أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

خبراء يؤكدون إمكانية تعديله .. ما سر تمسك الفيدرالي بمستهدف التضخم عند 2%؟

تعد 2% أكثر النسب المئوية إثارة للجدل بين الحين والآخر كونها مستهدف الفيدرالي والبنوك المركزية الكبرى الأخرى للتضخم، إذ تصاعد الجدل في الآونة الأخيرة حول أهمية استهداف تلك النسبة على وجه التحديد.

 

فبعدما رفع الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة السابعة على التوالي في آخر اجتماعات 2022 لكن بمعدل نصف نقطة مئوية، وقف “جيروم باول” لإلقاء خطاب السياسة النقدية مؤكدا على أن البنك لن يتنازل عن مستوى التضخم قرب مستوى 2% والذي يعتبره كلمة السر للحفاظ على سياسة نقدية مستقرة.

“جيروم باول” لم يكن أول رئيس للفيدرالي يشدد على التمسك باستهداف مستويات التضخم حول 2%، فمنذ العام 1996 يتبع صناع السياسة النقدية في أكبر اقتصاد بالعالم هذا النهج إلى أن جعله الرئيس الأسبق للفيدرالي “بن برنانكي مستهدفا” رسمياً عام 2012 وهو الأمر الذي تبعته فيه “جانيت يلين” ثم “باول”.

رأي الفيدرالي

وعلى الموقع الإلكتروني للفيدرالي الأمريكي، يفسر صناع السياسة النقدية في مقالة أسباب استهداف التضخم عند مستوى 2%، إذ يقول البنك إن لجنة السياسة النقدية تعتقد أن استهداف التضخم عند مستوى 2% على المدى الطويل هو الأمر الأكثر نجاعة لتحقيق مستهدف البنك بخلق أكبر عدد من الوظائف وتحقيق استقرار الأسعار.

ويسهب الفيدرالي في شرح الأمر قائلا: “حينما تعتقد الأسر وأنشطة الأعمال الأمريكية أن التضخم سيبقى منخفضا لفترة طويلة فإن هذا سيساعدهم على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص قراراتهم المتعلقة بالإنفاق والاقتراض والادخار والاستثمار، وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى اقتصاد جيد وفعال”.

ويؤكد الفيدرالي “إذا ما انخفضت توقعات التضخم فإن معدلات الفائدة ستنخفض هي الأخرى. في المقابل، لن تكون المساحة التي تسمح بخفض معدلات الفائدة لدعم التوظيف خلال فترات تراجع النمو الاقتصادي. الأدلة من نماذج مختلفة حول العالم تؤكد على أن الأمر تصبح معالجته على نحو أصعب مما هو متوقع”.

وتستطرد مقالة الفيدرالي “لمعالجة ذلك الأمر فإن لجنة السياسة النقدية الفيدرالية ترى أن الحفاظ على معدلات التضخم فوق مستوى 2% أمر مناسب للاقتصاد”.

إلى هنا وينتهي توضيح البنك الذي أكد على أن الحفاظ على التضخم حول تلك المستويات من شأنه أن يحفز النمو ويمكن الاقتصاد من تفادي الانزلاق إلى الركود، لكن مقالة الفيدرالي التي ذكرت الرقم “2” في سبعة مواضع لم تجب على تساؤل يدور في أذهان الكثيرين لماذا لا يكون الرقم 1 أو 3 أو 4، ما السر الذي يجعله حريصا على هذا الرقم تحديدا”؟.

التضخم الحميد

قبيل الإجابة عن هذا التساؤل علينا أن نعلم أولا أن هناك نوعا من التضخم يكون وجوده ضروريا من أجل سلامة ومتانة الاقتصاد وهو التضخم الذي يظل في الحدود الآمنة.

ولتبسيط الأمر فإن انكماش الأسعار في الوقت الذي يتراجع فيه الناتج المحلي الإجمالي قد يتسبب بدخول الاقتصاد في دورات طويلة من الركود.

فعلى سبيل المثال إذا كنت تعتقد كمستهلك نهائي أن سعر سلعة ما ولتكن سيارة سيتراجع من 80 ألف ريال الشهر الجاري إلى 75 ألف ريال الشهر المقبل، فإنك على الفور ستؤجل شراء السيارة إلى الشهر المقبل.

ماذا لو كانت الأسعار في اتجاه هابط لا يتوقف، ستعمل على تأجيل عملية الشراء لتصل إلى أفضل سعر ممكن، والتبعات التي ستترتب على هذا الأمر هي تراجع مبيعات الشركات وتسريح العمالة ودخول الاقتصاد في دورة من الركود.

وعليه فقد حددت مدارس الاقتصاد المختلفة ضرورة استهداف تضخم غير صفري من قبل البنوك المركزية باستخدام أدواتها وسياساتها النقدية.

نيوزيلندا.. كلمة السر

ولكن لماذا أيضا تلك النسبة 2%؟ الإجابة عن هذا التساؤل تأتي من نيوزلندا وبالتحديد في ثمانينيات القرن الماضي حينما كانت تعاني البلاد من موجة تضخم قياسية في خانة العشرات، إذ وقف وزير المالية “روجر دوجلاس” وسط حشد من المراسلين يتحدث عن سياسة الحكومة في استهداف التضخم وهي نظرية اقتصادية لم يتم استخدامها بعد.

يتذكر محافظ الاحتياطي النيوزيلندي في ذلك التوقيت،”دون براش” تصريحات دوجلاس والتي جانبها الصواب حين تحدث عن استهداف لمعدلات التضخم ما بين صفر وواحد بالمائة، وهو الأمر الذي دعا براش في حينه إلى العمل على استهداف أفضل معدل للتضخم يكون هو الفاصل بين النمو والانكماش، بحسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

وضع تصريح وزير المالية الاحتياطي النيوزيلندي في مأزق يتمثل في ضرورة تحديد مستهدف للتضخم، وعليه بدأ فريق من صناع السياسة النقدية في العمل للوقوف على النسبة الأمثل للتضخم لتحفيز النمو في بلادهم.

ويقول براش إنه أمضى وفريقه الذي انضم إليه وزير المالية دوجلاس في وقت لاحق شهوراً طويلة لتحديد النمو الأمثل للأسعار والذي جاء عند 0.75% أو 1% ما يعطيهم حداً أقصى للمستهدف حول 2% وهو الرقم الذي انتشر بعد ذلك مع النجاعة التي حققتها سياسات المركزي النيوزيلندي في خفض معدلات التضخم والسيطرة عليه بعد سنوات من لهيب الأسعار.

وبدأت البنوك المركزية الكبرى بعد ذلك في السير على نفس خطى المركزي النيوزيلندي ليصبح الرقم 2 هو كلمة السر في استهداف معدلات التضخم.

ومن هنا كتبت الحروف الأولى لسنوات طويلة من جدل لا ينتهي حول أهمية ذلك الرقم في استهداف معدلات التضخم.

ليس بالضرورة أن يكون 2%

وأجرت “أرقام” استطلاعاً لآراء عشرة أكاديميين أمريكيين مختصين بالاقتصاد من خلال توجيه سؤال محدد لهم والإجابة عنه بنعم أو لا  حول إمكانية استهداف الفيدرالي لمعدلات تضخم أكبر ولتكن حول 3% أكثر نجاعة في تحفيز الاقتصاد خلال فترات الركود من خلال السماح بخفض أكبر لأسعار الفائدة؟

وكانت الإجابة نعم بنسبة 80% لمن استطلعت آراؤهم والذين تتوزع مناصبهم الأكاديمية على الجامعات الأمريكية الكبرى على غرار شيكاغو وستانفورد وهارفارد و”يل”.

آراء أكاديميين أمريكيين حول إمكانية استهداف معدل تضخم أعلى من 2%

الاسم

الجامعة

الإجابة بـ”نعم”

الإجابة بـ”لا”

كريستوفر نيسلون

يل

x

أوليفر هارت

هارفارد

x

دوجلاس برنهايم

ستانفورد

x

إيمير كيمانيكا

شيكاغو

x

ريان فانغ

شيكاغو

x

روبن لي

هارفارد

x

بيتر بلير

هارفارد

x

مارك ريزمان

بوسطن

x

لاري صامويلسون

يل

x

بيتر كلينو

ستانفورد

x

ويقول “أوليفر هارت”، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، لـأرقام” إن معدلات تضخم أكبر غالبا ما تنطوي على معدلات فائدة اسمية أكبر وهو ما يعطي الفيدرالي “براحا” في خفض الفائدة وبالتالي تحفيز النمو.

فيما يخالفه في الرأي “لاري صامويلسون”، أستاذ الاقتصاد في جامعة “يل”، والذي قال في تصريحات لـأرقام” إن استهداف معدلات تضخم أكبر قد ينطوي على مخاطر تتعلق بإمكانية انفلات زمام الأمر وخروجها مرة واحدة عن السيطرة.

آراء معاكسة

وفي مشهد أكثر دلالة على تصاعد الجدل بشأن هذا الرقم، قال قطب الأعمال الأمريكي “بيل أكمان” في تصريحات على شاشة تليفزيون بلومبرغ إن مستهدف الفيدرالي للتضخم بات يتسم بالبعد عن الواقع، مطالبا بتغييره.

وعلى مدار السنوات الماضية وقفت قامات اقتصادية وفكرية أمريكية ضد هذا المستهدف، إذ يشير الاقتصادي الأمريكي البارز “جي كيه جالبيرث” في كتابه الشهير “هوس التضخم… استعراض الحقائق” إلى أن الفيدرالي عليه إعطاء التضخم مساحة أكبر وعدم الاستماع إلى “صقوره” الذين ينشرون الخوف من ارتفاع الأسعار قلقاً على مكاسبهم.

فيما يستعرض “بن برناكي” رئيس الفيدرالي الأسبق في كتابه “الحقيقة حول استهداف التضخم” أهمية تحرك البنوك المركزية في السياق الذي يضمن الحفاظ على معدلات التضخم تحت السيطرة، ليتواصل الجدل بين صقور وحمائم التضخم ليس فقط في مشهد الاقتصاد الأمريكي بل في مشهد الاقتصاد العالم، وتظل النسبة “الجدلية” 2% حاضرة بالمشهد.

المصادر: أرقام – الفيدرالي الأمريكي – فاينانشيال تايمز- وول ستريت جورنال – كتاب “هوس التضخم” – كتاب “الحقيقة حول استهداف التضخم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى