع أن المساهمين في تلك البنوك والمالكين لسنداتها سيتحملون الخسائر الناجمة عن الانهيار، ليس الحكومة من أموال دافعي الضرائب، وهذا هو الفارق بين الإجراء الحالي وعمليات الإنقاذ المالي للبنوك والمؤسسات المالية التي قامت بها الحكومات في الأزمة المالية العالمية الأخيرة. وفي حالة الإنقاذ، تتدخل الحكومات بعملية استحواذ على البنك، وتتحمل الخزانة العامة كل الخسائر والالتزامات الناجمة عن انهياره.
إلى جانب حملة أسهم وسندات البنوك ستتحمل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بقية الخسائر المترتبة على انهيار تلك المصارف، وتسهم كل البنوك الأميركية في المؤسسة بدفع أقساط محددة للتأمين على الودائع الصغيرة، لكن إجراء توسعة التأمين يكبد المؤسسة خسائر أكبر من المستحق، بحسب مساهمات البنوك فيها.
مخاطر ومخاوف
من بين الإجراءات الأخرى التي أعلنت في بيان الأحد، طرح خط إقراض جديد من قبل الاحتياطي الفيدرالي تحت اسم «برنامج تمويل إيداعات البنوك». وعبر هذه الآلية يمكن للبنوك المتضررة بيع ما لديها من أصول ذات قيمة مثل سندات الخزانة وسندات الرهن العقاري للبنك المركزي بقيمتها الحالية في السوق مقابل توفير مقدم نقدي لتلك البنوك لحل مشكلتها الطارئة، على أن تكون نسبة الفائدة على المقدم النقدي هي ما يعرف مصرفياً بأنه «مؤشر التوريق لليلة واحدة في المتوسط السنوي»، وهي عبارة عن نسبة الفائدة الحالية في السوق مضافاً إليها نسبة 0.1 في المئة فقط.
بايدن يتعهد محاسبة المسؤولين عن إفلاس مصرفي «وادي السيليكون» و»سيغنتشر»
وتختلف تلك الآلية الجديدة عن آلية إقراض البنوك الموجودة بالفعل لدى البنك المركزي باعتباره مقرض الملاذ الأخير في حالات التعثر المالي، إذ يوفر البرنامج الجديد معدلات فائدة أقل، بالتالي لا تتحمل البنوك المتضررة غرامة كبيرة للاقتراض عبرها، لكن كل هذه الإجراءات لا تعني زوال المخاطر ومخاوف السوق من انتشار عدوى الانهيار بين البنوك. ومع أن القطاع المصرفي يبدو حالياً في وضع أفضل مما كان عليه وقت حدوث الأومة المالية السابقة قبل 15 عاماً، فإن الاختلالات الهيكلية في النظام المالي لم تنتهِ، إذ ركزت الحكومات وقت الأزمة وفيما بعدها على علاج الأعراض دون التصدي للأسباب الجذرية التي قادت إلى الأزمة، لذا يخشى من أن تبدأ عيوب السياسات الخاطئة لبنوك أخرى في التداعي نتيجة انهيار البنوك الثلاثة، مما يجعل إجراءات الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة غير كافية لمنع الانهيار.
تحديات الإجراءات
بحسب تحليل لمجلة «الإيكونوميست» تواجه الإجراءات العاجلة التي أعلنتها السلطات الأميركية، الأحد، تحديات مهمة. فتلك الإجراءات تعتمد على إيجاد مشترٍ للبنوك المنهارة، وتلك لن تكون عملية سهلة، إذ ستحتاج عمليات التدقيق النافي للجهالة إلى وقت طويل في ظل أوضاع تلك البنوك، وربما تستطيع دول أخرى إيجاد حل سريع لأفرع «بنك سيليكون فالي» فيها، مثلما حدث في بريطانيا التي سهلت صفقة بيع وحدة البنك البريطانية لبنك «أتش أس بي سي» من دون مقابل.
ويخشى، كما كتب الاقتصادي محمد العريان في مدونة له، الإثنين، من أن تنتقل «أمراض» البنوك المنهارة إلى البنوك الكبيرة بالقدر الذي لا تستطيع معه «هضمها»، وسيمثل ذلك مشكلة أخرى للسلطات المالية الرسمية التي اضطرت إلى إنقاذ بنوك ومؤسسات مماثلة في 2008 و2009 على اعتبار أنها «أكبر من أن تفشل» كي لا ينهار النظام المالي تماماً.

التحدي الآخر الذي لا يقل خطورة هو لجوء مزيد من البنوك التي اتخذت قرارات خاطئة في الفترة الأخيرة إلى آليات وبرامج الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة للاستفادة من الإقراض الميسر في ظل ارتفاع أسعار الفائدة. وهنا سيضيع الخط الفاصل بين تدخل السلطات لمنع انهيار النظام وتحميل المؤسسات الفاشلة تبعات الخسائر وبين تحمل الميزانية العام ودافعي الضراب كلفة الإنقاذ لمؤسسات وبنوك تصرفت بشكل يضر بالجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى